هكذا كانت اوضاع الحكم في السلطنة العثمانية ح3

* د. رضا العطار

· مقتبس من كتاب التكايا والرعايا لمؤلفه د. شاكر النابلسي الذي يقول :
يعود الفضل في تهيئة هذا البحث الى امين كازاك، استاذ العلوم السياسية في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة، والى عزت سوبرو مدير المكتبة الالكترونية في بيروت، اللذان لعبا دورا محوريا في توفير المصادر النادرة لهذا الموضوع، علما ان معظم تاريخ فترة حكم الدولة العثمانية مازال مخطوطا في خزائن الدول الاوربية والتركية وهي غير محقق وغير منشور.
اما عن تاريخ بدأ ظهور الاتراك، يقول المؤرخ بطرس البستاني : اندفعت قبائل مغولية متوحشة في القرن الحادي عشر من اواسط آسيا غربا واستقرت في آسيا العليا التي هي الان تركستان، فسماها الفرس توران، ومن هنا نشأ لفظ ترك، كما سماها اليونانيون تيران ومعناها الطغاة.

ولنا ان نتسائل : هل كانت الامبراطورية العثمانية دولة اسلامية حقا ؟ وهل كان سلاطينها يحكمون بقيم الاسلام ؟
لقد اجمع علماء التاريخ السياسي ان الشعب في الدولة العثمانية كان يقسم الى طبقتين :
طبقة حاكمة (قابضة الضرائب) وطبقة الرعية (دافعة الضرائب)
فمن المعروف ان الدولة العثمانية اعتبرت الرعية مكونة من مسلمين ومسيحيين ويهود، وهم متساوون امامها في دفع الضرائب المتوجبة. فالدولة العثمانية التي حاربت تحت لواء الاسلام، وسمّت حروبها فتوحات اسلامية، لم تقم باي محاولة للدعوة الاسلامية في المناطق المسيحية، اذ ان ذلك من شأنه ان يسلب الفوائد المالية المترتبة للدولة على طبقة (الكفرة) – – – ولم يكن دخول بعض الاقطاعيين المسيحيين الاسلام، نتيجة جهد عثماني انما طمعا في الحصول على مناصب سياسية رفيعة في جهاز الحكم، وهذا ما كان يحصل على وجه الخصوص في البوسنة.

ان الرعايا المسلمين لم يكونوا كلهم متساوين في الحقوق والواجبات وفرص العمل. فالعربي المسلم في الدولة العثمانية كان محروما من استلام المناصب الحكومية، في حين ان التركي المسلم كانت تتاح له مثل هذه المناصب.
فالمعروف عن السلطة السياسية في نظام الدولة الاسلامية، لا تقوم الا برضا الشعب وذلك باختيار الخليفة من قبل الشعب، ويشترط ان يلتزم الحاكم بتطبيق شرع الله الذي اتى به القرآن، واذا خرج الخليفة عن حدود الشريعة، يكون للامة الحق في خلعه من منصبه. – – فهل كانت الدولة العثمانية على هذا النحو من المفاهيم ؟

لقد كان السلطان العثماني حاكما مطلقا، فهو الامام وامير المؤمنين وخادم الحرمين وحامي حمى الاراضي المقدسة. لا يعترف باي سلطة للشعب – وكان يعتقد انه يستمد قوته من الله وليس من الشعب، وان الله هو الذي اختاره لحكم الرعية، وليس لاحد ان يحاسبه عما يفعل، وان الله هو وحده الذي يحاسبه عما يفعل، ولذا لم يكن هناك دستور في الدولة العثمانية او برلمان. يحدد تصرفات السلطان. وكان السلاطين يزعمون ان القرآن هو دستور المسلمين، لكنهم لم يكونوا يعملوا بما جاء فيه من عدل وحق وانصاف

