نظرات في كتاب “مقالة في السفالة” للدكتور فالح مهدي الحلقة الرابعة

كاظم حبيب

تاريخ العنف العدواني وطبيعته البشرية

“استعمال العنف يترك أثرا في الوجه لا تخطئه العين”

الطيب صالح، كاتب من السودان (1929-2009م)

في باب العنف العدواني يطرح الكاتب 23 عنواناً فرعياً للعنف يتصدرها عنف الإبادة الجماعية. ولا شك ف يأن كل عنوان منها يصلح أن يكون عنوناً لبحوث عميقة وموسعة وتصدر في كتب. فعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى مجموعة من هذه العناوين المهمة وذات الأهمية الفائقة، منها: العدوانية الحيوانية وخصائصها، الهويات الاجتماعية، الهوية والدين، الدوائر الهوياتية، العنف في المنظور الماركسي، العنف فلسفياً، العنف والتحليل النفسي، سوسيولوجيا العنف، الإنسان كحيوان سافل، غموض مفهوم الضمير، التجربة النازية، ومفهوم الإيثار وعدم الأنانية. يضاف إلى ذلك أكثر من عنوان للإبادات الجماعية التي عانت منها البشرية، ومنها التجربة النازية والإبادة الراوندية، التي تعرضت لها قبائل التوتسي في رواندا والتي “تعتبر الأسرع والأكثر فاعلية في تاريخ الإبادات البشرية”، وقبل ذاك إبادة الأرمن بتركيا العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، والإبادة البعثية الصدامية ضد الكرد في عام 1988 …الخ. وبهذا يقدم الدكتور فالح مهدي أوسع فرشة للعنف البشري من جهة، وأكثر تكثيفاً وتركيزاً في عرض وتحليل وبلورة الآراء حول هذه الموضوعات الأساسية من جهة ثانية. وإذ لم يكن سهلاً على الكاتب مثل هذا التكثيف والتركيز قطعاً لكثرة المادة التي لديه والكتب التي تبحث فيها، فهو ليس يسيراً على من ينبري لهذا الكتاب المهم بكل تواضع ليتناول بعض هذه العناوين الفرعية بالتعليق والتحليل وإبداء الرأي، إذ أن الخوض بكل ما جاء في الكتاب يعني تأليف كتاب جديد عن العنف البشري اعتماداً على كتاب الزميل الفاضل فالح مهدي، وهو أمر غير ممكن، علماً بأن هذا الباب الموسوم “قراءة في العنف” هو المدخل النظري – التطبيقي للباب الثاني الموسوم “العراق المعلول” والباب الثالث الموسوم “لماذا وصلنا إلى هنا؟ ملاحظات وانطباعات”.

للعنف العدواني تاريخ مديد يمتد عبر قدم تاريخ البشرية كلها، وقد عانت منه البشرية وماتزال تعاني منه بصور شتى تتراوح بين القسوة والقسوة الجامحة والمتناهية، بين قتل إنسان واحد وبين الإبادة الجماعية بشتى السبل، بين السُفالة الفردية والسُفالة المركبة والسفالة الجمعية. ويرى الكاتب مهدي إن ظاهرة “العدوانية البشرية” قد لازمت تاريخ البشرية وهي مماثلة للعدوانية الحيوانية ذات الطبيعة الغريزية، إذ كتب: “العدوانية البشرية لا تختلف عن أختها الحيوانية. ففي اللحظة التي يسيطر فيها الإنسان على محيطه ويتمكن من استعمال التقنيات وتكوين جماعات كبيرة، تميل تلك الغريزة إلى أن تكون معيقة ومؤذية، بل قاتلة ومدمرة”. ويستكمل رأيه بقوله: “إذا بقي الإنسان عبارة عن حيوان مذعور وبدون وسائل دفاع سيحتاج في هذه الحالة إلى كل عدوانيته. وبدءاً من تلك اللحظة سيتحول إلى حيوان فاقد لطبيعته ومغلوب على أمره”. (مهدي، الكتاب، ص 31). إن تاريخ البشرية قصير قياساً لعمر الكون، وأن عمر الإنسان وتطوره قصير قياساً لعمر الحيوان باعتباره الخلف للسلف بغرائزه العديدة ومنها عنفه الطبيعي، رغم مظهره العدواني، لحاجته الماسة للطعام لإشباع جوعه (أو) وجوع صغاره، أو دفاعاً عن نفسه وعن صغاره. فالإنسان قد تخلص الكثير من المسائل التي

