افراحنا هي البيت القصيد، رغم ما يصاحب الحب من ألم !

* د . رضا العطار

ولنتوقف قليلا عند هذا المشهد الانساني المؤثر الذي نلتقي به لدى البير كامو فيلسوف العبث واللامعقول في روايته المسماة (الطاعون). فهذا ريو الطبيب يلتقي مع جران – موظف البلدية العجوز – الذي كانت زوجته قد انفصلت عنه – – – لقد كان الزوجان متحابين حتى ذلك الحين ولكنهما آثرا في النهاية ان يفترقا، دون اي حقد من جانب الواحد منهما على الآخر. ويبدو جران العجوز وقد وقف متصلبا امام واجهة محل يتأمل الالعاب الخشبية الجميلة المعروضة.

كانت الدموع تسيل على خدي الرجل ! ولم يتمالك الطبيب نفسه لمنظر تلك العبرات التي كانت تنهمر على خدي جران. فقد كان يفهم معناها كما كان في وسعه ان يستشعر وخزها الاليم في حلقه الجاف. فقد كان في استطاعته ان يتذكر اليوم الذي تمت فيه خطبة ذلك الرجل المسكين الى فتاة احلامه، كما كانت صورتها ما تزال ترتسم امام عينيه وهي واقفة تتطلع الى هدايا عيد الميلاد التي ازدانت بها واجهة المحلات. – – – كانت جان يومذاك تتكئ على كتفي خطيبها جران وهي تقول انها سعيدة !

ولا شك ان اصداء صوت جان العذب كانت ما تزال تتردد في اذنيه عبر تلك السنوات البعيدة ! ولم يكن الطبيب يجهل ما كان يفكر به الرجل العجوز في تلك اللحظات. اجل فقد كان هو ايضا مقتنعا بانه لو عُدم الحب، لكان عالمنا هذا عالما ميتا ! كما كان واثقا ايضا بانه لا بد من ان تحين فرصة يسأم فيها الانسان من العمل ويضيق ذرعا بالشجاعة لكي يبحث عن وجه موجود بشري آخر ينشد في قلبه كل ما يفيض به من ضروب الحنان ومعجزات الحب ! – – – لقد شعر الطبيب بتعاسة الزوج المطلق وكأنما هي تعاسته، فلم يستطع ان يكتم في قلبه تلك الالة الحزينة التي انبعثت من اعماقه – – – انه الغضب الحاد الذي يغمر قلب الانسان حينما يرى العذاب الذي لا بد للموجودات البشرية من ان تتحمله على ظهر هذه الارض.

وليعلم القارئ ان البير كامو المفكر الفرنسي الكبير هو داعية المحبة والتآخي والمشاركة فلم يكن في وسعه ان يجعل من (العبث) الكلمة النهائية في دراما الوجود البشري بل كان لا بد له من ان يجد سبيلا الى (التمرد)على ما في الحياة الانسانية من عناصر المحال واللامعنى واللامعقول. وهذا ما وجده الباحث في المشاركة التي تتم بين الموجودات البشرية المتألمة، خلال صراعها المستمر ضد المصير المشترك، علاجا حاسما لمرض (العبث) الذي كان قد وصف اعراضها في احدى كتاباته.

وحسبنا نعود الى رواية (الطاعون) لكي نتحقق من اننا هنا بازاء شخصيات مجاهدة تقف صفا واحدا في وجه الوقائع الاعتباطية اللامعقولة التي تحفل بها الحياة لكي تعمل سويا على مواجهة ما يتهدد الموجودات البشرية من ضروب الألم والعذاب والشرور
وربما كان هذا (التمرد) البشري الذي تولده في نفوسنا جميعا الشفقة بالانسان والعطف على المقهور والتجاوب مع المظلوم هو وحده الكفيل بأضفاء (معنى الحب) على الحياة.

· فلسفة مشكلة الحياة د. زكريا ابراهيم _جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here