ساهر عريبي
[email protected]
تشكلت قوات بدر العسكرية (منظمة بدر حاليا) من آلاف العراقيين المعارضين للنظام السابق ممن قارعوا الدكتاتورية الصدامية متطلعين نحو إرساء قواعد نظام جديد يستمد شرعيته من الشعب وليس من قوة السلاح والبطش. وقد شكّل الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 فرصة تاريخية لقوى المعارضة السابقة لتحقيق هذا الهدف الذي ناضلت من اجله طيلة عدة عقود من الزمن.
لكن هذه القوى التي تربّعت على كرسي الحكم في بلاد ما بين النهرين , فشلت في إغتنام هذه الفرضة التاريخية لتقديم نموذج جديد في الحكم يصلح ان يكون مثالا تحتذي به البشرية مستلهما من قيم الإسلام التي طالما اعتبرت معظم تلك القوى في ادبياتها ان فيها حل لكافة مشاكل وأزمات البشريه. لكنها و طوال الاعوام الخمسة عشر الماضية فشلت في تقديم نموذج في الحكم فيه قليل من النجاح وبما يتناسب مع آمال الشعب التي عقدها على هذه القوى التي خيبت ظنه.
ولا ينكر أحد أن الطريق لم تكن معبدة بالورود وان التحديات التي واجهت ولاتزال تواجه العراق كبيره ومنها مخلفات النظام السابق والتدخلات الخارجية وخطر الإرهاب وغيرها من التحديات, ولكن مما لاشك فيه ان هذه القوى الحاكمه لم تكن بمستوى المسؤولية وإن صدقت قاعدة ماكان في الإمكان أفضل مما كان , فإن ذلك يعود الى قصور هذه القوى وعدم امتلاكها لمؤهلات قيادة البلاد بل كانت اهم مؤهلاتها هي تعزيز قبضتها على السلطه وفسادها الذي ليس له حدود ولا نظير له في المنطقة بل وفي العالم.
وقد وصلت الدناءة بها الى حد المتاجرة بنضال المعارضين عبر بيع ملفاتهم التي يمكن من خلالها الحصول على رتب عسكرية وفقا لقانون الدمج الذي شرعه بريمر , او اعطاء الحقوق التقاعدية لهؤلاء المعارضين وهو ماحصل في منظمة بدر. فعند مراجعة المئات من هؤلاء لمقر منظمة بدر في الجادرية فوجؤوا بان ملفاتهم قد اختفت وقد علّل المسؤولون في المنظمة ذلك الى ضياعها!!! وقد أخبرني أحد الأطباء الإختصاصيين هنا في لندن ممن كان عضوا في بدر بأنه راجع المنظمة وأخبروه بان ملفه قد ضاع وكذلك الحال مع احد الإعلاميين وكلاهما معروف لقادة بدر بنضاله في صفوف بدر أيام المعارضه.
ثم تبيّن بعد فترة أن قضية الضياع ليست حدثا منفردا اقتصر على شخص او شخصين بل إنها ظاهرة طالت المئات من البدريّين, مما عزّز الشكوك بان تلك الملفات تم بيعها لأشخاص آخرين مقابل مبالغ طائلة خاصة وان الأسماء كانت تكتب حينها بالكنى وليس بالأسماء الصريحة لأسباب أمنية. وقد جنى هؤلاء السراق داخل منظمة بدر مبالغ كبيرة نتيجة لهذه العملية التي أقل ماتوصف بالقذرة والدنيئة, لأنها تجاوزت كل القيم والأخلاق عبر المتاجرة بنضال المعارضين.
وكان لهذا التصرف وحاله كحال أي عملية فساد تداعيات وأضرار لحقت بمئات الأشخاص الذي فقدوا حقوقهم التقاعدية ويعيش بعضهم اليوم في ضنك من العيش بعد ان قضوا شبابهم يعملون في صفوف المعارضة, لكن حقوقهم ضاعت. ومما يثير الأسى أنها بيعت لأفراد كانوا اعوانا للنظام السابق لكنهم يرتبطون بقرابة مع أعضاء في المنظمة بحسب بعض المتضررين. ولقد بلغ السيل الزبى بعد ان ضاعت تلك الحقوق فقرر هؤلاء القيام باحتجاجات امام مقر المنظمة في الجادرية وكما حصل اليوم السبت لكنها قمعت للأسف بالقوة.
إن هذه القضية التي اخذت أبعادا إنسانية تعتبر حلقة واحدة في مسلسل الفساد اللامتناهي في العراق وأبطاله هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي اعترف بعض رموزها بفشله فيما أقر آخر بتقصيره. ولكون الإعتراف بالخطأ فضيله فإن قيادة منظمة بدر مدعوّة للتحقيق في هذا الأمر وكشف نتائج التحقيق ومحاسبة المقصّرين والفاسدين وتعويض الضحايا وإنهاء هذا الملف الشائك وبغير ذلك فلايلومن أحد كل من يتهم قيادة بدر بالضلوع في هذه الفضيحة . كما وان الحكومة العراقية وخاصة دولة رئيس الوزراء السيد عادل عبدالمهدي مدعو لمعالجة هذا الملف أسوة بملف السجناء السياسيين أو منتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية الصدامية وأعضاء حزب البعث المنحل! مستهديا بقول أمير المؤمنين( ولا تجعلن المحسن والمسيء عندك في منزلة واحدة ففي ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان وتشجيع لإهل الإساءة على الإساءة).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط