صالح يقود حراكاً باتجاه ربط العراق بعمقه العربي

الثلاثاء – 16 شهر رمضان 1440 هـ – 21 مايو 2019 مـ

بغداد: حمزة مصطفى
تزامن إطلاق صاروخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء مساء أول من أمس، مع اجتماع سياسي على مستوى عالٍ في مقر رئيس الجمهورية برهم صالح، ضم إضافة إلى رئيسي الوزراء عادل عبد المهدي والبرلمان محمد الحلبوسي، أبرز القيادات الشيعية؛ هادي العامري (زعيم منظمة بدر) ونوري المالكي (رئيس الوزراء الأسبق) وحيدر العبادي (رئيس الوزراء السابق) وعمار الحكيم (زعيم تيار الحكمة) وفالح الفياض (مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي) وقيس الخزعلي (زعيم عصائب أهل الحق) وممثل رفيع المستوى عن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.

وفيما تناقضت المواقف بشأن المستفيد من إطلاق صاروخ كهذا على المنطقة الخضراء، حيث مقر السفارة الأميركية، فإن تزامن وقوعه مع الاجتماع الذي كان بعيداً عن وسائل الإعلام بدا، طبقاً لمصدر مطلع تحدث «الشرق الأوسط» طالباً عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته، بمثابة «رسالة ذات دلالة إلى المجتمعين مفادها لفت نظرهم إلى عدم اتخاذ مواقف تبدو كأنها منحازة إلى الموقف الأميركي بشكل أو بآخر دون الأخذ بنظر الاعتبار جدية التهديدات الأميركية عبر بوارجها وطائراتها وصواريخها على مقربة من إيران».

وطبقاً للمصدر ذاته، فإن «الهدف الأساسي من الاجتماع كان محاولة النأي بالنفس عن هذا الصراع، فضلاً عن إلزام كل القوى السياسية والفصائل بعدم إصدار مواقف من شأنها إضعاف الحكومة العراقية وضمان أن تبقى المبادرة في مواجهة هذا الصراع بيد الحكومة لا بيد أي طرف آخر».

من جهتها، فقد أعلنت كبرى القيادات الشيعية إدانتها الصريحة لما سمته محاولات خلط الأوراق أو الزج بالشعب العراقي في أتون هذا الصراع. وفي هذا السياق، قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في بيان: «لست مع تأجيج الحرب بين أميركا وإيران ولست مع زج العراق في هذه الحرب وجعله ساحة للصراع الإيراني – الأميركي». وأضاف: «نحن بحاجة إلى وقفة جادة مع كبار القوم لإبعاد العراق عن تلكم الحرب الضروس التي ستأكل الأخضر واليابس وتجعله ركاماً».

أما رئيس تحالف الفتح هادي العامري فقد وصف من يحاولون إشعال فتيل الحرب بين إيران وأميركا بأنهم من الجهلة والمدسوسين. وقال العامري في بيان: «نؤكد أن المسؤولية الوطنية والدينية والتاريخية تحتم على الجميع إبعاد شبح الحرب عن العراق أولاً وعن كل المنطقة ثانياً». وأضاف: «الحرب إذا اشتعلت لا سمح الله فسوف تحرق الجميع، ولذا فإن كل من يحاول إشعال فتيل الحرب انطلاقاً من العراق إما جاهل أو مدسوس».

أما قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، فقد دعا من جانبه إلى «عدم خلط الأوراق»، مبيناً أن «الحرب المفترضة ليست من مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا الولايات المتحدة الأميركية، وإنما هي مصلحة إسرائيلية بامتياز ولأسباب عقائدية». وأضاف: «‏نحذر من عمليات خلط الأوراق التي يراد منها إيجاد ذرائع الحرب ويراد منها الإضرار بوضع العراق السياسي والاقتصادي والأمني».

من جهته، أكد زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم أن «التصعيد الأميركي – الإيراني الأخير يبعث القلق لدى جميع دول المنطقة ويهدد أمنها واستقرارها»، مرحباً «ببعض التصريحات الأخيرة التي تشير إلى حرص الطرفين على تخفيف حدة الصراع». وأشار الحكيم إلى أن «أمن البعثات الدبلوماسية في العراق من مسؤولية الدولة العراقية، وفي المقابل فإن على هذه البعثات أن ترسل رسائل إيجابية عن الوضع السياسي والأمني في العراق، بعد أن وصل إلى مراحل متقدمة تزول أمامها كل الأسباب الموجبة لمغادرة موظفي أو رعايا هذه البعثات للأرض العراقية».

