أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٤)

نـــــــــــــــزار حيدر
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
ثلاثةٌ مقابل ثلاثةٍ، الأُولى تبني مُجتمعاً سليماً قائماً على أَساسٍ صحيحٍ وعلاقاتٍ متينةٍ، وعلى النَّقيضِ منها ثلاثةٌ تبني مُجتمعاً سقيماً مُفكَّكاً يقفُ على جُرُفٍ هارٍ.
والحديثُ هُنا لا يخصُّ الدَّولةَ فقط أَو العلاقةَ بينَ الحاكمِ والمحكومِ وإِنَّما المُجتمع بشَكلٍ عام، فلكلِّ فردٍ فِيهِ دورٌ في خلقِ الفُرص اللَّازمة والأَرضيَّة المُناسبة لنموِّ وبناءِ النَّوع الأَول من المُجتمع كما أَنَّ لكلِّ واحدٍ فِيهِ دورٌ في بناءِ النَّوع الثَّاني مِنْهُ!.
فالعدلُ، مثلاً، يلزم أَن يكونَ صفةً عامَّةً في المُجتمع، في الأُسرة في علاقةِ الأَبوَين مع بعضهِما وعلاقتهما مع الأَولاد، وفِي المحلَّة بينَ الجيران، وفِي الشَّارع بينَ النَّاس وفِي الدَّائرة ومحلِّ العمل بين المُوظَّفين والعمَّال وفِي المُؤَسَّسة التعليميَّة، مدرسةً كانت أَم معهداً أَم جامعةً، بين الأَساتذة مع بعضهِم وبينهُم وبين التَّلاميذ والطُّلَّاب وبين التَّلاميذ والطلَّاب مع بعضهِم، وهكذا!.
وكذا الإِحسانُ الذي يجب أَن يكونَ الصِّفة التي تميِّز المُجتمع في كلِّ الدَّوائر والمُستويات الآنفةِ الذِّكر.
وكلُّ ذَلِكَ بحاجةٍ إِلى ثقافةٍ وقوانينَ وقوَّةٍ رادعةٍ لتحقيقِها، لأَنَّ الإِنسانَ بطبعهِ ميَّالٌ إِلى حُبِّ الذَّات والإِستحواذِ الذي يقودُ إِلى الظُّلم، أَلا ترَونَ كيفَ استحوذَ [المُتديِّنون] على كلِّ شَيْءٍ عندما وصلُوا إِلى السُّلطةِ على الرُّغمِ من [تشبُّعِهم] بـ [الثَّقافة الدينيَّة] لأَكثرَ من نصفِ قرنٍ؟!.
وقد تعترضُ فِكرتَان خاطِئَتَان الجُهد المُجتمعي فتحولان دُونَ تحقيقِ العدلِ والإِحسانِ؛
الأُولى؛ إِذا تصوَّرنا أَنَّ البدايةَ يجب أَن تكونَ من الدَّولة [السُّلطة] فإِذا لم تكُن عادلةً ومُحسنةً فمِنَ المُستحيل أَن يكونَ المُجتمعُ عادلاً ومُحسناً، وهذا عينُ الخطأ، فالعكسُ هو الصَّحيح فإِنَّ المُجتمع العادل هو الَّذي يبني دولةً عادِلةً وهو الَّذي يُقوِّمها إِذا ظلمت، على اعتبار أَنَّ المُجتمع هو أَصل الدَّولة وليسَ العكسُ، وهو أَكبرُ منها فإِذا قرَّرَ يوماً أَن يبتلعَها فبإِمكانهِ ذَلِكَ!.
ولهذا أَشارت الآية المُباركة {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ}.
و {أَنفُسِهِمْ ۗ} هو المُجتمع وليس الدَّولة [السُّلطة].
الثَّانية؛ عندما يتوقَّف قرار كلَّ واحدٍ منَّا على قرار الآخر في تحقيقِ العدلِ والإِحسان في المُجتمع! فتكونُ النَّتيجة [صفر] لأَنَّ ذَلِكَ يعني غَياب المُبادرة أَو المسؤُوليَّة الفرديَّة في المُجتمع والتي هي الأَصلُ وحجر الزَّاوية في المسؤُوليَّة المُجتمعيَّة أَو مسؤُوليَّة الجماعة.
تقولُ الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وعندما تلقى صدُوداً ينبغي أَن تنتبهَ لحقيقةِ الواقع الذي تعيشهُ فلا تقُل [حشرٌ مع النَّاسِ عيدٌ] أَو [وهل هِيَ بقِيَت عليَّ] وإِنَّما عليكَ واجب التصدِّي للمسؤُولية حتى لَو كُنتَ وحدكَ أَو انتَ وأَخوكَ فقط!.
يَقُولُ تعالى {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
ولا ننسى هنا ما لروحِ الإِنتقام والرَّد بالمِثل من دَورٍ سلبيٍّ في إِسقاط كلَّ المُحاولات والسَّعي الرَّامي إِلى بناء مُجتمعٍ عادلٍ ومُحسنٍ لنفسهِ! لأَنَّ الإِنتقام يجرُّ إِلى الإِنتقام والردِّ بالمِثل يجرُّ إِلى مثلهِ، ولَو بحرفٍ، وبالتَّالي نرى المُجتمع في دوَّامةٍ لن تنتهي من الظُّلم.
ولذلكَ شرَّع الإِسلام العَفو في مجالاتٍ عدَّةٍ واعتبرهُ أَقربَ للتَّقوى حتَّى من القَصاص في أَحيانٍ كثيرةٍ، لأَنَّ العَفو يُوقف دَورة الدَّم والظُّلم والظُّلم المُضاد إِن صحَّ التَّعبير، فقال تعالى {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ} وقولهُ تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
وكانَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) يَقُولُ {إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْب!} لا أَكثر!.
٨ مايس [أَيَّار] ٢٠١٩
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Twitter: @NazarHaidar2
‏Skype: nazarhaidar1
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here