التفكير الصائب والتوافق الاجتماعي، ح5

* د. رضا العطار

يجب ان نتذكر دائما ان الاتجاه الانطوائي للانسان يختلف عن الاتجاه الانبساطي.
فاذا كان احدنا انطوائيا, وتزوج فتاة انبساطية, فان الاغلب انه سيختلف معها كثيرا لانها اجتماعية وهو انفرادي انعزالي, وقس على هذا اختلافه حتى مع اصدقائه واولاده، واذا تجاهلنا هذه الميول بين المزاجين, فاننا نتورط في مغاضبات يسوء بها تصرفنا وقد تؤدي الى شقائنا.

وكثير من كلمات اللغة تحدث لنا التباسا في التفكير واتجاها سيئا ايضا. فان هناك كلمات ذاتية، تحملنا على التفكير العاطفي. وهناك كلمات كاذبة انغرست في مواريثنا المحلية، كقولنا – سن اليأس – للمرأة التي تبلغ سن الحكمة وايناع الشخصية حوالي 48 – 50 . فإن هذا التعبير السيء يملأ نفسها تشاؤما ويهيأها لامراض او تصرفات خطيرة.
انظر كذلك الى عبارة – الحكم العرفي – فانها وصف حسن، للحكم الرديء . اذ هو ليس عرفيا, لان المعجم يقول ( العرف هو ما استقر في النفوس بشهادات العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول ) فأين هذا التعريف المقبول من حرمان شعب حقوقه الدستورية ؟
ان كلمات اللغة تسيء احيانا الى تفكيرنا العقلاني كثيرا. بل ان كثيرا من الامراض النفسية وكثيرا من الجرائم يعود الى المفردات السيئة التي تحفل بها لغتنا العربية.

وهناك التفكير النيوروزي, وهو تسلط العاطفة تسلطا قهريا في النفس. وفي بعض الاحيان نقع فيه، فيلغي لنا وجداننا بعض الوقت او كله. ففي مثل هذه الحالة علينا ان نعرف العوامل السلبية التي دفعت بنا الى هذه الحالة، مثلما يجب علينا ان نلم بالوسائل الايجابية التي توصلنا الى التفكير الحسن.

أ – ان نعتمد على الرؤية, اي ان نعطي العقل الفرصة كي يتغلب على العاطفة. وكل من عانى من سوء التفكير يعلم انه يحتاج الى الحضانة كي يخصب تفكيره وينضج. كأن الذهن حين يمتد به الوقت يأخذ في التذكر والتخيل والمراجعة والمقارنة حتى ينتهي الى الصورة المثلى. وعندي ان الحضانة تتهيئ بالاسترخاء والتأمل فترة من الزمن، تتناسب حسب اهمية الموضوع.

ب – العاطفة المحزنة تبطي التفكير كما تبطي حركة الجسم. كما نرى حول الجنازة حين يصمت الحاضرون ويجمدون. ولكنهم في الاعراس تراهم يتحركون و يتحدثون وينشدون. فالحزن يجمد الذهن بينما العواطف السارة تحركه. ومن هنا كان كثير من المؤلفين يعمدون الى الشراب القليل كي يغمرهم سرور خفيف يحرك اذهانهم قبل ان يبدأوا بالكتابة. ولكن لهذه الوسائل الاصطناعية اضرارا اكيدة في النهاية. وقصارى ما نحتاج اليه ان نتجنب ما يثير حزنا او اغتناما فينا يعكر اتجاه تفكيرنا.

ج – نستطيع ان نقسم الناس من حيث مرجعهم في التفكير والتصرف الى عاطفيين ووجدانيين. ولكن هذا التقسيم غير معين بحدود. اذ ليس هناك انسان عاطفي مئة في المئة الا اذا كان مريضا في المستشفى وليس هناك انسان وجداني مئة في المئة.
فالناس اما ان يرجعون الى العقيدة كما هو الشأن في عامة الشعب وفي الحضارات القديمة. او يعتمدون فيه على المعرفة كما هي الحال في الامم المتقدمة. او اولئك الذين يعتمدون على الحكمة وهي فوق المعرفة وافضل انواع التفكير.

وهناك عادات تفكيرية نتعودها, كالصمت في المشكلة. وهو الذي يؤدي الى اخماد العاطفة وايجاد المجال للعقل والرؤية. كالمحاولة والمصالحة بدلا من التحدي والخصومة. وهنا نذكر الزعيم الهندي غاندي الذي كان يصمت لأيام. والجدير بالذكر ان خمود العاطفة في الشيخوخة يؤدي الى خمود الذهن.

ان يقظة الفكر في الشباب تعود الى يقظة العواطف, ونحن نرى ان الخواطر تتوارد بسرعة وقت التهيج او التعجل او الغضب, بشرط الا تغمر الشخصية بقوتها و تحولها دون التفكير. كما قد يؤدي فنجان قهوة الى تثبيت العواطف.

يحتاج التفكير الحسن الى استخدام العقل الباطن بالاسترخاء حتى تستثار العواطف الكامنة وينتفع بما فيها من اختيارات وايضا بما فيها من توترات تفتق تفكيرنا وتكسبنا البصيرة، بغية الوصول الى نتائج قد لا نصلها عن طريق المنطق، لذلك كثيرا ما يؤدي المرض والتزام السرير شهرا الى تفكير جديد يقارب الاختراع وتغيير الشخصية.

نجد احيانا جمودا في التفكير. يرجع سببه الى عقدة قديمة اندست في عقلنا الباطن. لكن التهيج الخفيف يعيد الى الذهن حركته. كأن نمشي بسرعة. فإن حركة المشي السريع تفك الجمود. كما ان الارادة تحدث الخيال وتنظمه مثلما يحدث عند رؤية الطعام. فإذا تركنا الذهن حرا, صارت الخيالات عابثة لا قيمة لها. لذا يجب ان نسيرها ونوجهها بسيطرة العقل .
الى الحلقة القادمة

* مقتبس من كتاب عقلي وعقلك للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here