9 / 4 كما ورد في كتابي ( ما لم يذكر عن سقوط بغداد )

سالم سمسم مهدي

سبق وأن ذكرت أنني لم أغادر بغداد إلا يوم 6 / 4 / 2003 بعد أن تعرضت القطعة العسكرية القريبة من منطقتنا ( لواء صواريخ ضد الجو ) لهجوم بالقنابل العنقودية شاهدته عن قرب حيث صادف أنني كنت على سطح الدار وأعقبه وبنفس الليلة نصب منصة إطلاق صواريخ أرض أرض على مسافة 100 متر من سكننا وعند الثانية فجراً بدأت بإطلاق صواريخ باتجاه المطار وهي الليلة التي توعد محمد سعيد الصحاف القوات الامريكية بحرب غير تقليدية على حد تعبيره وكانت الصواريخ تنطلق عابرة من فوق سطح المنزل وجلس كل من في الدار بحالة ترقب وتجمعنا في غرفة واحدة وكنا نسمع كل مراحل اطلاق الصواريخ ابتدءا من تشغيلها ولم يغمض لنا جفن …

في الصباح هدأت الأمور بعض الشيء فطلبت من الاولاد التهيؤ للذهاب الى بعقوبة لدار عديلي المرحوم مقدم جمال الحيدر هناك ( اغتيل لاحقاً من قبل العناصر الارهابية أبان الاقتتال الطائفي ) وفعلا غادرنا بعد الظهر وكان قرار المغادرة صائبا جدا لان دارنا تعرضت للقصف الساعة السابعة والربع صباح يوم 7 / 4 وهو القصف الذي أستشهد فيه جارنا الطيب أبو أركان هو وأثنين من أولاده رحمهم الله وسقطت في بيتنا 14 قنبرة عنقودية الحقت به دمار تبين لاحقا أنها منظبة باليورانيوم لأن الأجزاء المعدنية التي اصابتها هذه القنابر بدأت تتآكل …

لا أريد أن أتحدث هنا عما شاهدت في الطريق إلى بعقوبة من مناظر تقطع نياط القلب الذي كنت أقطعه بخمس وأربعين دقيقة سابقاً ولكن هذه المرة تطلب الامر أكثر من خمس ساعات شاقة وما أن ارتحنا قليلاً حتى بدأ قصف أمريكي عنيف على معسكر سعد القريب منا وسط بعقوبة فكانت ليلة لا تختلف عما كنا نعيشه في بغداد طيلة أيام الحرب وتبين أن القوات الأمريكية كانت تريد أن تتخذ من المعسكر قاعدة عسكرية لها فشنت هذا الهجوم الكاسح الذي استمر لليتين متتاليتين ليهرب جميع من في المعسكر ودخله الامريكان فعلاً …

في يوم 8 / 4 عرضت الفضائيات لقطات لجنود امريكان في احد قصور صدام في منطقة الرضوانية وهم في حالة استرخاء ويحلقون ذقونهم مع استمرار القصف في مناطق كثيرة من المدن العراقية يستهدف اكثرها البنية التحتية حيث تشترك في هذه العملية أكثر من ألف طائرة وهي أكبر عملية في التأريخ يتعرض لها بلد واحد بهذا الحجم وأهم ما في هذه الغارات ألقاء أربع قنابر ثقيلة جداً على دار بمنطقة المنصور كان يعتقد أن صدام كان سيجتمع فيها …

لقد بدأت الآلام تلقي بظلالها على نفوس العراقيين الشرفاء عندما أخذت الفضائيات تنقل مشاهد أعمال النهب والسلب التي قام بها اللصوص والحواسم في مدينة البصرة وكانت هذه الأعمال بداية لنهب العراق من قبل المفسدين وقتل هذا اليوم مراسل وكالة رويترز وهو في فندق المريديان وكذلك أصيب مراسل قناة الجزيرة في فندق الميليا منصور بقصف شنته عليهما الطائرات الامريكية وقتل أيضاً مراسل صحفي أسباني ثالث وأضطر الصحفيين الذين كانوا في هذه الفنادق إلى رفع الرايات البيضاء من شبابيك غرفهم في الفنادق …

كانت معركة معسكر الرشيد أشرس معارك يوم 8 / 4 ودارت بين قوات فرقة المارينز الاولى ( المجهزة بدبابات ذات قوة فائقة وشكلها مرعب ) والقطعات العراقية المتمركزة في المعسكر وذكر لي أحد العراقيين الذين دخلوا مع الدبابات الأمريكية أن هذه المعركة كلفت القطعات العراقية 137 دبابة خلال فترة لم تستغرق أكثر من أربعين دقيقة وكانت هناك عمليات أنزال متفرقة وكثيرة تقوم بها القوات الأمريكية في مناطق محيطة ببغداد وعدد من المدن العراقية …

دخلت الفرقة الأمريكية الأولى قلب بغداد يوم 9 / 4 ( وتمركزت في فندق المريديان إلى يوم 18 / 4 حيث جرى تبديلها بقوات أخرى ) بالتزامن مع دخول العاصمة من عدة محاور كان بينها دخول منطقة الرشاد وإطلاق سراح مائة صبي كانوا محتجزين في أحد السجون لتتوجه بعدها هذه القوات باتجاه مدينة الثورة …

شوهد صدام ظهر هذا اليوم في منطقة الاعظمية يرافقه كلا من وزير الدفاع سلطان هاشم وولده قصي وسكرتيره عبد حمود ليتوجه إلى جهة مجهولة وأختفى في هذا اليوم كذلك محمد سعيد الصحاف الذي كان يتخذ من التلفزيون التربوي في الاعظمية مقرا له وقبله أختفى طارق عزيز ولطيف نصيف جاسم من مقرهم قرب الجامعة المستنصرية وكان باقي اعضاء قيادة صدام موزعين على مختلف مناطق العاصمة من بينهم نائب الرئيس طه ياسين رمضان الذي كان متواجد في اليرموك فهرب بسيارة تكسي أما عزة الدوري ففعل الشيء ذاته من مقره في كركوك بعد أن اقتربت قوات البيشمركة منه وما زال مختفياً حتى الآن …

في الساعة الرابعة والنصف عصراً شاهد العراقيين والعالم اجمع قيام دبابتين أمريكيتين بعد أن عبرتا جسر الجمهورية واختراق شارع ابو نؤاس والالتفاف نحو ساحة الفردوس بإسقاط أكبر تمثال لصدام وسط تصفيق الحضور وصفعات نعال أبو تحسين ليسقط أعتى نظام دكتاتوري في المنطقة …

شكل العراقيون في الداخل يوم 12 / 4 اللجنة التطوعية المدنية لإدارة مدينة بغداد وكنا من مؤسسيها والتي لم تحظى برضى الامريكان وممثلي الاحزاب القادمين من الخارج حققت منجزات رغم قصر المدة التي مارست نشاطها فيها وهي اسبوعين فقط وجرى التعتيم عليها ليتم وأدها لاحقاً وبالإمكان الإطلاع على تفاصيل عملها في كتابي ( ما لم يُذكر عن سقوط بغداد ) لتبدأ أكبر عملية فساد في التأريخ طالت الأموال والسلاح والتراث والثروة الوطنية تاركين للشعب القتل والتدمير واليتم والأرامل والجوع والمرض والجهل حيث أخذ المشعوذين والسحرة والانتهازيين والسراق ينشطون ويعملون بكل قوة .

سالم سمسم مهدي

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here