أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٣)

نـــــــــــــــزار حيدر
{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ}.
للأُخوَّةِ شروطٌ وللصدَّاقةِ شروطٌ وللجيرةِ شروطٌ وللزَّمالةِ شروطٌ، ما لم تُستوفى فلن تنفعَ في شَيْءٍ وهي تنهارُ في أَقربِ فُرصةٍ تواجهُ بها الحقيقة!.
فالأَخُ الذي يترصَّدُ بأَخيهِ، فيرقصُ طَرباً إِذا سقطَ ويغضبُ حسداً إِذا نهضَ، ليس بأَخٍ!.
والصَّديقُ الذي يحجمُ عن المُساعدةِ عند الشدَّة ويتملَّقُ وقتَ الحاجةِ، ليسَ بصديقٍ!.
والجارُ الذي يؤذي جارهُ ويُراقبهُ للوقيعةِ بهِ ولا يحترمُ خصوصيَّاتهُ، هو جارُ سوءٍ!.
وهكذا.
فلقد وضعَ المُشرِّعُ شروطاً ومقوِّماتٍ والتزاماتٍ وموازينَ لكلِّ واحدةٍ من هَذِهِ الأَسماء [الأَخ، الصَّديق، الجار، الزَّميل] لينظِّمها في المُجتمعِ فتستقرَّ العلاقاتِ فلا يتجاوزُ أَحدٌ على أَحدٍ!.
يَقُولُ الإِمام السَّجاد علي بن الحُسين زَين العابدينَ (ع) في سِفرهِ العظيم [رِسالةُ الحقوق]؛
وَأَمّا حَقُّ أَخِيكَ فَتَعْلَمَ أَنّهُ يَدُكَ الَّتِي تَبسُطُهَا، وَظَهْرُكَ الَّذِي تَلْتَجِئُ إلَيهِ، وَعِزُّكَ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيهِ، وَقُوَّتُكَ الَّتِي تَصُولُ بهَا، فَلا تَتَّخِذْهُ سِلاحًا علَى مَعصيةِ اللَّهِ ولا عُدَّةً لِلظُّلْمِ بحَقِّ اللَّهِ، ولا تَدَعْ نُصْرتَهُ عَلَى نفْسِهِ وَمَعُونتَه عَلَى عَدُوِّهِ وَالْحَوْلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَيَاطينهِ وتَأْديَةَ النَّصِيحَةِ إلَيهِ والإقبَال عَلَيْهِ فِي اللَّهِ فَإنْ انقَادَ لِرَبهِ وَأَحْسَنَ الإجَابَةَ لَهُ وَإلاّ فَلْيَكُنِ اللهُ آثرَ عِنْدَكَ وَأَكْرَمَ عَلَيْكَ مِنْهُ.
ويقولُ (ع) عن حقِّ الصَّاحب [الصَّديق]؛
وَأمـّا حَقُّ الصَّاحِب فَأَنْ تَصْحَبَهُ بالفَضلِ مَا وَجَدْتَ إلَيهِ سَبيلاً وإلا فَلا أَقَلَّ مِنَ الإنصافِ، وَأَنْ تُكْرِمَهُ كَمَا يـُكْرِمُكَ، وَتـحْفَظَهُ كَمَا يـَحْفَظُكَ، ولا يَسْبقَكَ فِيمَــا بَينَكَ وبَينَهُ إلَى مـَكْرَمَةٍ، فَـإنْ سَبَقَكَ كَافَـــأتَهُ، ولا تُقَصِّرَ بهِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمَوَدَّةِ، وَتُلْزِمُ نفْسَكَ نصِيحَتَهُ وَحِيَاطَتَهُ وَمُعَاضَدتَهُ عَلَى طَـــــاعَةِ رَبهِ وَمَعُونتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا لا يَهُمُّ بهِ مِنْ مَعْصِيةِ رَبهِ، ثُمَّ تَكُونُ [عَلَيْهِ] رَحْمَةً ولا تَكُونُ عَلَيهِ عَذَاباً. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
أَمَّا عن حقِّ الجارِ فيقولُ (ع)؛
وَأمّــا حَقُّ الجَارِ فَحِفْظُهُ غَائِبًا وَكَرَامَتُهُ شَاهِدًا ونُصْرَتُهُ وَمَعُونتُهُ فِي الحَـالَينِ جَمِيعــاً.
