صور من الثقافة- 5

د. حامد السهيل النخبة فى يومياتها – الصوره-2

لا تتوفر فرص اوفضاءت عامه ترتادها نخبة 2003 يمكن التعرف على سلوكهم واخلاقيتهم, انهم فى العراق وبنفس الوقت ليس فى العراق, خاصة قد امنوا على عوائلهم فى بعض الاقطار العربية او فى العالم الغربى, فهم رجال يتمتعون بالسلطة والقرار واغنياء الى حد الفضيحة,ومع ذلك ينظرون يسارا ويمينا كوحوش كاسرة تبحث عن الجنس. ان ملاحظاتنا تقتصر على صدف اللقاء باحدهم, او فى وسائل الاتصال , التلفزيون وفى تنقلاتهم بحماية افواج الحمايات المسلحه والسيارات المصفحة. فى ندوة عقدت فى مدينة النجف بالتعاون مع ” بيت الحكمه” واتحاد الادباء والكتاب العراقيين” فرع النجف حول قضايا التنمية. لقد شارك عدد كبيرا من اشاتذة الجامعات والكتاب بمختلف المواضيع, وكانت فرص للحديث اثناء فترات الاستراحة مع الحاضرين والمشاركين. بدا الحديث مع رجل فى الاربعينات, وقور وانيق جدا الذى ابدى استحسانه للمشروع الذى طرحته حول استغلال الطاقة الشمسية. اخذ الرجل فى نقد سياسة الدولة وعدم الاستفادة من الكفاءات العراقية والحكومه تعرقل جميع المحاولات الجادة التى يمكن المساهمه فى ايجاد حلولا للمشاكل المتفاقمة فى المجتمع. فى الحقيقة كنت معجبا ومؤيدا لما جاء به وقلت لنفسى ان العراق سيجد فرصة صادقة للتقدم. بعدها قابلت الاخ الذى دعنى الى الندوه وذكرت له ماسمعت, وسألنى مع من تكلمت, قلت لم اسئل عن اسمه واشرت الى الرجل. فقال لى: هذا محافظ النجف وهو احد الفاسدين واللصوص ويدور الكلام على انه قام باختلاس وتقبل رشاوى تصل عدة ملايين. مع مرور الوقت ومراقبتى للازمات العراقية توصلت الى ان الادعات شىء والواقع شئء اخر.

فى احد المؤتمرات التى عقدت فى فندق الرشيد وبحضور السيد جواد المالكى الذى كان رئيسا للوزراء انذاك, كنت فى الشارع القريب الى الفندق, واذا بمعالم ومؤشرات الخوف والاضطراب ترسم على وجوه الماره, وسرعان ما توضحت الصوره: بضعة سيارات ذات الدفع الرباعى المعتمه تسبقها عدة سيارات بيكات محملة بالجنود المدججين بمختلف انواع الاسلحة الخفيفة والاوتوماتيكية وخلفها سيارات مثيلاتها. ان عدد السيارات التى ظهرت بشكل مفاجىء تمثل عملية احتلال للشارع واغتصاب للمواطنين من خلال الخوف والرعب الذى نشرته, كما ان الجنود, حاملى الاسلحة يوجهون نظرهم واسلحتهم الى جانبى الشارع تثير الرعب فى النفوس. لقد سئلت نفسى عن هذه العملية الاستفزايه: ماذا يحصل لو حصل صدفة او عن طريق الخطأ انفجار اطار احد السيارات الماره او احد

المعارضين قد وجه اطلاقة نارية على احد السيارات اوانطلقت, بالخطأ, سهوا او نتيجة الاضطراب والتشنج من رشاشة احد جنود الحماية اطلاقات؟ لاشك سوف تحصل كارثة ويقوم جنود الحماية باستخدام اسلحتهم ويطلقون الاف العيارت النارية فى كل الاتجاهات, على جانبى الشارع الذى يسير به المواطنين دون الاكتراث بالضحايا التى سوف تحصل. ان حشود الحمايات المسلحة والسيارات الرباعية الدفع وارهاب واغتيال الشارع بالسرعة المخيفة التى تسير بها مواكب النخبة فى تجوالها تمثل احد صيغ واساليب اتصال النخبة بالمواطنيين. ان النخبة التى تحمى نفسها بالسلاح واسطول الحمايات لايمكن ان تكون علاقتها سليمه مع المواطنين.

ان نخبة 2003 لها طقوس محددة فى اتصالها وعدم اتصال بالسكان, فهم على شاشات التلفزيون بشكل دائم, يقدمون مختلف المواقف ويصرحون بكل شىء ولاشىء,الا انهم فى اناقة غير معهودة ليس لها اوليات وبدون تاريخ, انها مفتعله وجاءت عن طريق الصدفة مثلما جاءت عام 2003 وتبدو كبيرة عليهم, المهم انها غالية, اجنبية ومن اشهر بيوتات الموده, تلك مجموعة البدلات والقمصان والاربطة والعطور, ويتفاخر البعض منهم بان ثمن حذائه الف دولار وسعر بدله الاخر 10الاف دولار.ان المظهر, اهم من العقل والعلم

من الطقوس والممارسات المعبره عن شخصياتهم السفر خارج البلاد, الى اوربا وامريكا بشكل مفضل كدواء لايام الفقر والحرمان الخوالى, وكذلك الى اوكرانيا وبانكوك, انهم فى صراع دائم من اجل الايفادات بحجة حضور ندوات ومؤتمرات, ولكنهم نادرا ما يحضروا الاجتماعات ولا يهمهم ما يدور فى الندوات يستخدموا الرحلة كالعادة فى التسويق وزيارة بيوتات المرح والمتعة والخمارات. ان المواقع المهمة التى يشغلونها اوحت لهم بانهم يتمتعوا بصفات وقابليات غير عادية التى انعكست على سلوك فظ, واخلاقيات شائنه تعيسه, يعاملوا الاخرين بكل كبرياء, تسلط ونرجسيه. ان النخبه تعيش ليس فقط فى المنطقة الخضراء المحصنه وانما فى قصور وفيلل عامرة ومجهزة بجديد الحداثه والبعض منهم استولى على القصور التى بناها صدام من قوت الشعب او تحايلوا على املاك الدوله وتم شرائها بسعر التراب. اما النشاط الاجتماعى فهو فى احسن الاحوال يقتصر على المساهمة فى المناسبات الدينية, مثل مولد النبى الكريم, وايام عاشوراء وموالد ووفاة الاثنى عشر امام, وترى النخبة مدفوعة للعمل ترتدى الملابس الشعبيه. لابئس فى ذلك اذا حصل فى اطار المنطق والمعقول, ولكن تكون قضية خطيرة حينما تصبح ايديولوجية والمشاركة تعبير عن الالتزام الدينى والمذهبى والسيرة الحسنه. كان املنا بعد سقوط النظام 2003 فى نخبة وضعت تطوير البلد ودولة مؤسسات وقانون, الا انهذه النخبة قد انهت الدولة وافسدت المجتمع.

د. حامد السهيل 18 /5/ 2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here