وفي الرقة… «نيران السياسة» تلتهم «لقمة العيش»

وفي الرقة... «نيران السياسة» تلتهم «لقمة العيش»
صورة تداولها ناشطون من الرقة عن محاولات الفلاحين إطفاء الحرائق (تويتر)
استبشر فلاحو محافظة الرقة خيراً بالموسم الزراعي لهذا العام، فغزارة الأمطار أعادت إلى أذهانهم ما يُعرف في ذاكرة الرقّيين بـ«سنة الدكمة» (عام 1988)، لوفرة أمطارها التي انعكست على موسم القمح والشعير. يومها، اضطر الفلاحون لشحن إنتاج حقولهم بلا أكياس. أما اليوم، فهم يخشون أن تبقى أكياس «الخيش» التي اشتروها فارغة. فبعد حساب ديونهم المتراكمة، وتكاليف زراعة وسقاية أرضهم، وما يحتاجونه لإعادة بناء ما تدمّر من بيوتهم، ضرب الفلاحون موعداً مع أصحاب الحصّادات، ولم يبقَ أمامهم سوى جني المحصول وتسويقه. غير أن النيران التي اندلعت في مناطق مختلفة من ريفَي الرقة والحسكة، كانت لها كلمة أخرى. آلاف الهكتارات المزروعة بالقمح والشعير في قرى ريف الرقة الشمالي، الواقعة تحت سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، باتت رماداً، وسط تأكيدات البعض بأن النيران اندلعت بفعل فاعل، واتهامات لسلطة الأمر الواقع التي تحكم المنطقة بالمسؤولية عن ذلك.
يقول أحد الفلاحين في ريف الرقة الشمالي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الأراضي الزراعية تشهد عادة اشتعال حريق أو اثنين على الأكثر في موسم الحصاد، لأسباب كثيرة، إلا أن الحرائق المنتشرة في ريف الرقة الشمالي تُثير الكثير من التساؤلات، خاصة أنها تندلع بشكل يومي في قرى جديدة». ويذهب بعض أهالي المنطقة إلى أبعد من ذلك، ويردّون الأمر إلى أسباب «سياسية» بالدرجة الأولى، تهدف إلى إبقاء الفلاحين من أبناء المنطقة تحت السيطرة. ويقول أحد ناشطي تل أبيض المعارضين، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «عند اندلاع الحريق الأول، اعتبرنا أن الأمر مجرد حادثة، إلا أن الأمور تطورت، وصار اندلاع الحرائق في حقول القمح شبه يومي. ويستحيل أن يكون ذلك مجرد صدفة». ويضيف أن «من الواضح أن هناك من يريد بقاء الفلاح تحت خط الفقر، لاستثمار ذلك سياسياً. لأن انتعاش وضع المواطنين اقتصادياً سيجلب المتاعب لسلطة الأمر الواقع المفروضة علينا».

وتعمل سيارات وفرق الإطفاء الموزّعة في ريف المحافظة على إطفاء الحرائق المندلعة، لكن اتساع رقعة الأراضي المنكوبة، وتواضع إمكانات فرق الإطفاء، اضطرا الفلاحين وأهل القرى إلى اعتماد الطرق التقليدية في إخماد الحرائق. إذ باتوا يحفرون خنادق أمام النيران لحماية المحاصيل، ويستخدمون صهاريج المياه المُخصَّصة عادة للسقاية. إلا أن الرياح ودرجات الحرارة المرتفعة ساهمت في انتشار النيران لتبتلع آلاف الهكتارات في قرى هداج والطركة والمحمودلي والجرنية، وغيرها. وأطلق أهالي الرقة نداء استغاثة، يدعو المنظمات العاملة في المحافظة إلى تعويض الفلاحين المنكوبين عما خسروه. وأصدر أحد أبناء الرقة بياناً ساخراً، دعا فيه دائنيه إلى إرسال أولادهم لحراسة أرضه ومحصوله «لأن الحصّادات قليلة والمساحات واسعة»، وإذا ما احترق موسمه، فلن يستطيع وفاء أي دين.
وكان «مجلس الرقة المدني»، التابع لـ«الإدارة الذاتية»، قد حدّد نسبة الحصّادة بـ4 في المئة من إنتاج الأراضي البعلية، و5 في المئة من إنتاج الأراضي المروية، وذلك في شروط منح التراخيص للحصّادات. وأكد فلاحون أن «أصحاب الحصّادات لا يلتزمون بهذه النسبة، ويتحكمون بالسعر، مستغلين قلة عدد الحصّادات، واضطرار الفلاحين لجني محاصيلهم». كما جهزت «لجنة الاقتصاد والزراعة» في «مجلس الرقة المدني» بعض الصوامع والمراكز لاستقبال محصول القمح، مثل صوامع السلحبية والرافقة ومزرعة بدر، وكذلك فعلت «السورية للحبوب» في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية. ويروي خليل الإسماعيل، أحد مزارعي الرقة لـ«الأخبار» أن «السعر المحدد لشراء القمح من الفلاحين قليل مقارنة بتكاليف الزراعة والحصاد والنقل، فأغلبنا استدانوا من أجل تأمين البذار والأسمدة والأكياس وأجور الفلاحة، وجاء السعر دون المستوى المأمول، فهو أقلّ من نصف دولار، ولا خيار أمامنا سوى توريد محاصيلنا».


«داعش» يتبنّى حرائق الحسكة
في ظلّ تأكيد مصادر محلية متعددة أن حرائق حقول القمح والشعير ليست ناجمة عن أسباب طبيعية، خرج تنظيم «داعش» ليعلن مسؤوليته عن إحراق حقول «المرتدين» في العراق وسوريا. وأفرد التنظيم لاستعراض «حصاد» عناصره، صفحة في «مجلة النبأ» التي يصدرها، في محاولة لتأكيد وجود خلاياه ونشاطها بين البلدين. وتبنى «داعش» إشعال حرائق في ريف الحسكة، وتحديداً في منطقة مركدة، ونسب ملكية تلك الأراضي إلى «مرتدين… وعملاء للنظام». وكان لافتاً أن التنظيم لم يشر أبداً إلى مسؤوليته عن الحرائق الأوسع التي شهدها ريف الرقة. ودفع هذا التبني إلى انتشار دعوات بين صفوف الفلاحين لتشكيل دوريات أهلية مهمتها حماية المحاصيل، حتى إتمام موسم الحصاد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here