لازمته كحيوان متطور، ولكنه لم يتخلص من بعضها بل ربما تطورت لديه كما هو وارد في الكتاب بالاقتران مع تطور التقنيات التي أصبحت تحت تصرفه. والكاتب مهدي يطرح هنا بصواب الرؤية التالية: “في الدراسات الحديثة، يتفق كل الباحثين على إن العنف في العالم القديم كان شديداً ومدمراً وكاسحاً. العنف في العالم المعاصر تراجع كثيراً…”. والسؤال المشروع هنا لماذا هذا التراجع؟ اعتقد إن الجواب يقدمه لنا الكاتب نفسه حين يتحدث عن دور الدولة والقوانين والتحضر الجاري في مسيرة البشرية وأن تباينت من منطقة أو إقليم أو شعب إلى آخر. وهنا بودي أن أشير إلى أن الكثير من العوامل المعقدة والمتشابكة تلعب دورها في تقليص أو تشديد العدوانية البشرية، ومنها طبيعة علاقات الإنتاج ومستوى تطور القوى المنتجة ومستوى تطور وعي الإنسان كفرد والوعي الجمعي للمجتمع. ويمكن أن نلاحظ هذا في المقارنة بين مستوى العدوانية لدى الفرد في مجتمع متقدم حضارياً وتقنياً والحرية كإدراك الضرورة، وبين مجتمع لا زال يعاني من تخلف في استمرار وجود العلاقات الإنتاجية والاجتماعية القديمة والبالية …إلخ. ومن ناحية ثانية يلاحظ بوضوح إن حجم الخسائر البشرية في الأحداث القديمة، رغم كونها كانت كاسحة ومدمرة، فهي أقل من حجم الخسائر البشرية التي يتعرض لها المجتمع البشري في العصر الحديث، بسبب طبيعة التقنيات التدميرية المتقدمة المستخدمة في الحروب الحديثة. فعلى سبيل المثال بلغ عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى لأربع سنوات 37 مليون نسمة، 17 مليون منهم قتلى بين عسكري ومدني، و20 مليون من الجرحى والمعوقين، إضافة إلى كثرة من المفقودين وخسائر مادية وحضارية هائلة. أما في الحرب العالمية الثانية فقد تراوح عدد القتلى بين 62-78 مليون قتيل لأسباب عديدة، وأن اختلف الراي في العدد، فهو لا يقل عن الرقم الأول، وهي ضحاي قد ارتبطت بالحرب وما تسببت به من أمراض وكوارث، ما عدا الجرحى والمعوقين والمفقودين، وكذلك خسائر مادية وحضارية أكثر بكثير مما تحملته البشرية في الحرب العالمية الأولى. ولا بد هنا من الأخذ بنظر الاعتبار واقع الفارق الشاسع بين الكثافة السكانية وعدد نفوس البشرية في ماضي البشرية القديم والقرن العشرين حيث وقعت فيه الحروب الحديثة والتي شاركت فيها مجموعة كبيرة من الدول.

