طيور، تصيد السمك للأنسان !

* د. رضا العطار

الأسماك من اغنى مصادر البروتين للانسان، منذ فجر حياته على هذا الكوكب. ولقد استعمل الانسان وسائل عدة في سبيل الحصول على احتياجاته من لحوم البحر والنهر.
صادها بالحراب والشص والشبكة والسلال وتصفية الماء من مساحات الشواطئ الضحلة. والى جانب هذه الوسائل التقليدية المعروفة لجأ الانسان الى طرق اخرى غريبة، بعضها اجرامي كأستخدام الديناميت واخرى سلمي مشروع، كتربية السمك في احواض خاصة شأنه شأن الماشية والدواجن. اما اغرب وسائل صيد السمك فهي لجوء الانسان الى تدريب بعض الحيوانات والطيور على صيد السمك وجمعه دون ان يتحمل اعباء المخاطرة والتعب المضني.

عندما بلغ الطفل ميتسو الخامسة من عمره، بدأ يتبع امه الى شاطئ النهر، يجري على بعد خطوات من دارهم في قريتهم في اليابان ليلوح لأبيه مودعا عندما يقلع بزورقه ويظل يرقبه حتى يختفي عن ناظريه.
كان الاب يملك عشرين طائرا من افضل طيور ( الغاق ) في منطقته. والغاق طائر مائي اسود اللون ضخم نهم، تحت منقاره جراب يحتفظ فيه بما يصيده من اسماك. يتميز بمهارة فائقة في اقتناص السمك. جعلته واحدا من اشهر الحيوانات صائدة السمك.

وفي المساء يعود الاب يرزق يومه من السمك ويشترك الطفل في تفريغ حمولة الزورق مع غيره من افراد الاسرة. ولا يكاد الرجل ينام ساعات قلائل حتى يستيقظ ليحمل وزوجته السمك الى السوق لبيعه قبل شروق شمس اليوم التالي.
وفي احد الايام رفع ميتسو يده ليلوح لأبيه مودعا كعادته، لكن اباه ابتسم ودعاه الى ركوب الزورق، قائلا انه اعدّ له مفاجأة سارة — لم يتوان الطفل عن الاسراع يتسلق الزورق. وكأنه يخشى اذا تباطأ ان يعدل ابوه عن رأيه. جلس في المقدمة وقد عقدت الدهشة لسانه. وانزلق الزورق سريعا على صفحة الماء. وميتسو شاخص ببصره الى زخرفة الشراع بلونيها الاحمر والازرق وفكره مشغول يتسائل: الى اين ينتهي بنا الزورق؟ وما هي المفاجأة التي وعدني بها ابي؟

لم يمض وقت طويل حتى وجد الطفل اجابة لتساؤلاته، فقد اتجه الاب الى جزيرة صخرية صغيرة وهناك على شاطئ النهر وفي حفرة صغيرة رأى ميتسو فرخا من صغار طائر الغاق يجهد ليفلت من فخه، كان قد نصبه الاب في اليوم السابق.
رفع الاب الطائر الاسود الرقيق من الفخ وقال لأبنه بارتياح ( تلك هي المفاجأة التي اعددتها لك، عليك ان تنتقي له اسما جميلا وان تروضه بحسن المعاملة على ان يكون لك صديقا وتابعا مطيعا، فاذا ما احسنت معاملته وتدريبه ربحت خادما وفيا مخلصا يزودك بموفور السمك الفاخر سنين عديدة )

عاد الاب حاملا الطائر الى الزورق يتبعه ميتسو وقد لاحظ الطفل ان اباه يقبض بحذر على منقار الطائر ليتقي شر نقراته الحادة الخاطفة. وما زال هذا الحذر حتى وضع الطائر في سلة من الاغصان المجدولة وعلى الفور طلب الاب من ابنه الا يكف عن اطعام الطائر الحبيس. بصغار السمك الطازج من خلال قضبان السلة. وقبل ان يهبط الاثنان من الزورق قال الاب لابنه وكأنه قرأ افكاره: ( كل ما يتمناه المرء يدركه ما دام قلبه مفعما بالعزيمة الراسخة )
ويذكر خبراء الصيد اليابانيون ان طائر الغاق الواحد المدرب يستطيع ان يهب صاحبه ما يصل الى 150 سمكة في طول 20 سم خلال ساعة واحدة.

اما الكلاب فتكون بطبيعتها غير مهيأة لتصبح صيادة سمك ومع ذلك نجد الكلاب التي تروض وتدرب على تخويف الاسماك ومطاردتها بأتجاه الصياد الذي تنتظرها شباكه المنصوبة. وهذا النوع من الصيد تعتمد خاصة في المناطق القطبية وشبه القطبية، فالكلاب تقوم بهذه المهمة مقابل ان يقدم لها الصيادون رؤوس الاسماك الذي وقعت في شباكهم.

وحيوان ( القضاعة ) او ثعلب الماء وهو حيوان برمائي من ذوات الفراء الثمين. استخدمه الانسان في تخويف السمك ومطاردته بقصد صيده تماما كما تفعل الكلاب في المناطق الباردة. وفي بعض الاحيان يمكن تدريبه على صيد اسماك كبيرة.
وعرف الاوربيون طريقة الاستعانة بثعلب الماء في صيد السمك خاصة في الدول الاسكندنافية ولا زالت هذه الطريقة قائمة. وقد ساعد على شيوع هذه الطريقة على حفظ سلالات القضاعة من الانقراض في تلك الاصقاع نظرا لان صيادي السمك هناك وجدوا ان ما يعود عليهم من ربح بفضل مساعدة القضاعة لهم في صيد السمك يفوق على المدى الطويل اضعاف اضعاف ما يساويه فراءه الثمين.

* مقتبس من كتاب جولة في دنيا العلوم لمؤلفه جمال الكاشف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here