مميزات الشخصية القيادية

بقلم / رفعت الزبيدي

المقدمة / يشهد العالم أحداثا مدوية وانعكاسات خطيرة على أهم الأصعدة المرتبطة بحياة البشرية منذ نصف قرن من الزمن نحن جزء وشاهد من تلك الأحداث والتغيرات السلبية، لاسيما عالمنا الاسلامي . ونظرا لأهمية موضوع الشخصية القيادية باعتبارها مورورثا وممارسة اجتماعية ودينية في مجتمعاتنا فقد تناولت الموضوع من وجهة نظر شخصية أحيل معظم المآسي والتناقضات السياسية والاجتماعية الى الخلل الكبير الذي طرأ على مفهوم الشخصية القيادية.

الهدف من موضوع البحث /

دعوة المستضعفين والمهمشين والمستغفلة عقولهم اليوم من قبل الاحزاب والمؤسسات الدينية الفاسدة والفاشلة أن يراجعوا أفكارهم ومواقفهم تجاه مايجري من أحداث في العراق والمنطقة نحو حركة تصحيحية واعادة بناء الشخصية المزدوجة والمهمشة . نحن نكتب ليستوعب القاريء خطورة مايجري وأهمية ماندعوا اليه.

المدخل /

المفهوم العام لكلمة القيادة تعني قدرة الشخص على التأثير في المجتمع نحو تحقيق الأهداف. قد يكون الشخص القيادي منتدب من مؤسسة او حزب او الدولة نتيجة انتخابه من قبل الرأي العام لتوفر عناصر القيادة الناجحة فيه ( إذا كانت الممارسة حرة ونزيه). من أهم العناصر المطلوبة في الشخصية القيادية أن يكون ناجحا في ادارته لتلك المجموعة بحيث يؤثر في تقبل أفكاره ويوجههم بالطريقة التي تنسجم ومشروعه او قضيته، وقاضيا ناجحا يقضي بينهم بطريقة تحقق الرضى عنه باعتبار توفر عنصر ( العدالة ) في الحكم لديه. السؤال عن الشخصية القيادية لمن يخضع؟ في المقدمة التمهيدية عرفنا أن الرأي العام او المجموعة يخضعون للقائد يسلمون له امرهم فهم يلجأون اليه في الملمات وكلما اشتدت عليهم الخطوب فانهم يحتاجون الى قائدهم أكثر وكلما كان ناجحا في توفير الطمأنينة لهم وحل مشاكلهم كلما كان تعلقهم بالقائد اكثر من السابق ، السؤال هنا أن هذا القائد ألا يخضع لتوجيه أعلى منه ؟ لسلطة أعلى من سلطته القيادية ؟ بالتأكيد يخضع ولكن لمن؟ الموضوع مرتبط بنوع القيادة ومايهمنا في هذا البحث هو القيادة الروحية والسياسية في الدولة الاسلامية خصوصا ونحن نعيش التباسا وفتنا متلاحقة أصابت الواقع الاسلامي بسنته وشيعته . لنأخذ أعلى رمز قيادي ألهم الامة الاسلامية وأثر فيها هو النبي المصطفى لم يفرض نفسه على من آمن به الا من