ومن الملاحظ ان الخلفاء الذين يمارسون اللهو المحرم وانواع المجون في معظم الحالات ، لا يجوز الخروج عليه، خشية الفتنة، كما اجمعت المذاهب السنية الاربعة على ذلك، ومنها الحنفية / مذهب العثمانيين التي اكتفت بالقول بوجوب الهداية والدعاء للخليفة الفاجر، ما عدا المسلمين الشيعة الذي نادوا بالخروج عن الخليفة الفاجر وعزله.
ولهذا نرى ان سلاطين آل عثمان قد ناصبوا العداء لشيعة العراق، وفي الوقت الذي يشكل فيه الشيعة اغلبية سكانه، الا ان السلاطين اعتبروهم اقلية وحرموهم من التعليم الاولي ومن المناصب الادارية طيلة 400 سنة من حكمهم المقيت، هذا ما صرح به الاستاذ كامل الجادرجي، زعيم الحزب الوطني الديمقراطي العراقي.

من غرائز الحكومات الدينية انها لا تثق بالذكاء الانساني ولا تأنس له، ولا تمنحه فرصة التعبير عن مؤهلاته، انها تخافه وتخشاه. وهي لكي تقنع الناس بضرورة قيامها وبقائها تُهيب بجانب الضعف فيهم. فتلقي في روعهم ان رواد الحرية والفكر والاصلاح ليسوا الا اعداء الله ولرسوله – – وان امورنا لا تصلح بالابداع، بل بالاتباع والتقليد، لذلك فان الحكومة الدينية تفضل ان تستعين باولئك الذين ليست لهم موهبة سوى التجرد من كل موهبة، والذين يتمتعون بمناعة ضد الفهم الواسع والادراك الفطن، تلك هي غريزة من غرائز الحكومات الدينية القمعية والمستبدة في كل العصور.

كانت الدولة العثمانية تمارس الخطف العلني اثناء النهار و بشكل رسمي، فمن المعروف ان الخطف كان مصدرا كبيرا للاستعباد. وهذا ما كان العثمانيون يقومون به في دول البلقان وباقي دول اوربا الشرقية من خطف الصغار والكبار، رجالا ونساء – وكانوا يفعلون ذلك بوحشية، ضاربين بتعاليم الاسلام – الذي يحاربون تحت رايته – عرض الحائط. فلقد أبى الاسلام اباء شديدا، خطف الاحرار.

وقد جاء في سورة الانفال، رقم الاية الكريمة 70 ما امر الله رسوله في موقعة بدر :
(يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ما اخذ منكم ويغفر لكم واله غفور رحيم)
ومن هنا جاءت استعانة الادارة العثمانية بالعبيد البيض والعبيد السود الجهلة، الذين كانوا يرقون الى اعلى المناصب، ومنهم كان الوزراء وقادة الجيش والولاة وكبار المسؤولين في الدولة العلية.

وفي النهاية لم يترك الاتراك وسيلة يستغلون بها الرعايا التي حكموهم قسرا، واذا كان شعبنا متدينا، عميق التدين، فقد استغلوا فيه هذه الفضيلة اسوأ استغلال. فالسلطان سليم الاول استولى شخصيا على اكثر الاراضي خصوبة في الشام. والسلطان سليمان القانوني جرد الامة الاسلامية من جميع اراضيها واملاكها، لكنه ابدى حرصه في بناء المساجد ليظهر نفسه امام الملة مدى تعلقه بالدين، فوقع فرمانا سلطانيا يطلب فيه من الناس :
(السير بمقتضى الشريعة والعمل بموجب السنة)
وقبل ذلك قام السلطان محمد الفاتح بمصادرة اراضي الاوقاف بشكل عام
فهل كان سلاطين آل عثمان يحكمون الامة الاسلامية بشريعة الله وسنة رسوله ؟
الحلقة التالية، الاسبوع القادم!

* مقتبس من كتاب عصر التكايا والرعايا لمؤلفه د. شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here