لا تَتَّبعْ لَهُ عَوْرَةً ولا تَبحَثْ لَهُ عَنْ سَوْءَة لِتَعْرِفَهَا، فَإنْ عَرَفْتَهَــــــا مِنْهُ عَنْ غَيْرِ إرَادَةٍ مِنْكَ وَلا تَكَلُّفٍ كُنْتَ لِمَا عَلِمْتَ حِصْناً حَصِيناً وَسِتْرًا سَتِيرًا، لَوْ بَحَثَتِ الأَسِنَّةُ عَنْهُ ضَمِيرًا لَمْ تَتَّصِلْ إلَيْه لانطِوَائِهِ عَلَيهِ.
لا تَسْــتَمِعْ عَلَيهِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَـــمُ ولا تُسَلِّمْهُ عِنْدَ شَديدَةٍ، ولا تَحْسُدْهُ عِنْدَ نِعْمَةٍ.
تُقِيلُ عَثْرَتهُ وتَغْفِرْ زَلَّتَهُ، ولا تَدَّخِرْ حِلْمَكَ عَنْهُ إذَا جَهِلَ عَلَيْكَ، ولا تَخرُجْ أَنْ تَكُونَ سُلَّمًا لَهُ.
تَرُدُّ عَنهُ لِسَانَ الشَّتِيمَةِ، وَتُبْطِلُ فِيهِ كَيْدَ حَامِلِ النَّصِيحَةِ، وَتُعَــــــاشِرَهُ مُعَاشَرَةً كَرِيمَةً، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
يتبيَّن لنا من هذه النُّصوص أَنَّ لكلِّ عنوانٍ من تلك العناوينَ شروطٌ وواجباتٌ والتزاماتٌ مُتبادلةٌ لا يمكنُ أَن تُستوفى من طرفٍ واحدٍ أَبداً.
في الأُخوَّةِ تعالُوا نقرأَ مثلاً قصَّتها في العلاقةِ بينَ نبي الله موسى (ع) وأَخوهُ هارونَ (ع)، فما الذي كان ينتظرهُ موسى (ع) مِنْهُ عندما دعا الله تعالى أَن يجعلهُ شريكهُ في تبليغِ الرِّسالةِ؟!.
يحدِّثنا القرآن الكريم فيقولُ؛
{اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا}.
ويُضيفُ في آياتٍ أُخرى بنفسِ السِّياقِ؛
{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ* وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ* قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}.
موسى (ع) إِذن أَراد أَن يتكاملَ مَعَ أَخيهِ فلم يُردهُ إِضافةً بلا معنى أَو وجوداً بِلا فائدة أَو ديكوراً كأَنَّهُ خشبةً ميِّتةً أَو صِفراً على يمينِ الرَّقمِ أَو شاخصاً يتفرَّجُ!.
هو أَرادهُ إِضافةً حقيقيَّةً، أَمَّا ربَّهُ فمكَّنَّهُ عندما استجابَ لطلبهِ!.
أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فيتحسَّر على إِخوانٍ فقدهُم، فأَيُّ نوعٍ من الإِخوان كانوا؟!.
يَقُولُ (ع) يصفهُم؛
أَيْنَ إِخْوَانِي الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّريقَ، وَمَضَوْا عَلَى الْحَقِّ؟ أَيْنَ عَمَّارٌ؟ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ؟ وَأَيْنَ ذُوالشَّهَادَتَيْنِ؟ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَأُبْرِدَ بِرُؤوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ؟.
ويُضيفُ (ع)؛
أَوْهِ عَلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ، أَحْيَوُا السُّنَّةَ، وَأمَاتُوا الْبِدْعَةَ، دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوا.
قارنُوا هذه الصِّفات بما هُوَ موجودٌ الْيَوْم في مَن نتصوَّر أَنَّهُ أَخٌ أَو صديقٌ أَو زميلٌ؛
يختفي عِنْدَ الأَزمةِ ويلوذُ بصمتِ أَهْلِ القبور عندما تحتاجُ مِنْهُ أَن ينطقَ بكلمةِ حقٍّ، إِذا أَردتهُ ليُعينُك على حقٍّ غابَ عنكَ! وإِذا أَردتهُ ليُعينك على باطلٍ سارعَ إِليكِ!.