خلال عناصر مميزة في شخصيته جعلت من يتعاملون معه ينقادون خلفه وكان يستمد شرعيته من خلال عنصرالقوة العقلية والذهنية المهيمنة في تأملاته لكل ماكان يجري من حوله في المجتمع المكي حيث عبادة الاوثان والعادات والتقاليد الجاهلية الموروثة وهو المنفتح على بقية الثقافات الأخرى من خلال سفره في التجارة ، فالمصادر التاريخية تشير الى أن النبي قد بدأ الاحتكاك مع الشعوب والثقافات الاخرى غير المكية وهو في سن الثانية عشر من عمره اي منذ صباه وكذلك في شبابه عندما عمل في أموال السيدة خديجة التي تزوجها فيما بعد. ماذا يعني هذا التكرار لكلمة الانفتاح الثقافي عند النبي المصطفى؟ يعني أنه اكتسب بعض التجارب من الشعوب الاخرى غير المجتمع المكي ، انفتح ذهنه على من حوله وهو يرى الفرق بين بيئتين مختلفتين كالبيئة المكية والشامية وبالتأكيد أضاف هذا بعدا مهما في شخصية النبي ، ومن خلاله انتقلت أفكاره ورؤاه الى من تعايش وتعامل معه تعاملا مباشرا لاسيما من أهل بيته ولاننسى أن العامل الوراثي الايجابي كان واضحا كذلك في سيرة النبي المصطفى من حيث خلقه في صدقه وامانته والذي عُرف عند المجتمع المكي الجاهلي بالصادق الأمين. لقد أشارت مصادر السيرة الى أن علي بن أبي طالب تربى ونشأ في بيت النبي قبل البعثة وأثناءها وبالتأكيد بصمات النبي واضحة في شخصية علي القيادية وهنا سيكون بحثنا حول الشخصية القيادية في الامام علي بن أبي طالب ونحن نعيش ذكرى استشهاده في شهر رمضان المبارك حيث وفي هذا المقام يقول علي عن علاقته بالنبي المصطفى ( ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر امه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري). لقد أشرنا الى توفر عنصرين مهمين في القيادي الناجح هما الادارة والعدالة في تعامله والبت في الامور التي تخص المجتمع ، بالاضافة الى تاريخ الشخصية القيادية وسيرته . لو عدنا الى الخلفية الاخلاقية للنبي المصطفى قبل البعثة وتصديه لقيادة الامة وكما أشرتُ نجده الصادق الامين في هويته الاجتماعية ولا أحد يطعن في ذلك. فماذا عن الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟ هنا لابد من تقسيم مراحل حياة الامام علي الى عدة مراحل مهمة وحسب الوقائع التاريخية.

أولا/ محل ولادته خارج عن المالوف في المجتمع المكي ومكانة الكعبة المشرفة روحيا فالكعبة هي محل مقدس ولم يحدث أن مولودا قد ولد في بطن الكعبة الا علي بن أبي طالب لاقبله ولابعده. وهي ليست صدفة فلو كانت صدفة فلماذا حدثت معه بالذات دونه وكما قلت لا من قبله ولا من بعده. هنا أشارة الى أهمية المولود في المستقبل عندما تحين لحظة بدء الدعوة التوحيدية بقيادة النبي المصطفى وكذلك أهميته بعد تثبيت الدعوة الاسلامية. سواء بشخصه او بذريته . هنا أيضا أود أن أتوقف عند نقطة تأملية لولادة علي عليه السلام في الكعبة المشرفة . نحن نعرف أن ولادة الانبياء والمرسلين كانت لهم علامات مميزة عرفها أهل زمانهم ، مثلا حين ولد النبي المصطفى انطفأت نار المجوس في معبدهم وفاضت بحيرة ساوة فهو تكريم للمولود واشارة سماوية لأهل سكان الأرض آنذاك أن حدثا مهما قد وقع اليوم تمثل بولادة

النبي المصطفى ، أما في علي فولادته في الكعبة المشرفة هي إشارة للمجتمع المكي باهمية المولود مستقبلا وربما الوافدين على مكة أيضا سينقلون الخبر الى مجمتعاتهم عندما يعودون. .

ثانيا/ علي هو شاهد على نزول الوحي السماوي وكان يتلقى الرسالة النبوية مباشرة من النبي فهو ربيب بيت النبوة. مثلا تقول المصادر التاريخية في العلاقة بين النبي والامام علي

