الذبالة والسجان…

لا تكن مثلي… تضيء للنّاس ومن ثم تدفع الثمن، أستعجب حالك!! فبعد ان ناولك الدهر صفعات أطالت عمرك المستشري عذابا دون ان يهيد أو يستكين… لم أشهده لحظة قد أخذ هدنه أو أراح أكف، فدوما يغزل لك المكائد كي يلهيك مثلي.. لم احسب كم هو طول الفتيل الذي ألبستني؟ فغالبا ما تلبسنيه في عتمة خلسة، حتى لا تدعني اشهد جريمتك وأنت تجبرني على شرب ما يذهب بعقلي بعدها ترسلني حيث جهنم… الى أن ألزمت نفسي ان لا أطالب بأن اكون ذي مشاعر او أحساس، فقد ماتت براعم الاحاسيس التي احرقها اللهب.. صرت مجرد ذبالة همها ان تسف رائحة مستنقع فتيل أجرب كالمسطول.. الشيء الوحيد الذي يجعلني ابتلع جريمتك هو أنك تحاول الخروج مما أحطت به من عالم مظلم، رغم علمي وعلمك قبلي أنهم لن يدعوك تخرج، حتى لا تسهم في انعاش ذاكرة من كانوا حولك بأن الدنيا عالم لا يصحبها إلا من ضرب الدفوف وأرتدى بدلة سوداء وغطى رأسه بكيس، همه أن يقف عند الحافة الآمنة يمسك بقلادة الموت التي يلبسها لأصحاب البدل الحمراء، هكذا كان في السابق أما الآن فترى مختلف الألوان تصطف طوابير تنتظر ان تنال تذكرة انبعاث آخر.. صاحب القلادة لم يتغير هكذا اعتقد وانت وانا أيضا والسراج لم يطالنا التغيير.. لقد عكفنا وقَبِعنا في وادي الموت هذا.. الا ترى أنك تبالغ في رزم اسماء ممن هتكت حياتكم لا لشيء إلا لأنهم قرؤا على ذبالات خافتة بحرية؟… الحرية تلك المفردة التي أقلقت وضج سامعها ممن تعرف؟ أنظر الى نفسك كأنك لا تجيد سوى مهمة إتخامي وحشو مؤخرتي بهذا الفتيل الذي أراه فَرِحا بمهمته التي سرعان ما يصرخ بعد ان تشعل رأسه وتلهبه… فمن تَخَلُفهِ عندما يرى ظلي يحسبني أرقص.. اظن اعتقاده صحيح غير أني ارقص من وجعي على وجعي… أما الفتيل فصراخه يعلو خاصة عندما تهب ريح انفاسك التي لا ملاذ من شم فسادها… انظر لقد اصبت بالعمش كون ما تسقينيه من مستنقع جاوز الصلاحية كأعمار من تخطب مناديا بإصطحابهم حيث ذاك مكيس الرأس.. يا لجنونك وسذاجتي!؟ نعم سذاجتي لولاها ما استطعت ان تغرر بي، لكنك داهية على الضعفاء ممن تطالهم يديك، تعمد على انتهاك حرمتهم بأصابع فتقت أزرار العفة فخانت عهد الله في كل شيء، خلقت لنفسك ربا تعبده.. تمجده تصلي له.. حتى ظفر بك كما ظفرت أنت بنا.. فألقاك حيث مقبرة الموت الأبدي.. لا مناص لك سوى ان تعيش ميتا أو تموت حيا… معادلة صعبة أعيشها أخوض في طيات تبيانها كل يوم… بل كل لحظة مذ إيقادِ حتى تطفئني بنفخة رجل موسوم بالموت لا محالة لكن دون قلادة، فما تبلعه من بقايا أنفاس ورائحة الموت كفيلة بالفتك..ههههههه جنوني يصور لي أنك خاويت الموت فطال في عمرك وصاحب القلادة…

سيأتي يوم ما، سيغير ربك طريقته في محاكمة الابرياء، سيجلب وسائل حديثة لنيل ممن لا يرومهم حوله كالذباب الطنان… تخيل الإنسان بالنسبة للحاكم ذباب طنان، احكَمَ عليهم بعمر كما عمر الذباب إن طال او قصر، يفسح لهم المجال مدة اربعة عشر يوما بعدها يسوق لهم الحديد والوعيد.. فينساقون بناي الراعي حيث جب يوسف الذي كان وعدا… لكن هل من نبي جديد يبعث؟ هل سيكون لنا يوسف جديد وفي كل يوم يولد الف عصبة واخوة أعداء؟؟ اما الجلادين فلا عد لهم ولا حصر.. غبي من يظن أن الضياء يمكن ان يكون طريق حياة او فنار لسفينة غارقة لا محالة… حتى بوصلة الاتجاهات تأخذك حيث الضياع.. طرق مختلفة لم يحتاج فيها الحاكم الى ضياء ذبالة ضعيفة لا تغطي مساحات الكم الذي يرغب ان يحيطه، فجل همه أن يأخذ الخراج من كل غيمة تسير في السماء بحريتها.. سيرسل طيور أبابيل بالسجيل يأمرها ان تحيد عن مسارها وإلا سيقحمها يُجبرها ان تجهض نفسها في واد أرض شيطان متأكل لا فائدة منه دون أن يرجو عطاء..

