احتلال ام تحرير

عبد الرضا حمد جاسم
مرت في التاسع من نيسان الجاري ذكرى سقوط نظام صدام حسين غير المأسوف عليه، على أيدي قوات اجنبيه, تقودها الولايات المتحدة الأمريكية خارج ما يسمى بالشرعية الدولية وبحجج واهيه غير مسنودة، وبمؤامرة قذرة حاكت خيوطها الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بالمجرم جورج بوش و بطانته القذرة وبتنسيق خبيث بين جهاز المخابرات الأمريكية والبنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية والبيت الابيض ساند ذلك ودعمه وشجعه رئيس الوزراء البريطاني المجرم توني بلير ودول الاجرام العربية و الاقليمية وقد اصدرت الامم المتحدة قراراً باعتبار دخول تلك القوات احتلالاً وأيدت ذلك الولايات المتحدة الامريكية واعترفت به.
قد توالت الاعترافات والفضائح والتسريبات عن كذب الحجج التي اعتمدتها الولايات المتحدة الامريكية وضللت بها الراي العام العالمي والمحلي حول اسلحة الدمار الشامل العراقية وعلاقة صدام بالقاعدة. وكما تَعودت الشخصيات السياسية والأمنية الأمريكية منذ قيام امريكا لليوم على الاستفادة من فترة الوظيفة لما بعدها من خلال الوثائق التي يسرقونها والمعلومات التي يمتلكونها والعلاقات المشبوهة مع الشركات الكبرى،

فقد ظهرت كل تلك الألاعيب من خلال الصفقات التي عقدوها مع دول الخليج او تلك الشركات او من خلال المحاضرات او كتابة المذكرات فقد اعترف كولن بأول/وزير خارجية امريكا بأنه عرض معلومات مضلله وادعى انه لا يعلم بها وهو كاذب، كما اعترف جورج كنيت رئيس جهار المخابرات الأمريكية بمثل ذلك وستظهر الكثير من الامور مع مرور الوقت. وهؤلاء المجرمين يتحصنون بالديمقراطية التي لم تقدم اي منهم الى المحاكم بجريمة تشويه سمعة الولايات المتحدة الأمريكية القذرة اصلا او التسبب بمقتل الالاف الامريكيين وما يقارب من مليون عراقي واشاعة الفوضى في العراق وتدمير البنى التحتية وسرقة وتعمد تدمير كنوز الحضارة في العراق وتفتيت المجتمع العراقي وتدمير التربة واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً. هذه شريعة الكاوبوي الحقير الامريكي الذي بنت عليها امريكا كل ماهي عليه اليوم.
كل العالم شعوب ودول بما فيها الكثير من الشعب الامريكي وكل المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية والكثير من الشخصيات بمختلف اتجاهاتهم الفكرية اعتبروا ما جرى في العراق احتلال نتج عنه كما كل الأماكن التي وصلتها أمريكا، تدمير ممنهج لكل شيء
ليس غريباً ان ينقسم العراقيين بين اعتباره احتلال او تحرير وكلٌ ينطلق مما كسبه أو لمسه .من يعتبر يوم التاسع من نيسان تحرير يعتبر ان تلك النتيجة مبرره وهذا مخالف للمواطنة والوطنية لأن ما جرى يفوق الوصف والخيال ويمس وطن ومستقبل أجيال.
بلد استبيح من قبل الامريكان منذ تنصيب المجرم صدام حسين وحتى قبل ذلك منذ عام 1963 لليوم حيث لعبت وتلعب أمريكا فيه و في محيطه. كانت واضحة نواياها في تخريب العراق منذ ان دفع الخبيث كيسنجر صدام حسين للواجهة عام 1975 عند توقيع اتفاقية الجزائر بين شاه ايران وصدام حسين عندما كان نائب للرئيس، في لقطة غريبه لم يألفها الرؤساء ولا الملوك ولا الأباطرة ،ان شاهنشاهاً “عظيم العظماء” يوقع اتفاقيه دوليه مع شخص بدرجة نائب رئيس.
لقد افتعلت امريكا ومن تبعها من العرب قضية الحصار وهم على علم تام ان ذلك لم يؤثر على صدام حسين انما يدمر النسيج الاجتماعي والمنظومة الاجتماعية الثقافية للمجتمع العراقي وكانت تصلهم الاخبار اول بأول عن تأثير ذلك وما قالته اولبرايت عن موت اطفال العراق يشمئز له الانسان السوي لكن من يتبع العظم الامريكي من العملاء لا يعيرون لذلك اي اهتمام.
