متى نتعظ من أخطاء الماضي ؟

-قبل أيام زرت الرفيقة العزيزة أم يحيى (سعاد خيري) مع رفاق أخرين بمناسبة عيد ميلادها التسعين متمنين لها الصحة وأستمرارية هذا التفاؤل الجميل الذي يطرز حياتها باستمرار .هذه المناضلة التي تشعرك بأنك في بيتك عند زيارتها لذلك لم أستأذنها عندما عملت الشاي للجميع وهو ما كان مبعث سعادة لها حيث أجابت هكذا أريدكم ان تشعروا في بيتي .طلبت الغناء للوطن قبل أي حديث وهو ما فعلناه سوية رغم أنها هي التي تقود الجميع في الغناء وتحفظ العديد منها ،هذا الوطن الذي بقي الهاجس الدائم لها طيلة حياتها وفي كل الأماكن التي عاشتها ظل العراق هو الهم الأول بالنسبة لها.

-سألتها بعد حين عن أهم المحطات في حياتها والتي تتذكرها بقوة أكثر من الأحداث الأخرى رغم كثرتها وأجابت.

-أولها هي تظاهرات عام 1949 التي شاركت بها وأعتقلت على أثرها وكانت هي طالبة جامعية وأمضت بالسجن عشر سنوات حيث كان الحكم عليها بالمؤبد ولكن ثورة تموز 1958 أنقذتها من البقاء بالسجن .

-ثانيها كانت الأعتقال بعد أنقلاب 1963 وصنوف التعذيب التي مورست بحقها من قبل القوميين وأمتدت فترة الأعتقال أربعين يومأ لتبعد بعدها على الحدود الأيرانية كونها يهودية وجرى تسفير أهلها سابقأ.تقول أن فترة الأعتقال والتعذيب هذه كانت أقسى الف مرة من سنوات السجن العشرة الماضية.

-ثالثها كانت يوم فصلت من الحزب لسبب أجهله عام 2007 بعد المؤتمر الثامن .ولأنني كنت شاهد على كل أحداث هذا الفصل سألتها هل تذكرين من بلغك بالقرار ؟سكتت فترة وبدأت أذكرها بالحدث يوم أتيت لبيتها وحدي وبلغتها بالقرار لأنني خشيت على حياتها من الصدمة التي ستعاني منها لو جرى تبليغها بطريقة غير مناسبة.حينها أخبرتها بأن القرار جاء من الهيئات العليا وليس منا نحن رفاقها في المدينة ولكننا رفضنا القرار ونعاهدك على العمل لتغييره بسبب عدم قناعتنا به وهذا ما حصل رغم أن المدة تجاوزت العشرة سنوات وبجهود العديد من الرفاق الطيبين في مختلف المواقع الحزبية.هذا القرار الذي أتخذه فرد أو مجموعة لم يكتفوا به بل نعتها أحدهم في أحد المحافل الحزبية التي جرى فيها الأعتراض على القرار ،نعتها بأنها (مجنونة) بل ولأنه لا يمتلك قوة الرد على المعترضين لجأ الى الصاق تهمة أخرى بالرفيقة حين قال بأنها ترسل المقالات الى جريدة العهد (جريدة بعثية) ،تصوروا سعاد خيري تراسل جريدة بعثية !!!!.

-كل ذنبها كان هو الوقوف بالطريق الأخر المعاكس لطريق الحزب يوم دخل مجلس الحكم ودخل اللعبة السياسية التي كونها الأحتلال الأمريكي وبالتالي رفضت أنغماس الحزب بهذه اللعبة الأمريكية وأعتبرت وجود الحزب بهذه اللعبة هو تزكية للأحتلال الأمريكي.

-سألتها فيما بعد كيف تلقيتي خبر الفصل من الحزب .أجابت بعد أن سكتت وأخذت نفسأ عميقا لم أشعر بأني خارج الحزب ولو للحظة واحدة لأن الحزب ليس ملكأ خاصأ لفرد أو مجموعة ،بل هو أنتماء لفكر وممارسة أنسانية وأنا لم أتخلى عن هذا الأنتماء .في الختام قالت ليس بقلبي شيء أزاء من أتخذ هذا القرار لأنني أنظر للحزب بعين كبيرة جدأ ملئوها التفاؤل والأيمان بتغيير الحال نحو الأفضل .

*هذا المثال ابتدأ به لكي أذكر من بيده القرار وهو أو هم نفس الرفاق الذين عملوا بالماضي ويعملون اليوم بنفس القناعة والأسلوب للضغط أو محاسبة أو فصل الرفاق المعترضين على سياسة الحزب الحالية من خلال الضغط على الهيئات الأدنى (كانوا قبل ينزلون قرار الفصل من فوق والهيئات تنفذ )لمحاسبة رفاقها المعترضين وكذلك من خلال الصاق تهم بهؤلاء مثل محاولة شق الحزب أو اتهام

المعترضين كونهم يحاولون أبراز أنفسهم تحت شعار خالف تعرف بل وصل الأمر حتى استغلال المركز الحزبي وأرسال رسائل بأسم هيئات أخرى للنيل من الرفاق المعترضين.

