التفكير الصائب، والتوافق الاجتماعي ! 2

* د. رضا العطار

اولا : ان نعتمد على الرويّة . اي ان نعطي العقل الفرصة كي يتغلب على العاطفة. وكل من تمرس على التفكير يعلم انه يحتاج الى الحضانة كي ينضج ويخصب، كأن الذهن حين يمتد به الوقت يأخذ في التذكر والتخيل والمراجعة والمقارنة حتى ينتهي الى الصورة المثلى. ولو كانت الحضانة قد استغرقت يوما او اسبوع وربما شهر, حسب اهمية الموضوع لكان امرا مستحبّا.

ثانيا :العاطفة المكبوتة تبطئ التفكير كما تبطئ حركة الجسم . . كما نرى ذلك حول الجنازة حين يصمت الحاضرون ويجمدون. ولكنهم في حفلة العرس يتحدثون ويبتهجون. فالحزن يجمد الذهن لكن العواطف السارة تحركه. ومن هنا كان كثير من المؤلفين يعمدون الى الشراب القليل كي يغمرهم سرور خفيف موقت يحرك اذهانهم. ولكن لهذه الوسائل الاصطناعية اضرارا في النهاية. وقصارى ما نحتاج اليه ان نتجنب ما يثير حزننا او اغتمامنا وقت التفكير.

ثالثا : نستطيع ان نقسم الناس من حيث التفكير والتصرف الى عاطفيين وعقلانيين . ولكن هذا التقسيم غير معين بحدود اذ ليس هناك انسان عاطفي مئة في المئة الا اذا كان مريضا في مستشفى المجانين وليس هناك انسان عقلاني مئة في المئة كسقراط . لكن نستطيع ان نقسم الناس من حيث مرجعهم في التفكير الى ثلاثة اقسام :

أ – اولئك الذين يرجعون في التفكير الى العقيدة كما كان الشأن في الامم القديمة. وكما هو الشأن في العامة من الشعب في عصرنا الحاضر و كذلك المتوحشون والمتأخرون في الحضارة على وجه العموم.
ب – اولئك الذين يعتمدون في التفكير على المعرفة وهم العلميون. مهما يكن صنف العلم الذي يمارسونه.

ج – اولئك الذين يعتمدون في التفكير على الحكمة. وهي فوق المعرفة. فقد يعرف احدنا اشياء كثيرة ولكنه يبعدها في نفسه لا يعتمد عليها ويقنع بالحكمة البالغة التي يتطلبها الظرف القائم. وافضل انواع التفكير, ونعني هنا التفكير الصائب, هو تفكير الحكمة.
.
هناك عادات تفكيرية نتعودها مع الزمن, كالصمت في المشكلة، وهو يؤدي الى اخماد العاطفة وايجاد المجال للعقل والرؤية والمصالحة والمحاولة بدلا من التحدي والخصومة. وايضا التأليف والبناء بدلا من النقد والهدم. وهذا هو التفكير الحسن في الحياة. ولا بأس ان نُذكّر القارئ الكريم بشخص غاندي الذي كان من عادته ان يصوم يوما في الاسبوع.

مع كل ما قلنا عن ضرر التفكير العاطفي الذاتي , يجب الا ان ننسى ان خمود العواطف كما يحدث في الشيخوخة يؤدي الى خمود الذهن
ومن هنا نقول ان يقظة الفكر لدى الشباب تعود الى يقظة العواطف. ولعل لهذا الحال سببا فسيولوجيا يتعلق بالغدد الصماء. ونحن نرى ان الخواطر تتوارد بسرعة وقت التهيج او التعجل او الغضب. بشرط ألاّ تغمر الشخصية بقوتها فتحول دون التفكير. كما قد يؤدي فنجان القهوة او الشاي الى تثبيت العواطف.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب عقلي وعقلك للكاتب الاجتماعي سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here