إيران “المتهم الأول” .. البصرة تكافح يائساً الغرق في المخدرات وسجون مليئة بالمتعاطين حد الاختناق

تكافح مدينة البصرة (جنوب العراق) مشكلة انتشار المخدرات بشكل متزايد مما تسبب في تكدس السجون بما يفوق طاقتها وأرهق موارد الشرطة، وذلك بعد شهور فحسب من احتجاجات عنيفة اعتراضًا على سوء الخدمات المحلية.

وبلغ الضغط على نظام السجون في البصرة حد الاختناق ، ففي أحد الأيام بالآونة الأخيرة شوهد في مركز للشرطة حوالي 150 رجلًا جالسين على الأرض حليقي الرؤوس وقد انحشروا في زنزانتين صغيرتين.

وخلال السنة الأخيرة ازدادت بشدة أعداد المقبوض عليهم من متعاطي المخدرات وتجارها، الأمر الذي زاد الضغط على السجون والشرطة فيما يشير إلى أن مشاكل الموارد المحلية التي كانت سببًا بالاحتجاجات في البصرة الصيف الماضي لم تختف.

وقال الرائد شاكر عزيز من قسم مكافحة المخدرات في شرطة البصرة، ”انتشار المخدرات بسبب البطالة. شبابنا تائهون، ما عندهم مال، ملوا من الحياة لذلك يهربون“.

وأضاف متحدثًا عن زنزانات الحبس : ” أبو السجن ايش يقول؟ 90% من المساجين مخدرات، بعد يكفي.. لا تنقلهم“.

وبحسب تقرير لرويترز يسلط الوضع في السجون ، الذي يفاقمه عدم وجود مراكز لعلاج المدمنين، الضوء على التناقض بين الثروة التي تنتجها محافظة البصرة، إذ يمثل إنتاجها من النفط 90% من إيرادات الدولة، وسوء الأوضاع المعيشية فيها.

كانت مدينة البصرة التي يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة تشتهر في فترة من الفترات بأنها ”فينيسيا الشرق“ أما الآن فهي تفتقر إلى المياه النقية ولا تكفي الكهرباء فيها لتشغيل أجهزة تكييف الهواء خلال الحر القائظ في فصل الصيف، وتنتشر البطالة في المدينة خاصة بين الشبان .

وخرج الآلاف في احتجاجات على الأوضاع والبطالة والفساد في الصيف الماضي، عندما زاد ارتفاع درجات الحرارة الأمور سوءًا، ودخل مئات الأشخاص المستشفيات للعلاج بعد شرب مياه ملوثة، وأشعل المحتجون النار في مبانٍ حكومية ومقار تنظيمات سياسية واشتبكوا مع الشرطة.

ويخشى المسؤولون أن تتكرر أحداث العنف هذا العام ، ورغم أن مشكلة المخدرات تمثل مصدر قلق في عدة مناطق بالعراق فإن البصرة تعاني منها أكثر من غيرها.

زيادة مطردة

لا تزال البصرة تعاني رغم إعلان العراق النصر في الحرب على تنظيم داعش في 2017.

وقال عزيز إن عدد الموقوفين تزايد سنويًا منذ 2015. وأضاف أنه بحلول مارس/ آذار بلغت حصيلة المخدرات التي ضبطتها الشرطة هذا العام 15 كيلوغرامًا أي نصف الكمية التي تم ضبطها في العام الماضي كله.

وأشار إلى أن عدد المقبوض عليهم في جرائم المخدرات يتراوح بين 50 و60 شخصًا كل أسبوع بالمقارنة مع ألف شخص في العام الماضي كله.

وقال العقيد باسم غانم مسؤول الإعلام في شرطة البصرة ، إن ”أكثر أنواع المخدرات شيوعًا هو مخدر الميتامفيتامين المعروف باسم كريستال ميث ومحليًا بالكريستال . ومن الأنواع الشائعة أيضًا الأفيون ويطلق عليه في العراق الترياق، وكذلك الحشيش والأقراص المخدرة“.

وتشير شرطة البصرة إلى أن ”97% من متعاطي المخدرات الذين تم توقيفهم في 2018 عاطلون عن العمل، وأكثر من ثلثيهم في سن الخامسة والعشرين أو أصغر سنًا“.