هل سمعت يا حاصي الأسماء؟ ام أنك تَلَيَفت فكثرت قذارتك، نَتِنَت رائحتك فما عدت تميز بين من؟ وأين؟ فزلفت بعيدا حيث رقيمك القديم في كهفك تحاول ان تقرأ ما نسيته بصوت عال بعد أن اخرستك الوحدة إلا مني وسراجك.. قلت لي مرة أنك لا تعول على صاحب القلادة فقد قُطِعَ لسانه عندما اراد فسحة في حوار ديموقراطي هههههههه يالها من ديموقراطية شمطاء عجوز تنال من على مكنستها الطائرة أيا كان فتسخطة قردا او سخلة أو غراب.. فلا يعول عليهم بعدها أبدا..

رد بعد ان شعر بغصة مما سمع كأنها أيقظت من كان نائما في ذلك الكهف.. فقال:

لا ادري يا ذبالة الغثة متى يمكنني التخلص منك الى الابد؟ فبرغم الحداثة والنور ذو الأزرار.. لا يرغب من اعبد ان أحظى بغيرك، فطالما قال: لقد ورثنا ذلك ممن تسلطوا، طال حكمهم حتى وصل الخلود.. إرث جاهلي أزلي لا يمكن التفريط به.. فلا تشغلن بالك ايها السجان بالحداثة فما هي إلا وجع للرؤوس… اعلِمت من هي الرؤوس؟ إنها التي أينعت وتعمد أنت الى إلباسها وصاحب القلادة… فالنور يجلب لك الأحلام بعدها يزيد فسحة الأمل، فالحياة عامة ترقى بالضياء.. اعني هنا ضياء النفس والروح والعقل، ومن ثم تزيد في قدرة الفرد على قراءة الاسفار والغور في المفهوم الإنساني والحقوق والواجبات، تكشف المستور.. عندها تبدأ محنتي، تزداد نفسي سوءا يزداد هلعي على ملكي.. عرشي، فأفزع وهذا ما لا أريده ابدا ان يحدث..

هذا ما يردده ربي.. لكني مللت حياتي يا ذبالة النحس… كرهتها جزعا فطالبت بالخروج من هذا الجب لكن خوف ربي مما اعلم ومما شاهدت ومما فعلت بأمره يخيفه أكثر فسلط علي الويلات، نال مني واهلي جميع ممن احب، فَخِفت رغم أني لا أعرفهم.. لكن هم لي بقية من عشير، قاومت بداية فأخصيت، وقبل أن يخصوني فعلوا فعلتهم بي فأصبحت ملاطا بحيوانات غير آدمية.. مللت حاولت قتل نفسي لكنه منعني و وضعني في عالم يخلو من كل شيء إلا منك انتِ والسراج.. لعلك تذكر يا سراج الهم كل ما اعنيه؟ مَد لي التعاطي بما ينسيني فأدمنته… وهكذا فررت الى داخل جحور الأرض حتى لا أُشعر من يعرفني بالعار والخزي.. أما انتِ يا ذبالة أقسم لولاك لسارعت بشنق نفسي، لكن مشاهدتك حية هي من ترفدني البقاء.. برغم الموت، ضياءك المشوش ولسانك المضجر، إلا أني استشعر أني ما خلقت أو مد الخالق في عمري إلا لسبب، أظنه لم يأتي بعد… في تلك اللحظة فقط وعندما أحس أن السبب قد بانت مفاصله سأخرج راميا بفتيلك، اضمن لك أني لن أستغلك أو اعمد على إيقادك في ظلمة.. سيكفيك ان تكوني شاهدا عيان بعد ان يسملوا لك عينيك التي ترى عيوب الآخرين… ثم يصعدون بي حيث صاحب القلادة… فيا خليلي.. كلنا أموات لا محالة ولا يبقى سوى الحاكم والجلاد.

القاص والكاتب/ عبد الجبار الحمدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here