الديموقراطية في العراق ليست على الطريقة الامريكية

ادهم ابراهيم

ان المفهوم الحالي للديمقراطية قد تطور عبر مراحل عديدة من التجارب الانسانية , خصوصا بعد ظهور المبادئ الليبرالية التي اعقبت الانظمة الاقطاعية الاستبدادية في اوروبا . وقد نشأ النظام السياسي الديموقراطي من الحركات المدنية الاجتماعية السائدة آنذاك . ويعتمد بالاساس على السلطة المدنية . اي بعيدا عن العقائد الدينية الكنسية والمذهبية . وتؤكد هذه السلطة على تحقيق العدالة والمساواة لكل افراد الشعب , تحميها الدولة التي بيدها وحدها الحق باستخدام القوة بموجب القانون لتحقيق النظام والامن الاجتماعي , فاصبحت بذلك اداة لتوحيد المجتمع
في مرحلة اعداد الدستور الامريكي حذر جورج ماديسون الذي كان رئيسا للولايات المتحدة واحد المنظرين للدستور من حكم الغوغاء . ويقصد به تواطؤ الاكثرية العددية لانتقاص الحقوق الاساسية للمواطنين الذين قد يمثلون الاقلية . الاقلية ليس بالقومية او الدين وانما ايضا الفئة الاجتماعية المتقدمة القادرة على ادارة الدولة . والا فان الاكثرية العددية ستؤدي الى حرمان النخب الفاعلة في المجتمع من تبوء مكانتها في قيادة الدولة . ولذلك فالديموقراطية يجب ان تكون محكومة بضوابط اساسية لتحديدها . فالديموقراطية الخالصة مضطربة وغير مستقرة . . اي ان الديموقراطية تعتمد على حكم النخبة من المجتمع , وبهذا الصدد يقول ( ان الديموقراطية تحفظ حقوقا اساسية للفرد , ولا تخضع كل شئ لما تطالب به الاكثرية . او لما تعتبره الاكثرية مصلحة عامة ) . وهكذا اعد الدستور الامريكي

ولكن لماذا لم يقدم لنا الامريكان دستورا يستند على النخبة في حكم الشعب . وبدلا من ذلك قدموا لنا مشروعا يقسم الشعب العراقي الى طوائف واقليات بحجة تطبيق الديمقراطية . . في حين ان الدستور الامريكي لم يستند الى التقسيم الديني او القومي للمواطنين الامريكان . خصوصا وان هناك كاثوليك وبروتستانت , بيض وسود وخلاسيين , لاتينيين واوروبيين . . الخ بل اعتمد على حزبين جمهوري وديموقراطي وجعل الانتخابات الامريكة بنظام معقد يعتمد على حكم النخبة لا الاكثرية العددية , مع بعض الاستثناءات التي يمكن تداركها كل سنتين في الانتخابات النصفية
لقد قدموا لنا اذن حكم طائفي قومي هجيني مشوه باسم الديموقراطية , مما ادى الى الصراع والتنازع بين فئات ومكونات المجتمع الواحد اولا . . ثم صراع داخل كل مكون لاحقا . وهكذا توسعت وامتدت الصراعات ليس في الحكومة الاتحادية فقط وانما في منطقة الحكم الذاتي لكوردستان وكذلك في الحكومات المحلية للمحافظات
ربما كانت هذه واحدة من مهمات الاحتلال الامريكي للعراق . . القضاء على الوحدة الوطنية العراقية , بعد تدمير الجيش والبنية التحتية للدولة