طرح الباحث والفيلسوف السوري ندره اليازجي في دراسة له عن ” العنف واللاعنف في الطبيعة والإنسان” الرؤية التالية: “.. يعتقد العلماء الذين درسوا الإنسان واختصوا بعلم الباليونتولوجيا (علم الأحياء القديم، ك. حبيب) إن الإنسان مازال يميل إلى الحرب والاعتداء لأن الفترة الزمنية التي تفصله عن مملكة الحيوان ليست كافية لإزالة آثار الحيوانية كلها من متعضِّيته. ويشدد بعض علماء النفس على أن لاوعي الإنسان مازال يحمل من اللاوعي الجمعي الذي خلَّفته له عصور الخوف والظلام الأولى، والرعب في الكهوف، ومكافحة الحيوان والهروب من عنف الطبيعة الأثر الكبير، الأمر الذي لم يساعده على التخلص منه حتى يومنا هذا. ومالا شك فيه أن هذه النظريات لا تُنكِر أن الإنسان ميّال إلى الخير المسلوب، المدعو بالشر، لأن بذرته وُجِدت فيه منذ القديم، ولأنه ما زال يعاني من نقص في تركيبه الداخلي والخارجي، الواعي واللاواعي، الذي يتمثل في صراع أو تناقض لا يقبل التوفيق أو التكامل”. (راجع: ندره اليازجي، العنف واللاعنف في الطبيعة والإنسان، موقع معابر مايس/أيار 2019). ثم يطرح التساؤل التالي حول حالة العف عند الحيوان وحالة الانفعال عند الإنسان، والتي كما يرى لم تبحث بما يما يكفي حتى الآن. وفي قناعتي الشخصية أرى بأن الإشكالية في سلوكية الفرد أو الجماعة أو تلك الفئة الحاكمة متأتية من تشابك عوامل عديدة منها غريزية وأخرى مرتبطة بواقع المجتمع والبيئة والعلاقات الاجتماعية وواقع التمايز الشديد في المجتمع بين الطبقات الفقيرة وتلك المالكة لوسائل الإنتاج والمتحكمة بالسلطات الثلاث وفي وضع القوانين، وفي مجمل الظروف التي يعيش فيها الفرد أو المجتمع والتي يتم إعادة إنتاجها.

هناك دراسات متشائمة حول البشر حتى بلغ بالفيلسوف الفرنسي بليز باسكال (1623-1662م)، كما يشير إلى ذلك الدكتور فالح مهدي فيذكر قول الفيلسوف “أي وهم هذا الإنسان؟ أية حداثة، أي مسخ، أي فوضى!”. “وينسب القول التالي للكاتب الروسي الكبير ديستوفسكي: “من شدة خيبة أملي بالإنسان فضلت رفقة الكلاب!” ولم يكتف بذلك بل كتب في كتابه الموسوم “الفكر” ما يلي: “إذا سألني سائل: وما الذي تفضل: أن يختفي العالم، أو أن تحرم من فنجان الشاي؟ أردّ عليه: فليختفي العالم بأسره، شريطة أن يبقى فنجان شايي مضموناً على الدوام”. (مهدي، الكتاب، ص 63). وأقدر عالياً التقدير السليم الذي طرحه الدكتور مهدي في تعليقه المباشر لما ورد عن لسان باسكال حث كتب “ليس هناك من كائن أكثر رخصاً من الإنسان وليس هناك من كائن أعظم من الإنسان، إنما والحق يقال إن أولئك ممن لهم الموهبة والقدرة على الدونية والانحطاط يبلغون نسباً يعتد بها في كل المجتمعات الإنسانية.” وهنا يبدو لي بأن الزميل الدكتور مهدي يوافقني الرأي بأن الغالبية العظمى من البشر ليست لها الموهبة الدونية والانحطاط، وإن تقليص هذه النسب، التي مازال يعتد بها من الدونيين والمنحطين، يرتبط عضوياً بالتغيرات التي يمكن أن تحصل في عدد من العوامل التي أشرت إليها سابقاً، ومع تغير نوعي في وعي الإنسان والموقف من الـ “أنا” والـ “أخر”.