في السياق نفسه، يرى الخبير الأمني المتخصص هشام الهاشمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «استهداف المنطقة الخضراء، سواء كان بفعل حماسي غير مدروس من طرف مسلح عراقي مساند لمواقف إيران، أو بفعل طرف آخر خارج حسابات أطراف الصراع الأميركي – الإيراني في العراق، فإنه قد أحرج مصداقية التطمينات الأمنية التي قدمتها الحكومة العراقية للبعثات الأجنبية والعربية الموجودة في العاصمة بغداد والمنطقة الخضراء». وأضاف الهاشمي: «إذا كانت الحكومة العراقية لا تعلم الجهة التي استهدفت المنطقة الخضراء، فهذا يعني أنها عاجزة عن احتكار السلاح بيدها، إما إذا كانت تعرف الفاعل مع عجزها عن تقديمه للعدالة، فإن ذلك يعني أنها غير حيادية في الصراع الإيراني – الأميركي».

وطبقاً للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من سياسي مطلع قريب من أجواء الاجتماع الذي رعاه الرئيس العراقي برهم صالح، فإنه تم «الاتفاق على خلق تماسك سياسي داخلي تنتج عنه مخرجات مهمة؛ أولها خلق منهج تكاملي تؤديه الحكومة والأطراف السياسية ينسجم مع ما يحدث على المستويين الداخلي والخارجي»، مبيناً أن «ذلك يأتي كون جميع الأطراف تدرك أن التصعيد ستنعكس آثاره السلبية بوضوح على العراق الذي خرج توّاً من حرب مكلفة مع تنظيم داعش الإرهابي». وأوضح السياسي المطلع أنه «تم الاتفاق على عدة مسائل، مثل تمكين مؤسسات الدولة في ضوء استراتيجية عمل تستند إلى الالتزام بالدستور والأسس المهنية بما يعيد لها الهيبة ويعزز احترامها ويقوي ثقة المواطنين بها، وحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة ذات الاختصاص وتعزيز تكامل لا تقاطع أجهزتها الأمنية، ومكافحة الفساد الذي تمكّن من التغلغل في عمق الدولة».

وأكد السياسي المطلع أنه «تم التأكيد على أهمية أن يعيد العراق حساباته وفق رؤية وطنية تقوم على رفض سياسة المحاور، وتجنب أن يكون العراق ساحة لتسوية الخلافات وتصفية الحسابات أو منطلقاً للعدوان على أي دولة أخرى، وأن يكون العراق ساحة لتوافق المصالح الاقتصادية والعمل مع شركائه في المنطقة على إنشاء منظومة إقليمية مبنية على المصلحة الأمنية المشتركة والتكامل الاقتصادي مع جواره الإسلامي وعمقه العربي».

وكشف السياسي العراقي أن «العراق سيبادر إلى التواصل مع دول الجوار والأشقاء، لإيجاد إطار لحوار دوري حول المشكلات الإقليمية، وتكريس التعاون بين دول المنطقة وتخفيف التوتر فيها والحيلولة دون تفاقم المشكلات، غير متجاهلين أهمية استمرار التعاون في محاربة الإرهاب».

وحول وجود القوات العسكرية الأجنبية، يقول السياسي المطلع إنه «تم الاتفاق على أن وجود هذه القوات مرهون بالضوابط المتفق عليها بين تلك القوات والحكومة العراقية، ومهمتها تنحصر في تمكين القوات العراقية في حربها ضد الإرهاب، ولم يقتصر التنسيق والتعاون بين العراق ودول التحالف الدولي على الجانب الأمني، بل امتد إلى الجوانب الاقتصادية والعلمية والإعمار وإغاثة النازحين، وفِي مجالات أخرى، لذا يتطلب أن نعمل على تعزيز هذه العلاقات وتوطيدها وبما يُؤْمِن مصالح العراق العليا. ولا يمكن أن يكون وجود القوات الأجنبية جزءاً من أي عمل ينتقص من السيادة العراقية أو استهداف أمن دول الجوار، علماً أن العراق لن يقبل إقامة قواعد عسكرية أجنبية دائمة على أرضه».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here