سقط صدام.. ولكن!

كفاح محمود كريم

بين الثامن من شباط 1963م والتاسع من نيسان 2003م، حقبةٌ زمنية ضمت أحداثاً ومآسياً؛ كذلك حروباً وعمليات إبادة غيبت مئات الآلاف من الكورد والعرب، وأوهمت الناس بمستقبلٍ زاهرٍ فإذ بهم في بحر دماء، خدرت ملايين العرب بشعارات وردية صورت لهم وطناً افتراضياً يمتدُّ من المحيط إلى الخليج، فإذ بهم أصحاب الحقبة السوداء يئدون أول وحدة بعثية قبل ولادتها، كذابون مُتاجرون مُزايدون متلونون، في الصباح مع السوفييت والسهرة مع الأمريكان، لا عهد لهم ولا وعد، اتفقوا مع الكورد وخانوهم، ومع الشيوعيين فأبادوهم، ومع القوميين العرب والمستقلين فأذابوهم في بوتقتهم، قتلوا الرضع والاطفال والنساء والرجال، ودفنوا الاف مؤلفة وهم احياء،عبثوا بمفاتيح الغرائز واستعبدوا البشر بايديولوجية مقيتة، إنها حِقبة لا ينافسها في التردي والسوء إلا من جاء بعدها من الفاسدين واللصوص والقتلة الأوغاد، انهم عصابة فاشية حكمت حقبة ملوثة أرادت فيها عراقا كما تهوى نفوسهم المريضة بداء الدكتاتورية والطغيان والعنصرية والفاشية المقيتة، تارة باسم العروبة واخرى باسم الاشتراكية وثالثة باسم الحملة الايمانية، فرضوا الحزب على الجميع من تلاميذ الابتدائيات وحتى الجامعات، فلا مدرسة ولا جامعة ولا وظيفة بدون تزكية من منظمات حزبهم، حتى حولوا المؤسسة العسكرية والامنية الى ميليشيا لحزبهم ولرئيسهم، فاصبح العراق برمته مجرد فرع من فروع حزبهم، باستثناء القلة القليلة التي عاشت ضنكها بين الاستدعاء والمراقبة والحرمان ممن رفض الانتماء لهم او العمل معهم لأي سبب كان.

ويتذكر العراقيون الذين عاصروا أول ستينيات القرن المضي وأحداثها خاصة تلك التي صممت لإيقاف أولَّ مشروعٍ لبناء دولة عصرية عراقية، ومنذ الساعات الأولى لانقلاب البعثيين على الحكم في العراق إبان حكم الزعيم قاسم، بانت عوراتهم وأفكارهم الدموية التي خلفت خلال أقل من شهر الآف الجثث في شوارع بغداد وأزقتها من المناوئين على مختلف مشاربهم وأعراقهم ومذاهبهم السياسية والدينية، ولم تكُ الموصل وكوردستان بأحسن حالاً من بغداد في حصتيهما من المغتالين والمغيبين تحت شعارات البعث وأفكاره المغلقة، وما يزال صدى صرخة والدتي ووالدي حينما تمت قراءة البيان الأول لِمَ سُمي بـ”عروسة الثورات” ترن في مسامعي، وهي تقول: “انهجم بيت العراق”.ممزوجة اليوم وأمس بأصوات انفجار السيارت المفخخة في الموصل حتى قبل سيطرة داعش عليها، وصيحات الله أكبر أثناء ذبح بني أدم على أرصفة دورة اليرموك في مدينة الموصل سنوات منذ عام 2006 وما بعدها، مقترنة بذات الصيحات حينما كان فدائيو صدام يذبحون عشرات النسوة من محضياتهم بتهمة

الدعارة، تلك الصيحات التي تكررت صباح 17 تموز 1968م حينما أعلن الراديو عودتهم الثانية، وبداية لحمامات من الدماء لا أول لها ولا آخر، وهروب ملايين من أبناء وبنات العراق ممن اختلفوا معهم فكرياً إلى كل أصقاع العالم، بينما ذاق الأمرين أولئك الذين التصقوا بأراضيهم، وفي مقدمتهم الكورد الذين قدموا مئات الآلاف من الشهداء والمغيبين من أجل أن تبقى كوردستان نقية رغم كل أساليب التغيير الديموغرافي العنصري الذي استخدمته تلك الثورة الفاشية!

لقد عجز العراقيون من إسقاط ذلك النظام المعقد اجتماعياً وسياسياً وأمنياً، حتى وصل الأمر بتمني غالبية الأهالي زواله حتى وإن كانت الشياطين بديلاً له، ولم يكن هناك مناص إلا بدولة عظمى أو تحالف عالمي يعمل من أجل إسقاط نظام الأنفال وحلبجة والقبور الجماعية، نظام المفوضين الأمنيين والمعتمدين والرفاق الحزبيين، الذين تعودوا على إرهاب الأهالي بتقاريرهم ومساوماتهم، بل وحتى استعدادهم لإعدام آبائهم أو أقربائهم وأصدقائهم قَرابينَاً للنظام ورئيسه، ولأجل ذلك ولدراية الولايات المتحدة وحلفائها بأن العراقيون لن يستطيعوا إسقاط ترسانة نظام صدام الإرهابية، ولمصالحها الاستراتيجية في المنطقة خاصة مع بدء الأتراك بالابتعاد من أفقهم وبتعملق إيران على خلفية ايديولوجية دينية، شنوا حرباً عالمية لإنهائه وتحطيم هيكله الإداري والعسكري، لكنهم فشلوا في اقتلاع ثقافته وسلوكه المتكلس في مفاصل غالبية من يحكم هذه البلاد منذ أيام الحجاج وحتى يومنا هذا.

لقد تم إسقاط صدام حسين وتشتيت حزبه وتقتيل معظم كوادره المتقدمة، فهل فعلاً انتهت حقبة صدام والبعث على أرض الواقع مع غالبية انتهازية تصفق لكل من يتبوء موقعاً مهماً في الدولة فما بالك إذا كان يدعي بأنه وكيل الله وأنبيائه على الأرض!؟

فعلاً انهجم العراق بمجيئهم وبرحيلهم!

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here