في تاريخ العراق القديم صور غير قليلة عن الصفاء المجتمعي، وكذلك عن العنف الاعتدائي، إذ يمكن أن يجد الباحث ذلك في الرقم الطينية التي تم اكتشافها في العراق. وعلى وفق ما وصل إلينا من ذلك نجده في خمس شرائع، إضافة إلى القوانين التي تعامل بها الآشوريون والكلدانيون دون أن يسجلوها في شريعة متكاملة. فالتشريع الأول الذي اكتشف في العراق سمي بـ “أورنمو”، وهو مؤسس سلالة أور الثالثة في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد، أي بحدود 2050 ق.م، وهو أقدم قانون في تاريخ البشرية مكتشف حتى الآن. ثم قانون أوروكاجينا، وقانون لبت عشتار، وقانون أشنونة، وقانون حمورابي، ثم اللوائح القانونية للآشوريين والكلدانيين. وهي شرائع وقوانين صادرة عن الآلهة أو أنصاف الآلهة تدرجت في سعتها وشموليتها ومدى تعبيرها عن التغيرات الحاصلة في تلك المجتمعات بما في ذلك قضايا الاقتصاد والمجتمع والعلاقات العائلية وعلاقات الملكية وتوزيع الثروة والنزاعات والموقف من الدولة وبقية المشكلات التي عالجتها تلك الشرائع، وكذلك في بنيتها الداخلية وصياغتها، وفي اسلوبها التربوي والتحذيري، وفي العقوبات المتنوعة والمتباينة في قسوتها التي فرضتها على المخالفين لمواد تلك الشرائع. وفي التشريع الأول مثلاً لم يجد الباحث أي عقوبة ردعية نفسية أو جسدية عدا واحدة جارحة ومؤلمة: حين تتحدث خادمة عن نفسها وتشير إلى أنها أجمل من سيدتها، عند ذاك يحشى فمها بكمية كبيرة من الملح لكيلا تكرر ذلك، أما العقوبات الأخرى في هذه الشريعة فلا تتجاوز فرض غرامة مادية تعويضية لا غير. ولكن العقوبات الردعية تفاقمت تدريجيا لتصل إلى حدها الأقصى في شريعة حمورابي حيث بلغ عدد المواد العقابية 51 مادة من مجموع 282 مادة، أي أكثر من 18%، بعضها يجسد القسوة وسفالة الحكام وتشريعهم بأقسى صورها، وبعضها ينظم الحياة اليومية للمجتمع البابلي. وكانت الأحكام الآشورية قاسية إلى ابعد الحدود، ولاسيما عند خوض حروب الاستيلاء على مناطق أخرى. (راجع: برهان الدين دلّو، حضارة مصر والعراق: التاريخ الاقتصادي-الاجتماعي–الثقافي والسياسي، القوانين والشرائع، دار الفارابي، 1989، ص 395-460). (راج أيضاً: كاظم حبيب، لمحات من عراق القرن العشرين، (في 11 مجلد)، المجلد الأول، تجليات الاستبداد والقسوة في شرائع العراق القديم، دار أراس، أربيل، 2013، ص 344-368).

كما ساهم حكام العراق القدامى في حروب تدميرية وتخريبية وقتلى بأعداد غفيرة، إضافة إلى الأسرى الذي كانوا يقادون إلى أرض الرافدين أو ميزوبوتاميا، كما حصل مع خمس حملات عسكرية وموجات من الأسرى اليهود ابتداءً من شملنصر الثالث (859-824 ق.م.) وانتهاءً بالحملة الخامسة التي قادها الملك سنحاريب الأشوري (705-681 ق.م.) في العام

702 ق.م. (راجع: كاظم حبيب، يهود العراق والمواطنة المنتزعة، دار المتوسط، إيطاليا، 2015، ص 20/21). كتب الفقيد الأستاذ يوسف غنيمة عن نتائج الحملة الأخيرة ضد اليهود ما يلي: “انتهت تلك الحرب بنصر الكلدان نصراً مبيناً، فدخلوا أورشليم بقيادة قوادهم نركل شراصر وسمكر نبو وسرسخيم وغيرهم وفَّر صدقيا ملك اليهود من وجه الفاتحين إلا أنهم أدركوه في سهل أريحا وأتوا به إلى نبوك نصر فأغلظ معاملته وأمر بقتل أولاده وأشراف مملكته على مرأىً منه ثم سمل البابليون عينيه وشدوه بسلسلتين من النحاس وأتوا به إلى بابل وخرَّب نبوزردان رئيس الشرطة أورشليم وهدم أسوارها وسبى جميع السكان إلى بابل واستباح ذمارهم وأتلف خضراءهم ونضراءهم وذلك سنة 586 ق.م. وقد قدر عدد اليهود الأسرى في هذه الحملة بـ 40000 أسير، وأطلق على نقل الأسرى المسبيين إلى بابل بـ “السبي البابلي الثاني لليهود”. (يوسف رزق الله غنيمة، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق. الوراق للنشر. لندن. 1997. ص 69. ملاحظة: نشر كتاب غنيمة لأول مرة ببغداد في عام 1924، ك. حبيب). وفي بلاد الرافدين، في العراق تعرض اليهود في اليومين الأول والثاني من حزيران/يونيو 1941 إلى مذبحة عدوانية أطلق عليها بـ “الفرهود”، حيث قتل فيها 144 من المواطنات والمواطنين اليهود العراقيين من مختلف الأعمار، حين هاجم الرعاع والقوميين اليمينيين، الذين تأثروا بالفكر النازي العنصري والمعادي للسامية والجنود الفارين والمهزومين أمام القوات البريطانية بعد سقوط حكومة انقلاب مايس بقيادة العقداء الأربعة ورشيد عالي الكيلاني ومحمد أمين الحسيني مفتي القدس، بيوت اليهود ومحلات عملهم ودكاكينهم فقتلوا وسلبوا ونهبوا دون أن يردعهم أحد، رغم وجود القوات البريطانية في بغداد ورغم معرفة السفير البريطاني بذلك. (قارن: كاظم حبيب، يهود العراق، مصدر سابق، الفرهود في العراق ص 359-384.)

