رؤيتنا للعلاقة بين العراق والسعودية

في البداية يجب أن ننكر كل موقف مرتجل أو أفكار مسبقة ، يمكن الحكم من خلالها أو التعامل على أساسها فيما يجب وما لا يجب ، ذلك إن السياسة التي يجب أن تُتبع في مجال علاقتنا بالشقيقة السعودية ، يجب أن تكون مرتبطة بنظرتنا للمستقبل ووضع العراق في المراحل المقبلة في صياغة المنطقة وبنائها ، وهذه النظرة يجب ان تعمم على كل المشتغلين في السياسة أو الباحثين في مجال العلاقات الدولية ، مع التأكيد على تلك الخصوصيات التي ذكرها الملك سلمان بن عبد العزيز في لقائه برئيس الوزراء عادل عبدالمهدي كالأخوة والأمن والمصالح المشتركة .

ويجب التنبيه إلى إننا في العراق لا نستخدم السياسة كفن أو كعلم بل هي عندنا مزاج وإرتجال وكلام منثور في الهواء ، وهذا أحدى مشكلاتنا العويصة والتي يجب النظر إليها بإمعان ، وهذا ما يزيد من وطأة المعاناة والألم الذي عصف بالعراق منذ 1979 حين أستلم صدام الحكم ، ونعني بذلك و نشير إلى النزعة الضيقة التي حكمت البلاد ودمرتها لا حقاً ، ومنها ومن خلالها جاءت الأحكام والممارسات التي أدت إلى ما نحن عليه اليوم ، ولم يقدم السياسيون لمرحلة ما بعد 2003 حلولاً أو إستراتيجيات ناجحة أو مفيدة من شأنها جعل العراق في المكان الذي يستحق .

وقد ساهم هذا بشكل مباشر في ضياع الهوية الوطنية والإنتماء القومي وحتى الديني ، فلا أحد يعرف طبيعة الدولة في العراق اليوم ، ولا هي نواياها مستقبلاً و هذا أن دل على شيء فإنما

يدل على نوعية وطبيعة السياسة و السياسيون الذين أتيح لهم التسلط من خلال الغباء الذي أظهره المجتمع الدولي ، وكلامنا هذا موجه للجميع دون إستثاء فثمة إرتجالية ولا مبالات بدت واضحة في تتبع الحالة العراقية من قبل المجتمع الدولي ، ونعني به من كان له الدور المؤثر في صناعة الأحداث من قبل ومن بعد 2003 .

والإسلام السياسي في العراق ليس واحداً بل مجموعات متنافرة هو مخلوقا مشوها لا نعرفه ولا يعرفه الإسلام نفسه سواء السني منه أو الشيعي ، والأحزاب الدينية في هذا الصف ليس لها برنامج عمل وطني معين ومحدد ، وكل ما عرفناه عنهم هو النهب والسرقة والتحايل والمشاركة في خلق الأزمات ، لأن مصالحهم لا تسمح لهم بالعمل الطويل ولا تسمح لهم بالتجرد والوطنية النظيفة ولذلك كانوا مساهمين بحده في الوضع المأساوي للبلد ، وأكثر من تقدم في الشغل السياسي كانوا مجهولي الحال وقطاع طرق ولصوص وتاريخهم مزيف ، وجُل شغلهم إثارة النعرات الطائفية والمذهبية البغيضة ، ولم نجد من بينهم رجل رشيد يمكنه تبنى المشروع الوطني ومصلحة البلد قبل كل إعتبار .

وكما قلنا في غير مناسبة إنهم يكذبون على الناس وحتى على أتباعهم ، وينكرون أنهم يمارسون الفتنة والشر ويخضعون المريدين لهم عبر الإغراءات والدجل والضرب على وتر الخوف من الأخر ، ولم يكن دين الإسلام العظيم يردع هؤلاء من ممارسة أفعال شنيعة ، أدت إلى تفريق المجتمع إلى كتل وخانات كل واحدة في عداء مع الأخرى ، ونذكر نحن سنوات السبعينات من القرن الماضي إذ لم يكن مسموحاً الكلام أو الحديث في كل ما يفرق ، ولم يكن مسموحاً بحال ترديد عبارات من قبيل أنت عربي أو كردي أو أنت شيعي أو سني أو إنك مسلم أو مسيحي ، كان هناك إلتزاماً وطنياً وأخلاقياً بالوحدة المجتمعية للدولة ، وكان الجميع يهتمون بشؤون الوطن الواحد ، ولم نلحظ هذه التفرقة التي شد عليها وأيدها المحتل وجنوده .

إن دوافع الكلام عن ذلك مرجوة اليوم في تطوير العمل مع الأشقاء والأصدقاء ، وإبعاد العراق عن الأزمات والطوفان القادم للمنطقة ، ونحن

كغيرنا لا نريد الإضرار بأحد ، ولا نريد لعراقنا الضرر وكفى مكابرة ، فإن ما يهمنا هو عودة العراق ليكون بلداً أمناً مستقراً غير محتاج ولا ضعيف ، والمشكلة التي تواجهنا اليوم هو في كيفية تحويل العقل العراقي ليكون أكثر واقعية ووطنية ، ومن ثم كيف يمكنه الخروج من دائرة المصالح الضيقة والنهب الذي يرتكب تحت مظلة التفرقة والحماية المزعومة ، إذ لم يعد في الإمكان جعل العراق رهينا للتجاذبات أو لتحقيق مصالح الغير على حساب مصلحته .