ويؤكد العقيد إسماعيل المالكي الذي يرأس قسم مكافحة المخدرات في شرطة البصرة، أن ”كل المخدرات تأتي من خارج البلاد“.

وقال رشيد فليح قائد شرطة البصرة في نوفمبر/ تشرين الثاني، إن ”80% من المخدرات التي تدخل المدينة مصدرها إيران“، ونفت طهران ذلك لكن مسؤولين مازالوا يشيرون بأصابع الاتهام بشكل غير مباشر إلى إيران مستخدمين عبارات مثل ”دول الجوار“.

ويمثل منع تهريب المخدرات تحديًا كبيرًا لإيران المتاخمة لأفغانستان أكبر منتج في العالم للأفيون ولباكستان التي تعد نقطة عبور رئيسية للمخدرات.

وفي السابق كان العراق يفرض عقوبة الإعدام على متعاطي المخدرات وتجارها، لكنه سن قانونًا جديدًا في 2017 يمكن بمقتضاه أن يأمر القضاة بعلاج المتعاطين في مراكز التأهيل أو الحكم بسجنهم فترة تصل إلى ثلاث سنوات ، ولعدم وجود مراكز تأهيل يُزج بهم في السجن . وأمهل القانون وزارة الصحة عامين لتوفير مراكز التأهيل.

وتعهد مسؤولو الصحة في البصرة بإعادة فتح مركز تأهيل يسع 44 سريرًا هذا الشهر لكن الشرطة تقول إن هذا العدد لا يكفي .

وقال عزيز متسائلًا ”كل النفط اللي بالمحافظة نبيعه لكن ماكو (لا يوجد) ميزانية لمصحة؟“

وسُئلت شركة نفط البصرة المملوكة للدولة عن الوضع فقالت إنها تعهدت بتقديم خمسة ملايين دولار لإقامة مركز تأهيل.

”التدخين مجانا“

داخل مجمع للتدريب على مشارف محافظة البصرة أعادت الشرطة تجهيز مبنى كمركز مؤقت للتأهيل ؛ لكي يستخدمه المتعاطون الذين اقترب إطلاق سراحهم.

ويعيش نحو 40 رجلًا في ظروف مريحة نسبيًا إذ ينامون ستة في كل غرفة، ويمكنهم مشاهدة التلفزيون واستخدام صالة للتمرينات الرياضية والقراءة. ويتولى رجال دين وضباط وخبراء تربويون إلقاء محاضرات عن حرمة تعاطي المخدرات ومخاطرها.

ويقول خبراء إن المتعاطين الذين شارفوا على الشفاء يحتاجون للعلاج والتأهيل في بداية توقفهم عن التعاطي لا قرب نهاية حكم السجن . ويقول مسجونون إنهم يعانون من أسوأ أعراض الانسحاب خلال العشرين يومًا الأولى إذ يعجزون عن تناول الطعام أو النوم.

وقال مسؤول الإعلام في شرطة البصرة، إن ”هذا مجرد نموذج لحث الصحة على بناء مصحات“.

واختارت الشرطة المسجونين الذين حاورتهم رويترز، كما حضر رجال من الشرطة هذه المقابلات. وكان بعض المسجونين مقيد اليدين.

وقال أحدهم وهو متعاط تحول إلى مروج مخدرات إنه تم تجنيده بعد عام من بدء الشراء، وإن فكرة الحصول على مخدر الكريستال ميث مجانًا هي التي جذبته.

وأضاف ”كنت اشتري الجرام بخمسين، بعد اشتريه بعشرين، أبيع جزءًا وأدخن جزءًا، كنت أدخن مجانًا“.

ووصف شبكة من المروجين تتدرج حتى تصل إلى ”التاجر الكبير“ الذي لم يستطع كشف هويته للشرطة خوفًا على حياته. وهو يواجه السجن فترة لا تقل عن خمس سنوات.

وقال البعض إن الشرطة أوقفتهم دون وجه حق . وسُئل ضابط شرطة عما إذا كانت الشرطة تعرض على المتهمين فرصة إصدار أحكام مخففة عليهم إذا ما قدموا معلومات فقال إنه من النادر ما يحدث ذلك.

وقال طالبًا عدم نشر اسمه؛ لأنه ليس مخولًا سلطة الحديث في هذا الأمر، ”دائمًا يتعاونون“.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here