-رغم أن من أعترض على سياسة الحزب الحالية يمارس عمله ضمن الضوابط التي منحها أياهم النظام الداخلي وهم لا يبغون منها غير المناقشة وتصويب الأخطاء التي لم تعد خافية على الجميع ونتائج الأنتخابات في كل المرات السابقة أو دور الحزب الضعيف في الخارطة السياسية العراقية خير دليل على فشل الخط السياسي الحالي للحزب .

*الأخطر من كل هذا هو الحالة المتأزمة التي يعيشها الرفاق مع بعض حيث التخندق بالمواقف والتشدد ازاء أي أفكار تدعو للتغيير ومحاربة من يدعو للتغيير بشتى الطرق حتى باتت الأمور تحسب قبل أي طرح .من يطرح الفكرة ان كان من المعترضين فيجب رفضها دون التفكير والتدقيق بفحوى الفكرة ،بل وصلت الأمور حتى للعلاقات الأجتماعية التي تأزمت بشكل واضح .اما قضية الأنتخابات للمهام فهذا موضوع أخر حيث التخندق واضح جدأ في محاربة المعترضين أو العكس أعطاء الصوت للموالين بشكل اعمى حتى وان كانوا ضعيفي الكفاءة بس المهم لا ينجح المعترض بالأنتخابات .

-كل هذه وغيرها من النتائج لسياسة محاربة المعترضين والتي يتشدق بها أصحاب القرار الحزبي (أصحاب حزمة العقوبات ) جعلت وتجعل الحياة الحزبية غير نزيهة ودفعت أكثر من رفيق الى تقديم أستقالاتهم والتي لم تعرها الجهات المسؤولة أية أهمية ولم تتوقف عندها لحد اليوم .

*اليوم ونحن نحتفل بعيد الحزب الخامس والثمانون والذي نعتز جميعأ بهذه الذكرى وهذا التاريخ المجيد الذي تعبد بالتضحيات ونكران الذات والدم والشهداء لا يسعني الأ القول بأن الحزب لا تقاس قيمته الحقيقية بعمره فقط ،بل بمكانته بالساحة السياسية وعمله وأذكر الجميع يوم كنا نحمل السلاح بوجه الطاغية وتحملنا كل المصاعب ، ولكننا يومها كسبنا أنفسنا والناس سواء داخل وطننا أو خارجه وحتى المعارضة العراقية رغم كل الدعم الخارجي لها لم تستطع تجاوزنا كرقم مهم بينهم .

-أن المسار السياسي الذي يختطه الحزب في الفترة الحالية جعلت منه رقمأ غير فاعلأ بالأحداث وهذه الحقيقة يلمسها الأنسان البسيط في الشارع قبلنا نحن ويكفي أن تسأل الناس عن دور الحزب ليجيبك بحسرة عن هذا الدور الهامشي للحزب بعد أن كان سباقأ للجميع في المشهد السياسي العراقي .

-تعددت سنوات المحن والمعاناة التي يعيشها الحزب نتيجة رغبة البعض في أستمرار هذه السياسة المؤذية للحزب وناسه وبالتالي ألم يحن الوقت للأتعاظ من تجارب أخطاء الماضي والعمل على بلورة روح رفاقية سليمة تتعايش فيها جميع الأفكار على أختلافها وتكون الأيام هي الفيصل بأحقية صواب هذه الفكرة أو تلك؟أم يبقى من بيده القرار يعتقد بأنه يمتلك زمام الحق في تقرير كل شيء طالما هو بالموقع القيادي وبهذا يكون قد زرع بذور الخراب الداخلي للحزب لنحصد فيما بعد هذه الحياة الحزبية المأساوية؟

*أن تدهور أوضاع الحزب لا يحصد ثمارها فرد بحاله أو مجموعة محدودة فقط بقدر ما تحصده عموم جماهير الحزب وأعضاءه ولهذا لابد من التفكير الجيد بهذه القضية من قبل الجميع قبل فوات الأوان.

-أن الوحدة الداخلية السليمة للحزب هي المفتاح الأول لأي نجاح سياسي يحققه الحزب ويكفي دراسة النتائج الأخيرة للأنتخابات يوم لم يصوت الكثير من أعضاء الحزب لقائمة سائرون في الدلالة على تغير مزاج وقناعات الرفاق بشكل كبير.

مازن الحسوني 2019-3-31

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here