وفي هذا الصدد نشير و ننطلق بما يجري في السعودية من تطوير مجتمعي هائل ، يفوق كل التصورات ونحن أحوج ما نكون لهذا في حماية بلدنا من التطرف ومن العنف وإرتداداته ، فما يحدث في السعودية يجب أن يكون حافزاً للمشغلين بالسياسة في العراق ، من أجل تغيير قواعد اللعبة لتكون متوافقة مع النظرة الجديدة ، ولا يجب بحال إستدراج الحالات الشاذة التي صنعتها مراحل من التاريخ أنتهى أوانها .

إن الأفكار التي كان يحملها السيد حيدر العبادي ويحملها اليوم عادل عبدالمهدي مشجعة في هذا الإتجاه ، فزمن الشعارات والعنتريات قد ولى إلى غير رجعة ، ودخلنا من حيث نرغب أو لا مرحلة الواقعية السياسية ، التي تتطلب الكثير من الحرص والتأني وعدم خلط الأوراق ، وهذا لا يعني أبداً ان نكون طرفاً في محور ما مقابل طرف أخر ، بل إن ما ندعوا له هو التوازن والثقة بالنفس وإعادة ترميم البيت العراقي لأن في ذلك مصلحة أنية ومستقبلية .

والحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي يشعر إن من واجبه التأكيد على الواقعية السياسية التي يتبناها في هذا المجال ، ويؤكد حرصه على سلامة توجهات السيد عادل عبدالمهدي ومن قبله السيد مقتدى الصدر ، الذي كان قد زار السعودية في مهمة وطنية إلتقى فيها بكبار المسؤولين ، ويشجع الحزب الجميع بتبني الواقعية السياسية وفتح الجسور مع الأشقاء في الخليج والمنطقة ، وإن في ذلك خدمة للعراق أولا ولشعوب المنطقة ثانيا ، فإستقرار العراق وتعافيه هدف منشود للجميع ، ولكن لازمه إعادة الوعي الوطني النزيه ، وإخراج العراق من دائرة الفعل و ردات الفعل

أو التعامل الضيق بحسب المنطق التاريخي العتيق المتهالك .

وإننا في العراق ليس كغيرنا فقد واجهنا مشكلات كثيرة و تحملنا جهود وتبعات مضاعفة ، ومن حقنا إسترداد بعض قوتنا وبعض ما فقدناه من خلال التناكف السلبي وعدم الثقة بالمستقبل ، وللحق نقول : لم تكن تجربتنا مع أخوتنا في العروبة مليئة بالورود والرياحين ، بل كانت في بعض تفاصيلها مليئة بكل ماهو حزين ومر ، منذ عاصفة الصحراء وما تبعها من حصار جائر ، نعم لم تكن تجربتنا مع العرب على قدر من المسؤولية ، ولا نبرأ أنفسنا فجميعنا شركاء في هذا الجرم ، خاصة في تعاطينا مع قضايا مصيرية لم نحسب لها حساباً .

إن بعض العرب ساهم في تأجيج الصراعات ومساعدة القوى الخارجة على القانون هذا بشهادة السيد نوري المالكي ، وهذا البعض يخشى من تطور علاقتنا بالسعودية أن تكون على حسابه ، لذلك نرآه اليوم يعيش حالة القلق في ذلك ، ظناً منهم في تقليص دورهم أو الشعور بالخطر على مستقبلهم ، خاصة في ظل ما يمكن الحديث عنه للمرحلة المقبلة ، إن الصفة العربية ليست ضامنة لوحدة العراق ولم تكن ، بل الذي وجدناه وتأكدنا منه إن الرئيس برهم صالح كان عروبياً أكثر من كثير من العرب الذين شجعوا على تدمير العراق ، ولهذا فصورة العراقي الجديد هو تحقيق تلك المعادلة التي تحقق للعراق الأمن والإستقرار والتقدم والسلام .

إن موقفنا من تطور العلاقة العراقية السعودية نابع من إيماننا بمصلحة العراق ووحدته الوطنية ، فالعراق والسعودية قادرتان على صنع مجتمع عربي جديد ، خاصة في ظل التطورات التي حدثت بعد ما يسمى بالربيع العربي ، الذي لم يكن ربيعاً ولم يكن عربياً ، إننا نرغب في تعميق الصلة بين الأشقاء والأصدقاء في منطقتنا ، مدفوعين برغبة جامحة لخلق فضاء أوسع لتنامي العلاقات الإقتصادية والتجارية والعلمية والمهنية ، إن التخفيف من حدة الشعارات ذات الطابع المذهبي سمة يجب أن نلتزم بها ، مع هذا التطور في العقل العربي الجديد الذي يؤمن بالحقوق والواجبات وسيادة القانون .

إن حزبنا منذ بداية إنطلاقته يؤمن بأن المستقبل للشعوب التي تعمل من أجل العدل والحرية والسلام ..

مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية

في

الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي

بغداد

18 – 04 – 2019
راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here