من عاش في العراق خلال فترة الحصار الجريمة يعرف اثاره وما نتج عنه ولنا قصص كثيره لمسناها وعشناها تجعلنا نضع اكثر من علامة استفهام على كل من يؤيد امريكا او ما جرى سواء من العراقيين او من العرب وأولهم الذي دخلوا مع قطعان التدمير الى العراق سواء كان معمم او يعتمر الكوفية او ال “الجراوية” اوأل(شفقه)الأمريكية الخاصة برعاة البقر واسلافهم القتلة المجرمين او حاسري الرؤوس… من اشباه الذكور، ومعهم صبيان السياسة الاخرين والتابعين لغير العراق من هذا وذاك وهذه و تلك …واستثني من ذلك الشرفاء الذين تداركوا الموقف ودخلوا بعد دخول الامريكان وليس بالمدرعات الأمريكية.
لقد تعرض النظام لمحاولات تغيير كثيرة لكن الامريكان و بقية جوقتهم كانت تجهضها و معروف اهم تلك المحاولات ما اطلق عليه في العراق على الأقل “مؤامرة راجي التكريتي” العالم يتذكر ما اسماها النظام المقبور مؤامرة التي شارك فيها الطبيب راجي التكريتي(الطبيب الخاص بالطاغية وصاحب الحظوة عنده) وطالب السهيل شيخ بني تميم والتي اشرف عليها ولي عهد دولة عربيه منتصف التسعينات والتي وصلت مراحل متقدمة كادت ان تخلص العراق من صدام وزبانيته لولا قيام المخابرات الامريكية بتعبير قائمة بأسماء المشاركين بها الى صدام حسين عن طريق ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة “الفاطس” نزار حمدون /”لينزل” فيهم ذبحاً ولم يسلم منها حتى راجي التكريتي الذي كان يقيم وقتها في الأردن حيث اختطف من عمان ونُقل الى بغداد ليرميه صدام حسين الى الكلاب في واحدة من حفلاته “الماجنة” وبعدها تمكن من اغتيال طالب السهيل في بيروت…ودُفِنَت تلك المعلومات بموت نزار حمدون المفاجئ في نيويورك.
لو ارادت الولايات المتحدة قتل صدام او الانقلاب عليه لتمكنت ولكنها ارادت تدمير العراق بفعل هوس الصعلوك بوش وخوفه من ماجوج واجوج وإلا ما هو تفسير ما ظهر انه تخبطها وعدم تمكنها من ادارة العراق، ففي الايام الاولى اتوا بالعسكري (كَارنر) حاكماً للعراق ثم ابداله السريع والمستغرب وحتى قبل ان يستقر في بغداد بالمدعو (بريمر) لأداره شؤون العراق، ثم تشكيل ما سمي بمجلس الحكم… وهم بذلك تصرفوا كما تصرف صدام حسين بعد دخوله الى الكويت حيث قال عن ثورة ضباط طلبوا المساعدة ومن ثم اصبحت المحافظة التاسعة عشر وبعدها تقسمت الى اربعة محافظات وتم تبديل حكام تلك المحافظات ومسؤوليها. قد يكون الطاغية معذور فيما قام به بهذا التخبط لأنه لم يستعد لها جيداً او تحت تأثير الضغط العالمي وقرارات مجلس الامن …لكن كيف يُعذَرْ الامريكان، فبعد استعدادات عسكريه هائلة لأكثر من عشرين عام متتاليه وعمليات تدريب ومناورات عسكريه هائلة في صحراء سيناء وفي دول الخليج وعمليات تجسس فاقت كل التصورات واستغلال الامم المتحدة في ذلك وعمليات مسح شامل لكل العراق شمل حتى القصور الرئاسية وعمليات تجييش اعلامي رافقها حصار اقتصادي علمي خانق شارك فيه كل العالم ورصد مئات المليارات لذلك وتجنيد عشرات الالاف من العملاء العراقيين والعرب وحملات تدمير منظمة لكل الأسلحة العراقية والمعدات الازمة لا نتاجها سبق كل ذلك ما جرى عام1991 من تدمير شامل للبنى التحتية وتدمير شامل وكامل للجيش العراقي والسلطة العراقية…بعد كل ذلك لم تتمكن كل تلك الدول بما تملك من قوة عسكرية واقتصادية و معلوماتية مدعومة بما يقرب من ثلاثة ارباع المليون من المجرمين و القتلة و العملاء من إدارة بلد مثل العراق. او حتى إدارة جوقة العراقيين الذين تعاملوا معها ودربتهم على ما تريد.

ان الكثير ممن رافقوا وطبلوا للاحتلال مما يسمى بالمعارضة العراقية لم يختلفوا يوماً مع صدام حسين لأجل الشعب العراقي او مستقبل العراق وانما لمصالح ذاتيه فذك ابن الباشا الذي يريد ان يعيد املاك ابيه والأخر سرق اموال حزب البعث تنظيم الخارج وأصبح معارضاً والاخر يريد ان يعيد لأبيه كرسي البرلمان واخر سرق التصنيع العسكري وهرب وغيرهم الكثير من الذين منعهم من إقامة مسيرات اللطم وضرب الرأس “القامة” أولئك الذين تصدروا المشهد السياسي مع وصول المحتل الأمريكي البريطاني الإيطالي العربي الخليجي للعراق.

