فلسفتنا بأسلوبٍ و بيانٍ واضح : تسلسل المفاهيم المادية في عقلية الرأسمالية

يتميز الإنسان من بين سائر المخلوقات أنه كائن حي مفكر عاقل، و يمتلك العقل الذي يستطيع بواسطته رسم خارطة طريق حياته، و الملامح الأولى لمستقبله المشرق، و كذلك وضع الأنموذج الأسمى لسلوكه الناجح، فمتى ما أردنا أن نغير السلوك البشري فهذا يتطلب منا أن ندرس هذا السلوك جيداً كي نصل إلى النتائج المرجوة من وراء عملية التغيير الشاملة التي ستطرأ على سلوك الإنسان، ومما لا شك فيه أن السلوك يتأثر كثيراً بالعديد من المعطيات الحياتية، و الأحداث، و الوقائع التي تحدث باستمرار في المجتمع، فنرى السلوك يتخذ عدة ألوان مختلفة تبعاً لطبيعة الظرف الذي يُحيط به، أو يتحكم به، فمنه السلوك المُحبب، و السلوك الشاذ عن القاعدة الصحيحة، فمثلاً ومن بين أبرز تلك المعطيات اللذة و المنفعة، فهما في طليعة الظروف التي تتحكم بسلوك الفرد، و توجهه نحو المسار المرسوم له، فلو كان تفكير الإنسان ضيق و محدود لا يتعدى ظله الذي يسير بجانبه، لا يتعدى ملذاته و يسعى دائماً لتحقيق منافعه الخاصة ولو على حساب مصالح و منافع المجتمع و أبناء جلدته فيقيناً ستكون النتائج على غير المتوقع منه ؛ لماذا ؟ لأنه قدَّم مكاسبه و منافعه و ملذاته الخاصة على حساب الآخرين فمثل هذا الإنسان غير قابل للتغيير الجذري الشامل ؛ لان فكره محدود ولا يتعدى الاستئثار الفردي فلا يؤمن بالجماعية و روح الجماعة، وفي المقابل يمكن أن يحدث التغيير مع الإنسان الذي يعمل بمنهجية صحيحة و عقلية راجحة و تفكير صائب فيعمل بأسمى قيم و معاني التضحية و الإيثار من أجل سعادة الآخرين و تحقيق ملامح الحياة السعيدة لهم فهم أشبه بالشمعة التي تحترق كي تُنير طريق غيره حتى يصل إلى بلوغ مراميه التي يسعى لتحقيقها على أرض الواقع وهذا ما يُطلق عليه بأنه أقصى غايات الجود وهو التضحية بالنفس من أجل الآخرين، وهذا الإنسان عكس الإنسان الأول، فهو من ممكن أن يتفاعل مع عجلة وقائع الأحداث المستمرة بالدوران، ومن الممكن أن نغير في سلوكه فيشهد التطور و التقدم و ظهور بوادر الخير فيه و علو كعب العقل و الفكر الرصين و التفكير السليم فنرى شخصية متكاملة قائمة على أسس صحيحة و قوية من جميع الاتجاهات لأنه قدم العقل و ألغى دور الأنانية و حب الذات المتعطشة للسلبية الانفرادية و نتائجها السيئة وهذا مما تطرق إليه المحقق الأستاذ الصرخي في بحوثه الفلسفية الحلقة الأولى فقال فيها : ( متى أردنا أن نغير من سلوك الإنسان شيئاً وجب علينا أن نغير من مفهوم اللذة و المنفعة عنده، و نُدخل السلوك المقترح ضمن الإطار العام لغريزة حب الذات، فإذا كانت غريزة حب الذات بهذه المكانة من دنيا الإنسان وكانت الذات في نظر الإنسان عبارة عن طاقة مادّية محدودة، و كانت اللذة عبارة عما تهيئّه المادة من مُتَع و مسرات فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بأن مجاله محدود و أن شوطه قصير و أن غايته في هذا الشوط أن يحصل على مقدار من اللذة المادية و طريق ذلك ينحصر بطبيعة الحال في عصب الحياة المادية وهو المال الذي يفتح أمام الإنسان السبيل إلى تحقيق كل أغراضه و شهواته وهذا هو التسلسل الطبيعي في المفاهيم المادية الذي يؤدي إلى عقلية رأسمالية متكاملة ) .


بقلم الكاتب احمد الخالدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here