عدم الإيمان بالإسلام لا يعني إلحادا

بقلم مهدي قاسم

سلوك و نهج أحزاب الإسلام السياسي الشيعية و السنية على
حد سواء ، و المتسمين بالفساد و الأنانية والجشع والطمع غير المحدود بالإضافة إلى ما خلفتها من مظاهر الخراب و التخلف و الفقر، ناهيك عن جرائم تنظيمي القاعدة و داعش الإرهابيين ، فقد دفع كل هذا عددا من الشباب العراقيين إلى التساؤل ، بالأحرى إلى الشك بماهية الدين
الإسلامي و بحقيقة مصدره السماوي ، و أي دين هذا ، و الذي يقوم على عملية القتل و الذبح لأتفه أسباب من جهة من قبل متطرفيه ، و على السرقة والنهب من قبل ممثليه المتدينين الآخرين من ناحية آخرى ..

علما أن هذه التساؤلات المشروعة لم تأت من الفراغ ، بقدر
ما أفرزها و طرحها واقع مؤلم كله عذابات ومعاناة و يأس و إحباط و فراغ ـــ نتيجة البطالة و الخيبة من تحسن الأوضاع السيئة ــ وجد هؤلاء الشباب أنفسهم يضطربون في دوامته الخانقة و المستمرة حتى الآن و التي ما كانت لتحدث لو لم يقم هؤلاء الممثلون لهذا الدين بتسببه
عمدا و قصدا بدافع الحصول على السلطة والمال الكثير بشكل غير مشروع وعلى حساب تسبب معاناة كثيرة لملايين من الناس ..

ففي النهاية أن الإنسان الواعي و العاقل أبن بيئته ــ
حتى ولو عاش فترة في وسط أوهام باطلة ــ يتفاعل معها معايشا ومجربا ومتعاطيا بكل سلبياته وإيجابياته ، مدركا شيئا فشيئا ، أسباب ومسببات وجوده وقيامه و العوامل و العناصر المؤثرة عليه سلبا أم إيجابا ، و فينضج وعيه وعلى ضوء ذلك يتخذ موقفه النهائي والحاسم ، بعدما
يكون قد اكتشف ، أخيرا ، مدركا تماما من هم الذين تسببوا في معاناته و تعاسته و على أساس أية أضاليل وأباطيل من عقائد معرقلة لحركة العصر و مدمرة لجمال الحياة ..

وهو الأمر نفسه قد حدث في المجتمعات الاشتراكية السابقة
، حيث أخذ الناس يفقدون إيمانهم شيئا فشيئا ب”جنة الاشتراكية ” الأرضية التي وعدت بها العقيدة الشيوعية ، و التي كانت هي الأخرى فاشلة و فاسدة تحت شعارات براقة ومثيرة استغلها الحزبيون الأيديولوجيون والبيروقراطيون السلطويون ليعيشوا عيشة ملوك صغار على حساب حرمان
الشعب من أمور كثيرة تمتعت بها المجتمعات الرأسمالية الغربية ، حتى كادت العقيدة الشيوعية أن تنتهي أو بالكاد في تلك المجتمعات التي ” آمنت ” بها لسبعة عقود ..

ومن ثم أن عدم الإيمان بالدين الإسلامي لا يعني الإلحاد
بحد ذاته ، ولا يمكن أن يكون الدين الإسلامي أو غيره من أديان آخرى مقياسا لتحديد أو إثبات إيمان أو إلحاد شخص ما ..

فثمة كثيرون من الناس في الغرب و الشرق يؤمنون بالخالق
، ولكنهم لا يؤمنون بالأديان ، غير أن عدم إيمانهم بالأديان لا يعني بالضرورة أنهم ملحدون .

بينما ثمة كثيرين من الناس يؤمنون إيمانا شكليا أو آليا
بالأديان غيرأنهم ليس فقط لا يلتزمون بوصاياها ، إنما يستغلونها لإلحاق الأذى بالآخرين ، حيث يفتقرون في سلوكهم اليومي إلى الصدق و النزاهة والاستقامة و الإخلاص بل و إلى و صفات الخير و الإصلاح ..

ومن ثم أليس من الأفضل ترك هذه المسألة للخالق لكي يقوم
هو بمعالجتها والاتخاذ موقف منها لكونه هو من يقرر عقاب أو عفو البشر ، فلماذا يريد البعض القيام بمهمة الله ؟! ..

فمتى أعطى الله تخويلا أو صلاحية لوهابيين تكفيريين و
دواعش أو لمليشيات ، ليحاسبوا البشر في هذه الدنيا ذبحا و قتلا أو اغتيالا و إعداما ؟! ..

كما أن من هو متأكد من قوة ومتانة دينه وعدالته و رسالته
الإلهية يجب أن لا يخشى من بضعة ملحدين مزعومين الذين ــ كأقلية ضئيلة جدا ــ لن تؤثر قطعا على الأغلبية ” المؤمنة ” ..

فقط أولئك وحدهم يخشون ، الذين يشعرون بضعف و هشاشة
دينهم ومن احتمال زوالها البطيء ..

نقول كل هذا لأننا نقرأ بين فترة وأخرى مقالة تحريضية مبطنة
( ولكنها في حقيقة الأمر بمثابة عملية تكفير وهابية ولكن بنسخة شيعية في هذه المرة ) ضد ملحدين حقيقيين أو مزعومين ، لنسمع بعد ذلك بعملية قتل أحدهم بذريعة أنه ملحد أو متخنث أو بحق امرأة متبرجة أو سافرة أم صاحبة صالة لحلاقة النساء و السيد القارئ يتذكر حتما أعداد
الضحايا من رجال و نساء الذين قتلتهم ميليشيات مسلحة من حراس ” العقيدة المدججة من أنصار نظام ولاية الفقيه المتشددين كالوهابيين !!..

كانما هؤلاء البعض يريدون إعطاء إيعازا ل”حراس العقيدة
” المدججة بقتل هذا أو ذاك من مواطنين جدد ، لا ليشيء فقط لأن لهم أفكارهم و قناعاتهم تختلف عن أفكار و قناعات هؤلاء ..

فدعوا الله أن يعاقب من يشاء و يعفو عن من يشاء !..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here