العجيب ان الصحافة الأمريكية والسياسيين ومراكز الدراسات تقول ان هناك من قدم معلومات مغلوطه للأمريكان حول اسلحة العراق او عن حالة العراق والكثير منهم من المعارضة العراقية ويحملون الجنسية الأمريكية لكن لا الحكومة الامريكية و لا الكونكَرس و لا وزارة العدل فيها و لا صحافتها طلبت التحقيق مع احد من هؤلاء او محاكمته بتهمة تقديم معلومات كاذبه او التضليل الذي ادى لمقتل الاف الامريكان وخسارة مئات المليارات و لا حتى دافع الضرائب الامريكي طالب بذلك…ألم يؤشر ذلك الى شيء؟!
ان ما جرى في العراق هو احتلال تدميري مبرمج استمر مكشوفاً منذعام1991 الى 9/4/2003 وشمل كل العراق (ارض وتاريخ وشعب) حاضر ومستقبل.
ان من يقول ان امريكا خلصت العراق من صدام الذي لم تتوفر قوه اخرى غيرها في خلعه هو واهم وكمن يسامح طبيب عالج مريض ولكنه تعمد الخطأ في العلاج مما تسبب في تفاقم المرض …لكن هناك من البعض يقول ان الطبيب اجتهد.
ان هذه الجريمة بحق شعب العراق وارضه وتاريخه ومستقبله لا يمكن ان تعتبر تحريراً وانما جريمة ضد البشرية لا تسقط بالتقادم…وستذكرها الاجيال ولن تنساها لأن النسيان معناه الموت والشعوب حية وزادها للحياة هو التذَّكر…فعلى العراقيين تذَّكر ذلك دائماً لأن التذَّكر يقضه ووعي واجبة لمستقبل هذا الشعب و البلد.
كارثة الاحتلال كبرى وسيستمر تأثيرها لأجيال قادمة، فلآثار النفسية و الاجتماعية لتك الكارثة الكبرى سترافق الأجيال و ستؤثر على مستقبل الشعب و البلد، لم تظهر تلك الآثار بالكامل بعد…لكن علاماتها أخذت تظهر من خلال الولادات المشوهة وامراض السرطان التي اصبحت من كثرتها وكأن السرطان صار في العراق من الامراض المعدية…و الانقسامات العائلية و المناطقية تتصاعد.
لقد قُتِل العراق… على ايادي المحتل واذنابه …من خلال التمزيق المتعمد لنسيجه الاجتماعي و لنسيجة الجغرافي و نسيجه العلمي المعرفي و نسيجه التاريخي و نسيجه الاقتصادي…قتل العلماء والكادر متخصص، الاف اللقط الأثرية، ملايين الكتب والمخطوطات ،ملايين الارامل والثكالى عشرات آلاف الجثث الممزقة المجهولة، ملايين الامتار من الحواجز الإسمنتية و النفسية، والقادمات اعنف واسواء واكثر حلكه…أمريكا المحتلة و ملياراتها ومئات الالاف من اذنابها لم يتمكنوا من سد احتياجات الطلبة من اللوازم الدراسية، الأكثر ضرراً هو القادم حيث سيختفي من ارض السواد من يعرف مواسم الزراعة او كيف يزرع و يحصد، سيختفي كل أصحاب الحرف اليدوية و الفنيين الذين كانوا يديرون و يشغلون و ينتجون و يوزعون انتاج الاف المعامل و المصانع…كنا ننتج يومياً اكثر من 400 طن من منتوجات الالبان اليوم لا ينتج العراق ربما اكثر من 20 طن…اخترت هذا الجانب لأنه اختصاصي و انا من ضمن من كان ينتج ذلك و لأهميته حيث هو رابط بين اهم عنصرين في حياة الشعوب وهي الصناعة و الزراعة.
تمزق الوطن بفعل فاعل خبيث و داعمين خبثاء وارواح منشقة عن الحياة …عملاء وخونه وارواح دينيه شريرة قذره تبني وتسمن وتكتنز على حساب الفقراء المثكولين وانهار الدماء وانهار الفتاوى والبدع التي تجري بين الناس
كيف يفسر لي احد ان اقوى دول العالم ومئات الاف التابعين لها و ملايين الاطنان من المعدات والأسلحة وعشرات الاقمار الصناعية وعشرات اجهزة المخابرات و عشرات الاف العملاء والتابعين ومئات محطات الإذاعة والتلفزيون وعشرات الدولة التابعة للمحتل وتريليونات الدولارات لم يتمكنوا من ضبط دوله كان يُخْضعها طاغيه بالمسدسات وبنادق الكلاشنكوف واذاعه واحد وعدت صحف صفراء وعمله ورقيه بدون رصيد وحصه تموينيه فقيره من كل شيء.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here