تفجير “جميلة” يعيد الجدل حول رفع الحواجز من بغداد

بغداد ــ محمد علي، أكثم سيف الدين
11 مايو 2019
أعاد الاعتداء الإرهابي قرب سوق جميلة الشعبي بمدينة الصدر شرقي العاصمة العراقية بغداد، في ساعة متأخرة من ليلة أول من أمس الخميس، والذي راح ضحيته 20 شخصاً بين قتيل وجريح، الجدل مجدداً حول استعجال الحكومة برفع الكتل الإسمنتية وفتح الطرق وتخفيف الإجراءات الأمنية بالعاصمة، عبر إلغاء أكثر من نصف حواجز التفتيش والنقاط الأمنية فيها.
وعلى الرغم من تضارب الروايات الأمنية بين الجيش والشرطة حول خليفات الاعتداء، بين كونه عبوة ناسفة على حافة الشارع الرئيس للسوق، أو حزاماً ناسفاً متروكاً قرب منزل النائب عن “حركة العصائب”، الجناح السياسي لمليشيا “العصائب”، حسن سالم، وبين انتحاري بحزام ناسف وهو ما تبناه تنظيم “داعش” في وقت لاحق عبر بيان نشر على حسابات تابعة له على مواقع التواصل كشف فيه عن اسم الانتحاري الذي قال إنه “الأخ جراح الكردي”، إلا أنّ الحادث هو الأول من نوعه الذي تشهده بغداد منذ ما يزيد عن ستة أشهر عرفت فيها العاصمة استقراراً أمنياً كبيراً، والأكبر في الفترة الأخيرة.

وتعتمد السلطات العراقية منذ حكومة نوري المالكي الثانية (2010ــ 2014) أسلوب التقليل من آثار العمليات الإرهابية وما تخلّفه من ضحايا، على اعتبار أنّ ذلك من أساسيات إحباط همم الجماعات الإرهابية وعدم منحها ما تصبو إليه، وهو إيقاع أكبر عدد من الضحايا في هجماتها.

ووفقاً لمسؤول بارز في جهاز الشرطة العراقية في بغداد ضمن جانب الرصافة، فإنّ الاعتداء “مهما كان نوعه أو مكان تنفيذه، فهو يعني أنّ هناك نشاطاً إرهابياً داخل بغداد، يجب تتبعه ومعالجته فوراً”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد” أنّ “التفجير أعاد للأذهان، وخصوصاً لأهالي مدينة الصدر، اعتداءات بشعة راح ضحيتها المئات منهم في السنوات الماضية، على الرغم من أنّ اعتداء الخميس لم يسفر عن سقوط الكثير من الضحايا”.

وتابع المسؤول أن “كل سكان العراق يخافون من أن ينعكس التوتر العالي بين إيران وأميركا حالياً على الملف الأمني في بلدهم، إذ سيكون هناك افتعال لعمليات إرهابية أو تردٍ أمني عام لغايات معروفة، بسبب اشتراك الدولتين في الملف الأمني داخل العراق بشكل أو بآخر، وقد يعيد أي ترد أمني لا قدّر الله، التهدئة بين الطرفين”، معتبراً أن تنظيم “داعش” ومن قبله “القاعدة”، لطالما أجادا الاستفادة من التناقضات على الساحة العراقية.

في غضون ذلك، لا تزال السلطات الأمنية في بغداد تواصل رفع الكتل الإسمنتية من شوارع العاصمة وتلغي حواجز أمنية موجودة فيها منذ عامي 2004 و2005، ضمن خطة عمل واسعة أطلقها رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، تتضمن تنشيط العمل الاستخباراتي، والاستغناء عن الطرق التقليدية في ضبط الأمن، ومنها الكتل الإسمنتية التي كانت تغلق مئات الطرق في بغداد، ويبلغ عددها عشرات الآلاف. وأمس الجمعة، أعلنت أمانة بغداد عن رفع الكتل الإسمنتية من شارعين في حي الكرادة، وإعادة فتحهما، وذلك بعد ساعات من الاعتداء شرقي بغداد.

وأثارت هذه الخطوات جدلاً بين أوساط أجهزة الأمن العراقية، إذ ما زالت هناك مخاوف من نتائجها السلبية على الملف الأمني الذي لم تتم السيطرة عليه بشكل كامل. فالمناطق التي أعيد فتحها أو رفعت الكتل الإسمنتية منها، شهد كثير منها اعتداءات إرهابية بشعة راح ضحيتها مئات المواطنين عبر هجمات بسيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة أو متفجرات زرعت على مقربة من تجمعات المواطنين.

إلى ذلك، قال مقرّبون من رئيس الوزراء العراقي، لـ”العربي الجديد”، إنّ الحكومة ماضية في قرارات رفع الحواجز الأمنية في أغلب مناطق العاصمة، وإنه سيتم قريباً رفع أخرى من مناطق مهمة وسط بغداد قرب شارع الرشيد وأبو نواس والحارثية.

وكان رئيس اللجنة الأمنية في مجلس بغداد محمد الربيعي، قد قال إنّ “الاستخبارات ستتولّى مسؤولية حفظ الأمن في العاصمة بعد رفع الحواجز منها”، مشيراً في تصريح سابق له إلى أنّ “الوضع الأمني في بغداد أصبح طبيعياً، خصوصاً بعد الانتصارات على داعش”.

من جهته، قال عضو التيار المدني العراقي، فراس الربيعي، إنّ “الحكومة مطالبة بمراجعة الإجراءات الأمنية، لكن يجب أن يكون أمن المواطنين أهم من أي بُعد آخر”. وأضاف الربيعي في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “رفع الكتل الإسمنتية وفتح الطرق، طموح كل مواطن، لكن على ما يبدو أنه يسهل حركة الإرهابيين وتنقلاتهم. لذا يمكن العودة للقاعدة القديمة: ألف صبّة ولا انفجار واحد”. وتابع: “عندما يُفتح طريق ما، يجب التأكّد من أنه لن يعاد غلقه بعد تفجير يقع فيه، وكلنا نعلم أنّ سوق جميلة الشعبي كان محاطاً بالكتل الإسمنتية التي تمّ رفعها حديثاً”، مشيراً إلى أنّ “خطة رفع الحواجز أكسبت عبد المهدي شعبية واسعة، إذ إنّها حُسبت له كخطوة تصب بخدمة المواطنين والتخفيف من معاناتهم، ويجب ألا تنقلب عليه مجدداً”.

وشهدت بغداد خلال الأشهر الثلاثة الماضية رفع أكثر من 60 حاجز تفتيش أمني، وفتح نحو ألف طريق وشارع رئيسي وفرعي، إضافة إلى نقل آلاف الكتل الإسمنتية منها إلى أطراف العاصمة ضمن خطة فتح الطرق والأحياء السكنية التي اعتمدتها حكومة عبد المهدي الجديدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here