كما عرف التاريخ الأموي والعباسي وكذلك العثماني كوارث إنسانية رهيبة على أيد الكثير من الخلفاء والولاة والحكام والقضاة الذين تميزوا بالسفالة الجامحة في مواجهة الشعوب الأخرى أو حتى شعوبهم أو أبناء وبنات القوميات وأتباع الديانات الأخرى، كما في فترة حكم الحجاج بن يوسف الثقفي أو عهد الخليفة أبو الفضل جعفر المتوكل على الله ((847-861 العباسي، أو ما حصل للأرمن في العهد العثماني البغيض وأثناء الحرب العالمية الأولى، حيث كتب الدكتور فالح مهدي بحق وصواب بصدد إبادة الأرمن الجماعية ما يلي:

“خلال فترة الحرب العالمية الأولى قامت وحدات عسكرية من الجيش التركي بإبادة ما يقارب المليون من الأرمن.” (مهدي الكتاب، ص 26). وهو الرقم الأقرب إلى الصواب، إذ جاء في كتابي الموسوم “نحن وكوارث أتباع الديانات والمذاهب في العراق” (تحت الطبع) بصد الإبادة الجماعية ضد الأرمن ما يلي: ” على وفق التقارير الصادرة عن الكثير من مراكز ومعاهد البحث العلمي والمؤرخين، إلى استشهاد عدد يتراوح بين 1000000 – 1500000 أرمني من “رعايا” الإمبراطورية العثمانية. (أنظر: أرشاك بودليان، “شهادات غربية عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية”، دار الشرق للطباعة والنشر والتوزيع، سانا، دمشق 2016). “أما الكتاب الأزرق الذي أصدرته الحكومة البريطانية في العام 1916، والذي كتب مقدمته المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي فيشير إلى إن عدد القتلى بلغ حتى ذلك الحين 600000 أرمني.) (أنظر: مجدي خليل، القضية الأرمنية بعد مائة عام من الإبادة، الموقع الإلكتروني للتنظيم الأرامي الديمقراطي”، 1/1/2017). وتقدر الحكومة التركية إلى إن عدد القتلى يتراوح بين 300000-500000 أرمني، ورغم ذلك فهي لا تعترف بأن ما حصل على الأراضي التركية، وفي مناطق سكن الأرمن الأصلية، باعتبارهم من أصل سكنة هذه الأرض، كان إبادة جماعية!! وبالتالي فأن الحكومات التركية المتعاقبة تلجأ إلى مقاطعة تلك الدول دبلوماسياً، إذا ما اعترفت بأن ما ارتكبته الإمبراطورية

العثمانية ضد الأرمن كان إبادة جماعية، وهي في ذلك تعبر عن طبيعتها المماثلة لمن ارتكب تلك الجرائم. وإذا تابعنا مسيرة سلطان تركيا الجديد رجب طيب أروغان سنجد منذ العام 2016 وقبل ذاك أيضاً قد أرتكب أقسى الموبقات بحق القوميات العديدة في تركيا، بمن فيهم الشعب التركي، ولكي يبقى بالسلطة فأنه يمارس يومياً المزيد من العنف، والمزيد من الظلم والاضطهاد، أي المزيد من السفالة الجامحة، وهو بذلك يجسد الحكمة النازية التي نطق بها أدولف هتلر بقوله: “أول شيء أساسي لتحقيق النجاح على الدوام هو عمل مستمر ومنتظم من العنف”.

انتهت الحلقة الرابعة وتليها الحلقة الخامسة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here