فنون العراق الجميلة، الموسيقى والغناء في العصر الاموي !

* د. رضا العطار

العصر الاموي (40 – 132 هجرية)عندما انتقلت الخلافة من المدينة الى دمشق، بدأت مصادر الفن الغنائي تتطور وتتحلق وتثمر وتبدا بالنمو قالبيا لتنفصل عن غناء الصحراء البدائي وتشكل لها حواشي فنية لحنية تاركة هذا الغناء يتابع تطوره وفق منطقه الخاص.

وفي العراق نشط فن جديد يدخل الغناء وهو مد التلحين الى بيتين دون ان يكون مقتصرا على بيت واحد ويتكرر بعد ذلك الى الابيات الاخرى. ومن المحتم تاريخيا التاكيد على ان الصلة التي تحققت بين الموسيقى اليونانية والموسيقى العبرية القديمة كانت ثمرة اصيلة من ثمرات الموسيقى العراقية والمصرية الاكثر قدما وليس هذا الراي الا بمثابة الانتقال من مجال التخمينات الى مجال الحقائق التاريخية.

فالغناء عند العرب كما وصفه (ابن سريج)المغني العربي الشهير في العصر الاسلامي، ( وهو الذي كان يشيع الالحان ويملأ الانفاس ويعدل الاوزان ويفخم الالفاظ ويعرف الصواب ويقيم الاعراب ويستوفي النغم الطوال ويحسن مقاطيع النغم القصار ويصيب اجناس الايقاع ويختلس مواقع النبرات ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النقرات )

وفي العراق آبان الحكم الاموي اندمجت قوالب التراتيل الدينية بالعناصر الشعبية الدنيوية الجديدة في الغناء، وهذا الاندماج جاء بتاثير من الحياة الرخية وبعض السماحات التي اشاعتها الادارة الاموية فيما يتعلق بالفنون التعبيرية، وفق ملامح تميزت بوجه خاص نظرتها الى تشكيل الكلمات. اذ برغم استخدام الاوزان العروضية في الشعر العربي الا انها اختلفت عن هذا الشعر من ناحية نظرتها الحقيقية الى التشكيل.

فقد كان تشكيل الكلمات في الشعر القديم خاضعا للاوزان الشعرية، وفي الطريقة العراقية ليست هناك ازدواجية في التشكيل الشعري اذا احيت الاغنية العراقية (الميلوديا) الشعبية البسيطة وادخلت اوزانا جديدة مستمدة من طريقة العراقيين في عصري اشور وبابل – – – الى جانب ذلك تعد الاغاني العراقية صورة مشعة لعمق الترديد العائد للموسيقى العراقية القديمة في عصر ما قبل الاسلام.

وفي العصر الاموي استخدم العراقيون المقامات القديمة ذات الثراء النغمي والقوة التعبيرية الى جانب آلة القيثارة التاريخية الكلاسيكية في مصاحبة الغناء. وقد قام الغناء على اساس الخلط الرصين والمتميز بين الفن الكلاسيكي الشرقي والسمات العراقية المحضة، الى الروح الدينية الجديدة المتألقة بالتهليلة. واذا ما قورنت باللألات الموسيقية وما فيها من انتظام تبدو انها تتبع عنصرا جديدا من التناسق في كل من شعرها ولحنها على حد سواء. اذ تتالف الاغنية العراقية من عدد من الموشحات المتشابهة، ويتكون كل موشح من اربعة ابيات او اسطر شعرية.
وقد جرت العادة العراقية على ان يخصص لكل مقطع في الميلوديا نغمة واحدة، ويترتب على هذا الاساس، و تكوّن نغمات بسيطة سلسة من الميسور ترديدها فهي قريبة من الروح الشعبية العراقية – – – وخلاصة القول : ان هذه الروح الشعبية اخذت تتطور بقليل من التحويرات المعينة سواء في المقام العراقي او في القالب الغنائي. )

مقتبس من كتاب حضارة العراق للباحث عادل الهاشمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here