وطن حر وشعب سعيد .. شعار شيوعي

شعارات الأحزاب على إختلاف آيديولوجيتها وبرامجها السياسيّة، هي في الحقيقة خارطة طريق تضعها هذه الأحزاب كهدف آني أو مرحلي أو إستراتيجي لها للوصول إليها وتحقيقها وهي تخوض غمار العمل السياسي. وعادة ما تصوغ هذه الأحزاب برامجها وترسم سياساتها من وحي شعارها، أو قريب منه جدا إن كانت الظروف السياسية غير مؤاتية في فترة تأريخية معينة ما كشكل من أشكال التكتيك السياسي، الا أنّ مبدأ تحقيق الشعارات التي في الحقيقة هي الهدف النهائي لأي حزب تبقى في صلب برامج وسياسات الأحزاب المختلفة.

وطن حر وشعب سعيد هو في الحقيقة شعارين، تماهيا مع بعضهما البعض حتى أصبحا شعار واحد. هذا الشعار الذي صاغه ثاني سكرتير للحزب الشيوعي في سوريا ولبنان خالد بكداش، ما لبث أن أصبح شعار الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه وليومنا هذا. وقد قدّم الحزب الشيوعي العراقي قوافل من الشهداء في سبيل تحقيق شعاره هذا، فهل هناك جهة سياسية غير الحزب الشيوعي العراقي رفعت هذا الشعار يوما ما؟ وهل هناك إمكانية لتبنيه وتحقيقه من أي حزب أو جماعة سياسية أخرى غيره؟ لقد أصبح شعار وطن حر وشعب سعيد جزء من تأريخ وتراث الشيوعيين العراقيين على الرغم من عدم تحقيقه لليوم، ولا يمكن عرضه للبيع تحت أي ظرف كان.

بلدنا وشعبنا اليوم بحاجة ماسّة لتحقيق شعار الحزب هذا، والذي لم يفقد محتواه الوطني منذ تبنيه قبل خمسة وثمانون عاما ولليوم. فظروف العراق اليوم لاتختلف من الناحية السياسية مقارنة مع وقت تبنيه، فالعراق وقتها كان تحت الهيمنة البريطانية وكأنه تحت الإحتلال بالضبط وإن نال ” إستقلاله”، أما الوضع اليوم فهو أكثر سوءا من الأمس فالبلد اليوم فاقد لإستقلاله وحريته وكرامته. وإن كان محتلا من البريطانيين عند تأسيس الحزب الشيوعي، فأنه اليوم تحت إحتلال أكثر من بلد. أمّا عن سعادة شعبه، فنسب البطالة العالية وإزدياد رقعة الفقر وإنهيار التعليم وإنعدام الخدمات وإستشراء الفساد وشيوع الجريمة، تشير وبوضوح الى شقاء الإنسان العراقي وليس سعادته.

لقد ناضل الحزب الشيوعي العراقي وهو يرفع شعاره هذا، ضد كل أشكال التمييز القومي والديني والطائفي. وهذا يعني بشكل أو بآخر أنّ القوى القوميّة والدينية والطائفية خصوصا اليوم، ليست قادرة على تبني هذا الشعار ناهيك عن العمل لتحقيقه. فالقوى الثلاث ومن خلال تجربة سنوات ما بعد الإحتلال، أثبتت من أنها في واد وشعبنا ووطننا في واد آخر. ولم يكتف الحزب الشيوعي طيلة تأريخ نضاله الشاق بالوقوف ضد أشكال التمييز هذه، بل ناهض السياسات والممارسات والثقافة التي ترتكز على أشكال التمييز هذه. ومناهضته لأشكال التمييز هذه هي من ساهمت بإلتفاف الجماهير حوله لتحقيق المواطنة من جهة، وتنكيل الحكومات وحتى الأحزاب والجماعات القومية والدينية والطائفية التي إقترب منها أو تحالف معها يوما، به وبرفاقه في أكثر من مكان وأكثر من مقطع تأريخي من جهة ثانية.

القوى والجماعات الطائفية والإسلامية التي تمثل الدولة العميقة، بميليشياتها ومحاكمها الخاصّة وتمويلها المشبوه. غير مؤهلّة سياسيا وأخلاقيا لتحقيق شعار وطن حر وشعب سعيد. ومجرد التفكير بتبنيه أو إمكانية تحقيقه من قبلها هو ضرب من الخيال للحالمين به. ولو أردنا أن نحلم كما البعض في إمكانية تيار أو حزب أو جماعة ما تحقيق هذا الشعار الذي يحلم به كل عراقي، فلنقترح عليهم رفعه علنا إن كانوا قادرين أو كنّا صادقين مع أنفسنا.

يبدو إننا بحاجة أحيانا لقراءة تأريخ الأحزاب الدينية والطائفية وشعارها المقدّس ( الحاكمية لله) بتروي وهدوء. فجميع الأحزاب والجماعات والتيارات الإسلامية، لا تتنازل عن شعارها المركزي والمقدّس هذا، كونه الشعار الذي تنتهجه لبناء الدولة الإسلامية التي تعمل على تحقيقه. في خضم الصراع السياسي اليوم، ومن خلال فشل الإسلام السياسي في قيادة الدولة والمجتمع، علينا كشيوعيين وديموقراطيين ومدنيين، أن لانكون ملكيين أكثر من الملك. وإن كان الطلاق هو أبغض الحلال عند الله في الشرع الإسلامي، فأنّ طلاقنا مما تسمى بالعملية السياسية والتي لم تضف لرصيدنا السياسي شيئا، هو أجمل حلال وأبهى حلال في شرعة شعبنا الذي يعاني من شعار الحاكمية لله والعمائم والأحزاب الطائفية تتحكم بمصيره ووطنه. هذه الأحزاب والتيارات والجماعات التي شرّعت الفساد والطائفية والمحاصصة هي التي تقود البلد نحو المجهول، ولا تبحث عن حرية الوطن ولا سعادة شعبه.

شعارالحاكمية لله وحكم الشرع الذي يرفعه الإسلاميون الطائفيون وشعار وطن حر وشعب سعيد الذي يرفعه الشيوعيين ، برزخان لا يلتقيان.

زكي رضا

الدنمارك

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here