500 سنه على وفاة ليوناردو دافنشى

د. حامد السهيل 1452- 1519

ليس لوحة “الموناليزا” بالغازها الكثيرة واسلوب انجازها الفريد: الدقة فى تصوير التفاصيل, نعومة وحلاوة الجسم والابتسامه الغامضه الساحرة كانت مؤثرا فى جميع فنانى “البورتره” التى يتطلع بها سنويا اكثر من ثلاثة ملايين من زوار “متحف اللوفر” الشهير فى باريس وليست ايضا لوحة ” العشاء الاخير” اللواتى قادوا الى شهرته ومكانته كفنان كبير. كان ليوناردو دافنشى عملاق عصر التنوير والنهضة الاوربيه ومازال حضوره قائما الى يومنا هذا, انه العبقرى الشامل الذى طرق مختلف مجالات الحياة: الرسام, النحات, المعمار, الموسيقى, الكاتب, المنظر فى الفن االباحث فى الطبيعة والبيولوجى وكذلك ما ابتكره من مكائن وعدد وموديلات. تحتفل اوربا بهذه المناسبه رسميا كاحد كبار مبدعى الحضارة الاوربيه.

ولد دافنشى فى قرية ( فينيشى/ فلورنسا/ ايطاليا), طفل غير شرعى لمحامى معروف واحوال مادية جيده والذى تبناه لاحقا وقام بدعمه ماديا ومعنويا وهو اول من اكتشف موهبته فى الرسم وارسله الى الفنان( اندريا فروخيهو) لتعلم فن الرسم. كانت اول اعمال ليوناردو على (قماش الكتان) موديل عن لوحه لاستاذه اندريا وكان استاذه معجبا بها الى درجة كبيرة لنوعيتها العالية بحيت قرر الاستاذ عدم التعامل والرسم بالالوان. يسجل ليوناردو فى (ورشة لوكاس للرسم) فى فلورنسا, وفى عام 1482 يقدم طلب للعمل فى (ديوان سفورسا) كمهندس عسكرى ولكن تم تعينه كموسيقى. يقوم بأنشاء ورشة عمل (اكاديمية دافنشى) وينتشر اسمه ليس فقط كرسام ونحات, وانما ايضا كمعمارى ومخطط مدن. يترك ميلانو ويتوجه الى (مقاطعة التوسكانا) ويقوم بزيارة عدة مدن من ضمنها البندقيه. فى عام 1500 يقدم له قائد جيش الباباعرضا كمهندس عسكرى ويقوم بتصميم مكائن حرب, قلاع وجسر على البسفور. يعود الى ميلانو عام1506 ويقوم بتشريح الجثث سرا لتطوير دراسته فى البيولوجى, ويصصمم بنفس الوقت اجهزة ميكانيكيه واجهزة للطيران بالاضافة الى نظريات حول الطبيعة. فى عام 1513 قبل دعوة من البابا “ليو العاشر” ويشغل مرسما فى الفاتيكان. فى هذه الفترة تنشأ (لوحة الموناليزا). يصيبه المرض ويطارده شعور الموت ويقوم بتخطيطات حول الطوفان ونهاية العالم. ينتقل ليوناردو وتلاميذه وعشيقه الى فرنسا ويقيم فى قصر الملك “فرانس الاول”, الذى يطلب

منه تصميما للعاصمة. فى 4/ابريل يضع ليوناردو وصيته وفى يوم2/ 5/ 1519 وبعمر 67 سنه يتم دفنه فى Amboise فى فرنسا.

كان ليوناردو ولع خاص بـ “الاجواء” والمؤثرات البصريه والتى كان لها تأثير كبير فى نظرة جديدة للطبيعه. كان يريد فهم قوانين الطبيعة والغور فى الظواهر الطبيعية والتى اصبحت حجر الزاويه فى تطور التكنيك فى عصر النهضه, كما كان الهدف منها تخفيف وطئة العمل اليدوى. يرى ليوناردو ان الرسام فى عمله “سيد والله” لانه ينتج عالما فى المرسم, الا ان هذا الموقع لايجعله فوق الطبيعه, ليوناردو المتيم بالطبيعه والتى يقدم لها غاية الاحترام والتقدير: انها الخالق الكبير, هذا النمو العضو, كل الاوراد والاعشاب تنتشر بدون ضغوط او سيطرة وفى حركة مستمرة. رسم معاصريه الطبيعه بشكل اشجار وحيوانات, بالاضافة الى نساء واطفال ولكنهم تعاملوا معها كاشياء يمكن التحكم بها بينما يتعامل معها ليوناردو معها كأحياء لها مشاعر واحاسيس. فى لوحته الشهيره “العشاء الاخير” تاخذ الطبيعة مكانها, انها فريدة فى نوعها لان الاطفال ( الصغار) فى حالة حركه ومشاعر وليس فى حالة الخنوع امام الاله, وكذلك للكثير من الاشكال التى رسمها تدعو الى الحوار, ان الحوار هو ما يطلبه لييوناردو من جمهوره ,الشعور والاحساس بكل شىء الذى يعيش او يمكنه الحياة, ويستطرد, ان اى شكل, مجسم, يستحق المديح عندما يعبر فى حركته عن لذة وقوة الروح, والروح هى الحياة الداخلية الكامنه فى مخلوقاته, وهذا لايقبل الشك.

لم يكن ليوناردو مستعدا لبيع لوحاته الكبيره الانادرا, لانها ليست اشياءاو مواد وانما رفاق لازمته عشرات السنين, انها مكونات بيته مثل” سالال” عشيقه الشاب الذى اصغر منه كثيرا, او مثل “فرنشيسكو ميلزى” سكرتيره الامين الذى نظم وحفظ له الاف المخطوطات. حضيت لوحاته باعجاب وطلب من من قبل رواد الفن, وكان عدد من الملوك الفرنسيين والامراء الايطاليين يتنافسون فى كسبه لهم, ولكن الاطراء والاموال لم تستطيع التاثير علية, لقد اثار التنافس بالمعجبين من الرجال والنساء وعمل فى النهاية ما يصبوا اليه, وبذلك قد حرر الفن من اصحاب المال واصحاب السلطه. كان يريد اعمال للعالم وقبل كل شىء للاجيال القادمه. لقد بلغ انتاجه اكثر من 6000 صفحة من المخطوطات, المقالات والبحوث فى الطبيعة والميكانيك ونظرية الفنون تشكل وتراثا انسانيا كبيرا مهما للفنون وعلوم الطبيعة.

ليوناردودافنشى, كما يصفه سيغموند فرويد “انه مثل ذلك الرجل الذى افاق من الظلام مبكرا, فى الوقت الذى ما زال الجميع فى نوم عميق”, وينظرالى نتاجاته وشخصة كحضارة اوربية. ان عواصم اوربا التى عاش وعمل فيها, كذلك المدن والمتاحف وعدد من الجامعات وخاصة فى وطنه ايطاليا تقيم معارض ومناسبات كثيرة وفريدة وتنشر كتب ومعلقات تحيى وفاته قبل 500 سنه ويستمر عرض بعض الاعمال التى تم جمعها من

مختلف المتاحف ومن مقتنى التحف واللوحات فى امريكا واوربا وعرضها لهذه المناسبة وتستمر هذه المعارض لعدة اشهر وتنتقل الى مدن اخرى.

د. حامد السهيل 22/ 5/ 2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here