مستقبل العراق . . العودة الى الديكتاتورية ام الملكية

ادهم ابراهيم

شهد العراق منذ انقلاب او ثورة 14 تموز 1958 على الحكم الملكي , صراعات دموية بدأت في عام 1959 اثر حركة عبد الوهاب الشواف في الموصل . وما اعقبها من قطار السلام الذي حشد فيه الشيوعيون كل جماهيرهم في استباحة مدينة الموصل بعد فشل حركة الشواف . ثم انتقلت الى كركوك وفتكت باعداد كبيرة اغلبهم من التركمان والعرب . والباقي معروف للجميع من محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم . ومابعدها القتل والتعذيب الذي لاقاه الشيوعيون اثر انقلاب 1963 . ومابعده انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين , ومجئ اخيه عبد الرحمن عارف بعد سقوط طائرته في البصرة . وانقلاب 17 تموز 1968بقيادة احمد حسن البكر . ثم استلام صدام حسين للحكم وماشهده العراق من حروب وحصار اقتصادي طويل مضني . واخيرا وليس اخرا مجلس الحكم الذي شكلته المخابرات الامريكية بقصد تقسيم المجتمع وتفتيت وحدة الشعب العراقي بطوائفه وقومياته المتآخية . وماتمخض عن مجلس الحكم والحاكم بريمر من عملية سياسية عرجاء لاقى الشعب فيها اشكالا عديدة من الاضطهاد والظلم والاقتتال الداخلي اضافة الى الفقر والعوز والبطالة في وضع مزر لم يشهد له العراق مثيلا . وعاثت الاحزاب وميليشياتها فسادا في مناطق ومحافظات العراق كافة , وتسيد حثالات الطوائف والقوميات على نخب العراق وشعبه المغلوب على امره , فتم تجهيله , وسلبت ارادته , فاصبح العراق في خبر كان بعد ان انتهكت سيادته وتدخل من هب ودب من دول عديدة في شؤونه الداخلية . ويبدو ان هناك خطة معدة سلفا لهذا الغرض , فقد تم تخريب الصناعة والزراعة والتعليم والصحة وانعدمت الخدمات , ونهبت الدولة ومؤسساتها ووزعت المنافذ الحدودية على الاحزاب , واصبحت سرقات النفط اقطاعيات من الشمال الى الجنوب , وجرى العمل على اذلال العاصمة بغداد واهمالها وتهجير نخبها الاجتماعية والعلمية . وهكذا مر العراق من اقصاه الى اقصاه بكوارث لم يشهد التاريخ لها مثيلا منذ عهد هولاكو

نذكر كل هذه الاحداث بعجالة والخافي امر وادهى . . ويتبين لكل ذي عقل وبصيرة ان العراق منذ القضاء على الملكية والى يومنا الحاضر لم يستقر وبقيت الازمات متلاحقة وما ان يخرج من معضلة حتى يدخل باخرى اشد منها . ان النظام الملكي على عيوبه كان افضل كثيرا من كل الانظمة التي تعاقبت بعده , حيث كانت للدولة هيبتها وللموظف احترامه , وقد وفر النظام الملكي الحد المعقول من الاستقرار والامن وكانت الدولة ذات مصداقية وقيمة عليا في المحافل الدولية , وفي الداخل كان هناك مجلس الاعمار ووزارة الاعمار , لاعداد الخطط القصيرة والبعيدة المدى حتى ان اغلب المشاريع الاقتصادية الزراعية والصناعية والاروائية التي تم تنفيذها في مراحل لاحقة كانت نتاج تلك الخطط , وكان هناك تسلسل للمراجع من ادنى موظف الى الملك , الذي كان يمثل الدولة والمرجع الاعلى لسيادة القانون والنظام

اذا ماقارنا نظام الحكم الحالي مع نظام الحكم الملكي قبل اكثر من ستين عاما تتضح لنا الصورة الواضحة لما يعانيه المواطن العراقي في هذا الزمن الاغبر من غبن وظلم , نتيجة سيادة الفساد والجهل وتكريس المحاصصة الطائفية والقومية , وسقوط الشعب في متاهات التخلف الديني والحضاري
ان مثل العراق الان كمثل مدرسة ابتدائية يديرها التلاميذ من دون مدير او ادارة وحتى بلا مناهج تعليمية . او هو اشبه بفرقة موسقية يعزف فيها كل فرد على هواه دون نوتة او مايسترو يديرها ويوزع الادوار على العازفين
كيف يمكن اذن قيادة الدولة بهذه الطريقة الفوضوية . او اعادة بناءها في ظل الصراعات الحزبية الاخذة بالازدياد يوما بعد يوم وكيف يمكن تقديم الخدمات الى المواطنين وضمان امنهم . وكيف يمكن اعادة التلاحم والتآلف الاجتماعي بين افراد الشعب الواحد

ان النظام الديموقراطي لايمكن ان يقام عبر شعارات وممارسات خاطئة . بل هو مجموعة قيم وافكار تتطور وتترسخ في ضمير الشعب وفي التجارب السياسية والاجتماعية للافراد والجماعات عبر عقود من الزمن
ان تطبيق النظام الديموقراطي في العراق لايقتصر على مجرد صناديق اقتراع . بل هو بحاجة الى نخب متحضرة ومواطنين متعلمين يعرفون حقوقهم وواجباتهم , اضافة الى مؤسسات وهيئات المجتمع المدني التي تعتبر دعامة اساسية في النطام الديموقراطي . ولذلك فان تجربتنا الديموقراطية بحاجة الى مراجعة كبيرة . بعد ان تعذر تطبيق النظام الديموقراطي فعلا , ليس الان فقط بل وفي المستقبل المنظور ايضا , نتيجة سلوك السلطة الحاكمة وازلام الاحزاب المتخلفة . والامية المتفشية في المجتمع على نطاق واسع
لقد كفر الشعب فعلا بهذه التجربة المسماة بالديموقراطية زورا وبهتانا . . وهو يمر الان بمرحلة الشك في كل شئ , بعد ان فقد الثقة في تحسن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم . والانفصام التام بينه وبين الحكومة التي لم تعد تمثله . وبذلك فاننا نرى ان العراق سيواجه ثلاثة سيناريوهات

اما البقاء على هذا الوضع السياسي المزري والمخالف لابسط مبادئ العدالة والعقلانية . وهذا مستحيل لانه قائم على الظلم والكراهية والتخلف والفساد

او الذهاب الى الديكتاتورية مع توفير الامان والخدمات الانسانية للمواطنين كبديل عن الديموقراطية الزائفة القائمة على التجهيل والفوضى والفساد , وهذا مرجح جدا بعد معاناة المواطن من ديموقراطية الاحزاب والميليشيات الفاسدة وقد ذاق الامرين منها
او اخيرا العودة الى النظام الملكي الدستوري مع هامش ديموقراطي ينمو باستمرار مع النمو الاجتماعي والتطور الاقتصادي للبلد , هذا اذا ما اراد المواطن تحقيق الاستقرار والامن الاجتماعي والحد المعقول من الخدمات الصحية والعلمية والحضارية . وهذا ليس ببعيد خصوصا وان هناك تجارب عالمية كثيرة في العودة الى الملكية اخرها في اسبانيا بعد حكم فرانكو
ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here