ماذا عن الدماغ والعقل عند الانسان ؟

* د. رضا العطار

كان هناك شئ في القرن التاسع عشر يدعى – علم الفراسة – وكان اكبر دعاته رجل يدعى (جول)، الذي وجد من الجمهور استعدادا لتصديق مزاعمه. وكان جول هذا يرسم للدماغ خارطة يبين فيها الكفاءات ويعين للناس اخلاقهم ودرجات ذكائهم. فهذا النتوء في خلف الجمجمة وهذا الغثور في الجبهة وهذه الابعاد في الجبين وما فوق الاذن وما يليها من الخلف او الامام، كل هذا يدل على كفاءات معينة في الشخص يمكن ان نتفرسها. وكانت اوربا تشتاق الى التفسيرا المادي التي تغنيها عن الغيبيات التي كانت الكنيسة تنشرها. ولذلك شاع مذهب الفراسة هذا وقتا غير قصير.

ولكن البحث العلمي اثبت ان نظرية الكفاءات هذه غير صحيحة، اي اننا لا نستطيع ان نعين بقعا خاصة في الدماغ تدل احداها على الصدق والفضيلة والاخرى على الكذب والرذيلة. لكن الحرب العالمية الاولى بما حدث فيها من اصابات مختلفة ومتعددة في عضو الدماغ اثبتت شيئا يقارب مزاعم جول، وهو ان هناك مراكز معينة في الدماغ للنظر او حركة اليد او حتى حركة ابهام اليد او الكلام.

واكثر من هذا اذ ثبت ان المركز الحسي في الدماغ يتسع على الدوام كي يتصل بمراكز حسية اخرى عن طريق الملايين من خلاياه التي تصل بين مركز حسي آخر. ومن هنا الظاهرة التي كانت مألوفة في هؤلاء الجرحى في الحرب. فان الاصابة الدماغية قد تعجز احدهم عن القراءة ولكنها لا تعجزه عن الكتابة، بسبب ان المركز الدماغي للسان جرح. ولكن اتصال المراكز الحسية بعضها ببعض يجعل مضمون الفهم ميسرا.

ومن هنا قيمة الدماغ في القحف الكبير. لانه يكون كثير التلافيف. لان هذه الخلايا تربط بقع الاحساس المختلفة ويجعل التذكر قائما على جملة قواعد اذا فسدت واحدة بقيت الاخرى. فاذا اردنا ان نحفظ قصيدة، كان حفظنا لها ارسخ اذا نحن تلوناها بصوت عال نسمعه (بقعة السمع) واذا كتبناها (بقعة اللمس) يزيد في هذا رؤية الحرف (بقعة النظر)
فهذه البقع الثلاث ترتبط بالذاكرة فلا ننسى ما حفظنا. ويكون حفظنا اضعف اذا حفظناها من شخص نتلوها بعده، لاننا هنا نفقد رباط اللمس والنظر.

وفي الدماغ ملايين الخلايا الحسية التي تتصل مع بعضها ولذلك يحدث اذا نزعنا جزءا منه ان نجد ان الشخص قد عاد عقب النزع لا يحس اي نقص في ذكائه لان الشبكة التي قطع جزء منها بالنزع لم تنقطع بل ما زالت متصلة بمراكز حسية اخرى.
لكن النزع قد يؤدي احيانا الى فقدان مهارة كالخياطة او الكتابة او الرسم، كأن كانت هناك بقعة حسية معينة مسؤولة عن هذه المهارة فلما انتزعت، فقدت المهارة.
لكن رغم ذلك بقيت درجة الذكاء ثابتة. ومن هنا قيمة الدماغ الكبير الذي تحتوي تلافيفه الكثيرة على مسحة كبيرة جدا من الخلايا العصبية

والدماغ طبقات: اسفلها يقوم بابسط الاعمال الغريزية واعلاها وهو المخ يقوم بوظيفة العقل وما به من تذكّر وتخيل.
فقد نزع الباحث – جولتز – مخ كلب، فكانت العواطف لا تزال حية فيه يحب ويكره ويغضب ويشتهي الجنس الاخر ولكن التعبير عن هذه العواطف اصبح طليقا بل صارخا ليس له ضابط. فاذا حطت ذبابة على انفه نبح نباحا عاليا واذا نقل من مكانه كي ياكل نبح ايضا مع ان هذا النقل كان يحدث يوميا ومن هنا نعلم ان التعلم يحدث بطريق الدماغ وان الدماغ، اي المخ، ايضا هو مكان العقل الذي يضبط العواطف.

* مقتبس من كتاب عقلي وعقلك للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here