الثقافة السياسية

بقلم الدكتورة سعاد ياسين – نائب رئيس جمعية المحامين البحرينية

————————————-

الثقافة السياسية هي مجموعة من القيم والمبادئ التي تشكل الولاء والانتماء والشرعية والمشاركة السياسة في الدولة، وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب لعمل الحكومة، وبذلك يمكن القول أن الثقافة السياسية هي ذلك الفرع المنبثق عن الثقافة العامة وتمتاز باستمرارية تغيرها وتطورها لسلوك الأفراد الرسمية والشعبية تجاه النظام السياسي القائم على الحكم.

ويرتبط استقرار النظام الحاكم بتأثير الظروف والتغيرات التي تطرأ فى العلاقات التى تربط المجتمع بنظام الدولة والمجتمعات الأخرى المرتبطة به، ويشترط في حياة الأفراد السياسية ضرورة الإحساس بالانتماء للنظام السياسي السائد، إذ يضفي ذلك على النظام شرعية زائدة، بالإضافة إلى الحفاظ على حياة النظام لمدة أطول، ومساعدته على تجاوز ما يواجهه من أزمات وصعاب، وينعكس ذلك على نواحي الاستقرار الإجتماعى والتنموي.

وتختلف الثقافات السياسية من مجتمع لآخر وفقاً لعدة معايير أهمها الأيدلوجية التى ترتبط بالعقيدة والوطنية والقومية التى تتكون لدى أفراد المجتمع من قيم وموروثات ومبادئ

سياسية واقتصادية ودينية تتبعها الجماعة، ولا تتقيد هذه القيم ببيئة جغرافية معينة فكم من أفراد يغادرون موطنهم الأصلى دون أن تتغير مفاهيمهم وثقافاتهم السياسية.

فمعيار الوطنية وهو ما يربط الأفراد بوطنهم ومجتمعهم الأصلي إيماناً بنزعتهم الوطنية وحبهم للمجتمع الذى نشأوا فيه وتغلغلت فيه جذورهم وأصولهم من الآباء والأجداد ويتمثل ذلك فى ارتباط الفرد بأرض أجداده ووطن أباءه حتى ولو كان مولود فى دولة أخرى إلا أن ثقافته الوطنية لا تختلف كثيراً فى الأجيال المهاجرة وارتباط ثقافاتهم بدولة المهجر.

كما أن معيار القومية ذو أثر هام فى الثقافة السياسية حيث تجسد ثقافة أمة أو أقليم بثقافة معينة ومحددة ومترابطة بين عدة قبائل أو دول فتتجسد فى العوامل المادية والمعنوية المحيطة التى تربط ثقافة هذا الإقليم وتميزه عن غيره من الثقافات الأخرى ويتمثل ذلك فيما تأصل عن الثقافات العربية والثقافات الأوروبية أو الثقافات فى دول شرق آسيا.

وفى المجتمعات التقليدية تعتبر بداية تكوين الدول فى شكل قبائلي حيث إن الفكر والثقافة المجتمعية فيها ذات جوانب سياسية واجتماعية مترابطة ومقربه بين الأفراد والحاكم بشكل قوى وكبير مما يدعو إلى ممارسة السلطة وفق أسس أسرية مترابطة ونادراً ما يختلف النهج أو السلوك بينهم.

بينما فى مجتمعات أخرى فقد يهتم الغالبية فيما يدور حول نطاق الحياة العامة والأفكار السياسية والحزبية المختلفة أو فى التشكيلات الحكومية وقراراتها وما ينعكس عنها فى

علاقات الدولة بالدول الأخرى ، الأمر الذى قد يؤدى إلى ثقافة التبعية دون مشاركة فعالة حقيقية من الأفراد فى صياغة القرارات المؤثرة فى مصالحهم أو التى تهم شئون حياتهم ويتمثل ذلك فى المجتمعات الديكتاتورية.

إلا أن هناك الثقافة السياسية القائمة على أسس ديمقراطية ذات أواصر وروابط حقيقية وفعالة بين الأفراد والنظام الحاكم من خلال الدراية والمعرفة السياسية لإبداء الرأى وتقبل الرأي الآخر ووفقاً لاحتياجاتهم ومطالبهم الحياتية ومشاركتهم فى صنع القرارات العامة من خلال إختيارهم لممثليهم في السلطة التشريعية والتى تعكس بالدور الإيجابي في الحياة السياسية القائمة على المشاركة الوطنية.

مما يؤكد لنا أن ثبات الثقافات السياسية لدى أفراد المجتمع يستند على عدة عوامل من أهمها الانتماء للوطن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي فى الدولة والبعد عن الاضطرابات والانقسامات الطائفية أو العنصرية وغياب العنف عن أفراد المجتمع وإيضا عدم كثرة تغيير مكونات النظام السياسي للدولة وينعكس ذلك بشكل مباشر على كافة أطياف المواطنين الموجودين بالمجتمع من رضا المحكوم على الحاكم والاعتراف بحق الآخر والاستناد دائماً إلى الشرعية من خلال النظم والنصوص القانونية المعمول بها في الدولة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here