لقد كان علي موضع ثقة الرسول محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه. أما أقوال النبي في علي فهي كثيرة أورد بعضا منها (يا علي الناس من شجر شتّى وأنا وأنت من شجرة واحدة) وفي حديث آخر (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى) فالشاهد على نزول الوحي السماوي على النبي هو موضع ثقة صاحب الدعوة الاسلامية . وهو يتهيأ الى مراحل جديدة ومهمة في تأريخه وتاريخ الاسلام .هنا يبرز سؤال ، هل ماأسلفت اليه من سيرة ومقومات الشخصية القيادية كافية لينجح القائد في مجتمعه ؟ وماهو نوع النجاح المقصود؟ هل هو نجاح مادي تتحقق من خلاله مصالح الناس ؟ أم نجاح معنوي يترك بصمات شخصيته ومبادئه في المجتمع ؟ . لابد في هذا المقام أن نعود الى سيرة الأنبياء والمرسلين من اصحاب الديانات والكتب السماوية المنزلة ( التوراة ، الانجيل ، القرآن ) صاحبي الكتابين التوراة والقرآن خاضوا معارك مسددة بمعجزات سماوية للنصر ضد من وقفوا ضدهما ، ففي قضية موسى مع فرعون نقرأ هلاك فرعون مصر وجنده في وسط البحر بعد ان انفلق البحر الى موسى ومن آمن به ليعبر البحر وينطبق على فرعون الملك المتباهي بملكه مع جنده . وصاحب القرآن الحبيب المصطفى وفي اكثر من مناسبة حدثت له معاجز النصر ضد أعداءه. بمعنى لو لا التسديد والمدد السماوي لما نجحت دعوة النبي في قومه . { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} سورة التوبة.

أما في سيرة الشخصية القيادية لعلي بن أبي طالب فقد تمثلت محنته في الأمة أنه يصارع الطبقة الانتهازية التي بدات تظهر بعد وفاة النبي واعقد مشكلة واجهت الأمة تلكم مسألة الخلافة. ثم تفرعت منها فتن أخرى مباشرت بعد أن أصبح عليا هو الخليفة الشرعي والمنتخب انتخابا ديمقراطيا بعد ربع قرن من وفاة النبي وماحدث من انتهاك للدستور الاسلامي في ملف الخلافة تلك . إن تجنيا تاريخيا قيدما وحديثا لعلي في مقام القيادة الشرعية في مبادءه ومثله السماوية السامية تتجلى خطيئة من يقولون أن عليا لم ينجح كقائد سياسي يدير الدولة الاسلامية بعد أن أصبح خليفة عام 35 للهجرة. يقولون أنه قائد عسكري ولكنه ليس بقائد سياسي ناجح مثل من سبقه او مثل شخصية معاوية بن أبي سفيان. هذا القول يمكن أن نرد عليه بماهو شائع عن فمهوم السياسة بفن الممكن ومعه أن السياسة لاتعرف الأخلاق أي الغاية تبرر الوسيلة

ومن وسائلها المكر والخديعة والنفاق بكل صوره. هذا هو مانلمسه في السياسة الدولية الراهنة بل والأقليمية كذلك من خلال ولاية الفقيه في ايران التي جندت وسخرت امكانيات الشعوب الأخرى لخدمة الأمن القومي الايراني وعلى حساب مصالح الدول المجاورة لها كالعراق، ولذلك نتائج هذا المبدأ في العلاقات الدولية والاحكام السائدة ومصائر الامم والمجتمعات هو انتهاك خطير لكرامة وحرمة وحقوق الانسان. فاذا حققت السياسة العالمية مبدأ العدالة والذي هو أساس الدساتير فلماذا يبشر الناس بعودة المصلح في مختلف الديانات؟ . قيادة علي السياسية هي قيادة فكرية واصلاحية في المجتمع الذي أفسدته قوانين من حكموا قبله لاسيما الأسرة الأموية في عهد الخليفة عثمان بن عفان. هنا اورد بعض المصادر عن الانتهاكات التي حدثت في عهد الخليفة الثالث :

