التبعية وليدة الخوف من المسؤولية!!

المخلوقات تميل للتبعية لكي تتخلى عن المسؤولية , والبشر فيه رغبة كامنة للتبعية لأن الخوف من المسؤولية يهيمن عليه خصوصا عندما يتعلق الأمر بالغيبية , ولهذا تجده ينصاع لمن يراه يمثل الدين الذي يعتقده أو ينتمي إليه , فيعطل عقله ويمضي خلف الذي يمثل الدين.

وهذا السلوك أزلي الإمتداد ومتواصل بين البشر ولن ينتهي , فحالما يواجه البشر تساؤلات حول الحياة والموت , يميل إلى أن يكون تابعا لشخص ما أو قوة معينة يرمي عليه أو عليها المسؤولية , ويحرر نفسه من النتائج المترتبة على سلوكه وما يقوم به.

ويعرف هذه الحالة المتاجرون بالدين فيوظفونها بمهارات متراكمة ويستثمرون فيها أعظم الإستثمار , فيتحول البشر في عرفهم إلى بضاعة تدر أرباحا خيالية , لأنه قد وهبهم مصيره وأذعن لإرادتهم ونفذ تعاليمهم ومضى في الطريق الذي يرسمون.

ولذلك نرى أن للرموز الدينية المتنوعة تابعين خانعين يضحون بأنفسهم في سبيلها , ليس عن إيمان أو وعي وإدراك , وإنما بسبب الإنتماء العاطفي الأعمى الشديد الذي يلزمهم بالتحول إلى دمى وبيادق تحركها تلك القوة الرمزية أنى تشاء.

والحقيقة أن التابع فيه طاقة تشده إلى التبعية ورغبة ملحة للتجرد من المسؤولية , لأن الجهل عميم والوعي سقيم وقدرته على التفاعل العقلي ضعيفة , وتجنبه السؤال من أكبر المعضلات التي تقيده وتمنع عنه المعرفة والتعلم والوصول إلى أجوبة ذات قيمة ومعنى , فيكون من السهل عليه أن يجد الأجوبة جاهزة أمامه ويمضي مع الكثيرين في ترجمتها , والتعبير عن سلوك ” حشر مع الناس عيد”.

وقد أشار القرآن إلى هذا السلوك التبعي الأعمى وحذر منه , ودعى البشر إلى التفكر والتبصر وتحمل المسؤولية المصيرية , لأنه سيكون بعد موته لوحده أمام ربه ولن يشفع له أي شخص آخر سوى نفسه وما قدمت في دنياه من أعمال صالحة ومتفقة مع إرادة ربه.

ويبدو أن أكثر الذين يستعبدون البشر ويستثمرون بميلهم للتبعية , من الذين لا يؤمنون بما يقولونه ويتظاهرون به , لأنهم لو إمتلكوا وعيا حقيقيا ومعرفة سليمة بالدين وعلاقة الخالق بالمخلوق , لترددوا كثيرا وعملوا كأن ربهم يراهم , فتسودهم آليات التقوى والورع , لا كما نشاهدهم برغباتهم الدنيوية المفلوتة ونفوسهم التي تأمرهم بما يغضب الله , ويذل عباده ويستجلب عليهم الويلات وسوء المصير.

إن الدين يدعو للتحرر والإنعتاق من أية تبعية وعبودية , ويفرض على البشر تحمل مسؤولية رحلته في الحياة الدنيا , ولهذا فهو معرّض للحساب , فلولا أنه مسؤول لما وجد الحساب , وبالتجرد عن المسؤولية الذاتية والموضوعية , يكون البشر في تعارض مع خالقه , وفي حالة إنكار لمعنى وجوده , بل أنه ينتحر بما يقوم به من سلوكيات تجرده من أبسط معاني وجوده.

ولكي يتحرر البشر من التبعية عليه أن يقر بالمسؤولية ويأخذ على عاتقه العمل على تحرير نفسه من قبضة المتاجرين بالدين , والخروج من كونه بضاعة في سلال المضللين الممعنين بسحقه والإستحواذ على مصيره.

فهل من قدرة على الشعور بالمسؤولية والمواجهة الحقيقية مع إرادة الحياة الإنسانية؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here