افراحنا، هي الدلالة الروحية لخبرة الحب،

* د. رضا العطار

حينما تتحدث المسيحية عن محبة القريب فانها تعني الاحسان الى الشخص المحتاج وهذا ما حدا بالفيلسوف الالماني الكبير شوبنهاور الى اقامة مذهب الاخلاق على اساس نظريته في الشفقة، لان الشفقة تنطوي على معنى (التألم) او التعاطف، في حين ان (المحبة) لا تتجه نحو هذه ( النقائص ) بل تتجه بطبيعتها نحو (القيم) وحتى حين نتجه بمحبتنا نحو شخص مريض او ضعيف او فقير فان ما نحبه لدى هذا الشخص لا يمكن ان يكون هو (ضعفه) او (فقره) بل هو شئ آخر يكمن وراء هذه كلها ويخلع على هذا كل ما له من (قيمة).

والواقع ان (محبة القريب) هي في صميمها احساس قوي بالقيمة الحقيقية للشخص البشري خصوصا حين تجئ بعض العوامل الخارجية او الداخلية فتتهدد تلك القيمة، ومن ثم فان هذه المحبة تتجه بطبيعتها نحو انقاذ تلك القيمة او العمل على صيانتها. ومن هنا فان للمحبة طابعا ايجابيا يتمثل في (بذل) الذات باسرها من اخل انقاذ (انسانية) ذلك الشخص المعذب الذي ينطوي في ذاته على شئ جدير بالبقاء !

وهنا قد تبدو لنا (خبرة الحب) خبرة اصيلة فريدة في كل حياة الانسان. فهذا المخلوق الذي يستشعر الحب لا يلبث ان يجد نفسه مستغرقا في حياة جديدة وكأنما هو قد غزا (ذاتا) اخرى فاستطاع ان ينفذ الى خبرتها الخاصة وان يتسلل الى حياتها العاطفية العميقة وان يخترق صميم كيانها الخلقي باسره ! وعلى حين ان كل (ذات) تبدو في العادة وكأنما هي (عالم اصغر) مغلق على ذاته يجئ الحب فيحقق ضربا من التواصل الخلقي بين (الانا) و(اللا- انا) وكان الذات قد تمكنت من التسلل الى ذلك (الاخر) الذي طالما ودت لو استطاعت النفاذ اليه !

ونحن نعرف كيف وجد الفلاسفة في هذا التعاطف سرا غامضا حاولوا اجتلابه، فقالوا (الفردية) هي مجرد (ظاهرة) او (وهم). وان الحياة باسرها تمثل وحدة كلية شاملة، بينما زعم البعض الاخر منهم ان الحب هو مجرد (عودة ) الى (الوجود) او الارتداد الى الى الوحدة الاصلية – – – لكن كل هذه المزاعم تقضي على ظاهرة (التعاطف) بدلا من ان تفسرها لانها تشوه حقيقة فعل (التعالي) على (الذات) الذي يكون جوهر عملية (المشاركة العاطفية) ولا سبيل الى فهم (خبرة الحب) اللهم الا بالقاء بعض الاضواء على فعل (التعالي على الذات) الذي هو في صميمه الخطوة الاولى على درب (الأيثار)

· فلسفة مشكلة الحياة د. زكريا ابراهيم ا- القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here