(اتخذ عثمان أقرباءه ولاةً على أمصار الإسلام، ومن هؤلاء الولاة الوليد بن عقبة بن أبي معيط “ووالده عقبة هذا عدو النبي الذي قتله صبرا، فلما قال للنبي: ومن للصِّبْية – ومنهم الوليد – يا محمد؟ قال: لهم النار” وقد ولاه عثمان أمر الكوفة، فأحدث فيها وصلى بالناس وهو مخمور، فزاد في عدد الركعات والسجدات, ولما نبّهه الناس التفت إليهم وقال لهم: هلا زدتكم. ومن ولاة عثمان – كذلك – عبد الله بن أبي سرح – وكان رضيعه – فولَّاه أمر مصر، “وكان محمد قد أمر بقتل عبد الله هذا ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة”، وعبد الله بن عامر الذي ولاه البصرة، ومعاوية بن أبي سفيان الذي ولاه الشام وأطلق يده فيها, وكان معاوية هذا والياً على الشام في عهد عمر.فتح عثمان خزائن بيت المال لبني أمية، وزوَّج مروان بن الحكم بنته وسلَّمه خُمس غنائم أفريقية، وقد بلغت مائتي ألف دينار, ثم استسلم عثمان في كل أموره لمروان هذا (ابن عمه) فأخذ يفسد كثيراً بسوء التصرف وسوء المشورة) نلاحظ هنا ومن خلال ما اسلفت أن مفهوم القيادة السياسية هي هكذا كانت واليوم أصبحت بشكل علني في إفساد مؤسسات الدولة حيث التجرد من القيم الاخلاقية في الادارة والحكم. من الذي فشل؟ ومن هي الشخصية القيادية التي نتطلع اليها؟ علي الذي يرى في الحكم كعفطة عنز كما ورد عنه عليه السلام. أم من تعامل مع خصومه ونكل بهم على أساس التهمة او الظنة أو الشبهة ومن أمثاله في عصرنا الكثير؟ (وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها) (ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز) .

إن فشل المجتمع الاسلامي في تحديد هويته الأخلاقية والانسانية هي التي مزقته وجعلته يعاني ممن يحكمونه بسياسة الترغيب والترهيب وما يحدث في مجتمعاتنا اليوم لاسيما في العراق ممن يتحدثون باسم علي هم ألد أعداء علي وأفشل من حكموا باسم علي. باعتبار أن عليا شخصية قيادية مهمتها الأساسية إصلاح الامة واعادة نظم امرها لتكون قوية وهي تعيد بناءها المعنوي والمادي فيما بعد. وإن كان علي فاشلا في قيادة الامة خلال الخمس سنوات من خلافته كما يزعم البعض فاسباب الفشل تعود الى الامة نفسها أنهم لم يفهموا قائدهم بعد أن

توجهوا اليه منتخبينه انتخابا عاما وحرا. فمواصفات الشخصية القيادية موجودة في علي ومواصفات الشخصية الانهزامية والرافضة للحياة الحرة الكريمة موجودة في الجيل الذي نشأ خلال خمسة وعشرين عاما من فتوحات اسلامية مزيفة همها الاول الغنائم . خلاصة القول في بحث الشخصية القيادية /

· لاتوجد شخصية توفرت فيها مواصفات الايثار والتفاني في مواجهة الظلم والانحراف بمثل شخصية علي بن أبي طالب.

· لم يُقرب أمير المؤمنين أي من أهله في مناصب الدولة أو منحهم امتيازات خاصة

· شخصية علي تمثل الحاجة الملحة للمجتمعات المسحوقة والمكتوية بتجارب من قادها قيادة تعسفية ظالمة . الشواهد التاريخية للانتهاكات التي حصلت خلال فترة حكم الخلفاء الثلاث السابقين مثبتة مثل قضية مالك بن نويرة وخالد بن الوليد زمن حكم أبو بكر وانتقال الخلافة من أبي بكر الى عمر بالتوصية من الأول الى الثاني ثم ثراء المقربين من عثمان خلال فترة خلافته.

· أنزه وأعدل حكم أراد الاصلاح هو خلافة علي حتى مع قاتله عمر بن ورد العامري.

· كل من يدعي أنه يوالي عليا من شيعته وممن يحكمون او يتبعون الأنظمة او الأحزاب الجائرة في العراق هم من المنافقين او ممن لم يستوعبوا عليا الا في العاطفة عليه وعلي ليس بحاجة لعاطفة مزيفة.

· القيادة التي لاترتبط ارتباطا مباشرا مع قضايا المظلومين والمحرومين في المجتمع هي قيادة مزيفة وغير شرعية.

· كلما برزت على الساحة فتن وتحديات كلما عادت شرعية حكم علي وعدالته من خلال قيادته الشرعية التي اغتصبت بعد وفاة النبي وستعود الامة نادمة على ما اقترفته من سوء فهم عن قصد أو دونه الى تقديم اعتذار تاريخي لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here