إِنَّهُ الزَّمنُ الأَغبر الذي فِيهِ الأَخُ تافِهٌ والصَّديقُ جبانٌ والزَّميلُ لئيمٌ.
إِذا لم يرتقِ الأَخُ إِلى مصافِّ هَذِهِ الصِّفات والمُميِّزات التَّاليةِ فلا خيرَ فِيهِ! وأَنَّ وجودهُ في حياتِكَ من عدمهِ وحضورهُ من غَيابهِ سيَّان.
وشهرُ الله الفضيل، رمضان الكريمُ والمُبارك، فرصةً ثمينةً لنعيدَ بناء هَذِهِ المُسمَّياتِ حسبَ المقاسات الرِّساليَّة لتعودَ تزهو في سمائِنا!.
يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع)؛
أَنْتُمُ الاَنْصَارُ عَلَى الْحَقِّ، وَالاِخُوَانُ في الدِّينِ، وَالْجُنَنُ يَوْمَ الْبَأْسِ، وَالْبِطَانَةُ دُونَ النَّاسِ، بِكُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ، وَأَرْجُو طَاعَةَ الْمُقْبِلِ.
فهل هِيَ صفاتٌ تعجيزيَّةٌ؟! أَو أَنَّها مثاليَّةٌ؟!.
أَبداً فهي ليست كذلكَ، فلقد مرَّ كلَّ واحدٍ منَّا في حياتهِ بتجاربَ أَشدَّ منها، قد لا تتحقَّقُ في الأَخ الذي هوَ من أُمِّكَ وأَبيكَ ولكنَّك تجدها في أَخٍ لم تلدهُ أُمَّك كما في القولِ المأثورِ [رُبَّ أَخٍ لَكَ لم تلدهُ أُمَّكَ].
كذلكَ فإِنَّ للصَّداقةِ شروطٌ يَجِبُ أَن يستَوفيها الأَصدقاء وإِلَّا فلا قيمةَ لها، ولعلَّ مِن أَبرزِها شيئان كما وردَ عن أَميرِ المُؤمنينَ (ع)؛
*الصِّدق وعدم الغشّ، كما في قولهِ {صَدِيقُكَ مَن صَدَقَكَ ﻻ‌ مَن صَدَّقَكَ} ليُعينكَ على باطلٍ بردعِكَ عَنْهُ وعلى حقٍّ بنُصحِكَ.
**حبُّ الخيرِ، فيفرحُ إِذا علا إِسمُكَ واشتهرَ صيتُكَ بينَ النَّاسِ!.
يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في وصيَّتِهِ لولدهِ الحسن السِّبط المُجتبى (ع) {يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا}.
ومِنها، كذلكَ، ما يلي كما وردَت في موعظةٍ لأَبي مُحمَّدٍ الحسنُ بن عليٍّ السِّبط (ع) وعظَ بها الصَّحابي الجليل جُنادة بن أَبي أُميَّةَ؛
إِصحَب مَن إِذا صحبتهُ زانَكَ، وإِذا أَخذتَ مِنْهُ صانَكَ، وإِذا أَردتَ مِنْهُ معُونةً أَعانَك، وإِن قُلتَ صَدَّق قولَكَ، وإِن صُلتَ شَدَّ صَولَتَكَ، وإِن مدَدتَ يدَكَ بفَضلٍ مدَّها، وإِن بدَت مِنكَ ثلْمةً سدَّها، وإِن رأى منك حسنة عدّها، وإن سألت أعطاك ، وإن سكتَّ عَنْهُ ابتدَأَكَ، وإِن نَزلَت بِكَ إِحدَى المُلِمَّاتِ واسَاكَ، مَن لا تأْتيكَ مِنْهُ البَوائِقَ، ولا تَختَلِفُ عليكَ مِنْهُ الطَّرائِقَ، ولا يَخذُلكَ عِنْدَ الحقائِق، وإِن تنازَعتُما مُنقَسَماً آثرَكَ.
٧ مايس [أَيَّار] ٢٠١٩
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Twitter: @NazarHaidar2
‏Skype: nazarhaidar1
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here