ان من ساعد على ابقاء الوضع على ماهو عليه الان الاحزاب القادمة مع الغزو الامريكي . حيث تختلف هذه الاحزاب عن كل احزاب العالم . فهي ليست احزابا سياسية بمعنى الكلمة بقدر ماهي تجمعات مافيوية مسلحة دخلت الى المجتمع العراقي باسم الطائفة والدين حتى تستقطب المواطنين البسطاء من ذوي الاصول الريفية والقبلية الذين يفتقرون الى الوعي السياسي . . ولذلك نجد ان هذه الاحزاب الطفيلية المتخلفة تستغل الناخب الساذج غير الواعي باطروحات دينية وطائفية لتستمر بالحكم بفساد اكثر . وهي بعيدة كل البعد عن القيم الدينية العليا , وفي كل انتخابات عامة او محلية نجد الناخبين
وخصوصا من ذوي الدخل المحدود والفقراء يتجهون الى انتخاب نفس الاحزاب سيئة الصيت , مع علمهم بفسادها وهم ينظرون الى فعلهم هذا بمنظور ديني وواجب مقدس , والا فان لعنة الله ستلاحقهم , انهم مدفوعون بالخوف متناسين ظروف معيشتهم البائسة , ومايجب ان يكون الحكم عليه
والاكثر من ذلك فان مريدي هذه الاحزاب يستخفون بالناخبين وهم في كل مرة ينقضون وعودهم , ويسعون على الدوام الى التجهيل المنظم واجترار التاريخ مع التمسك بالطقوس الدينية . بل وزيادتها كي لا يتشكل اي وعي جماهيري قد يؤدي الى اقصائهم من سدة الحكم وحرمانهم من المكاسب المتاتية منه

ومن مظاهر الديموقراطية العراقية ايضا استبدال الفكر القومي والوطني بالفكر الديني والطائفي . ولذلك نرى المشاريع الشعوبية تنشط في العراق . . فهناك من تبنى مشروع ولاية الفقيه وتصدير الثورة الاسلامية فانظم الى الميليشيات الايرانية . وهناك من تمسك بفكر الاخوان المسلمين الشمولي المعادي للوطنية . فاصبح اسير التوجهات التركية والقطرية . وفي منطقة كوردستان العراق نشطت الافكار الشوفونية لاستغلال الاوضاع السياسية الشاذة في البلد والحصول على مكاسب في المناطق التي سميت بالمتنازع عليها

وفوق هذا وذاك , انتشر الفساد السياسي والاداري على نطاق واسع . وانتهكت حرية الانسان وتم خنق الصحافة والاعلام الهادف . وجرى الاستحواذ على منظمات المجتمع المدني . فانعدمت المعارضة الحقيقية . وانتشرت المظالم واصبح السكان تحت خط الفقر في كثير من المحافظات . وهكذا تم تغييب حرية الارادة للمواطنين كافة , فجردت الديموقراطية من محتواها

ان دعم امريكا وايران للحكومات الفاسدة المعادية للشعب منذ الاحتلال الامريكي للعراق الى يومنا الحاضر يؤكد بشكل واضح على ان هناك عملية ممنهجة لتشويه الديموقراطية وسلب ارادة الشعب وان هناك خططا معدة سلفا للتخريب البنيوي السياسي والاقتصادي والانساني للعراق . فهل امريكا لاتعلم بفساد السياسيين , وسلوكهم المنافي لابسط المبادئ الديموقراطية , وهي تلاحق كل سنت في العالم , وتنتقد على الدوام اغلب دول العالم بدعوى الديموقراطية وحرية الانسان , ام انها تركت الحبل على الغارب لتنفيذ المخطط المرسوم

وايران التي تدعم الاحزاب الفاسدة الحاكمة . وميليشياتها تصول وتجول من الموصل الى البصرة . وهي تعيث فسادا وتخريبا في العراق . هل عجزت امريكا عن مواجهتها , وهي تهددها جهارا نهارا

وبعد كل ذلك فرب سائل يسأل . . اذا كانت امريكا قد قدمت لنا ديموقراطية مشوهة واحزابا فاسدة , لتحقيق هدف ما . . فهل حان الوقت لاعادة تقويم الاوضاع الشاذة في العراق لكونها دولة الاحتلال التي اختارت نظام الحكم المتخلف والهجين هذا . . ولتدفع باتجاه اعادة كتابة الدستور بشكل لايكرس التقسيم الطائفي والقومي , ويضمن صعود النخب الوطنية العراقية المخلصة والكفوءة
ام ان المهمة مازالت قيد التنفيذ الى اجل مسمى طالما العراق مازال البقرة الحلوب . والنفط جار واهله جياع
ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here