هل أن الفقر من الإيمان؟!!

المتاجرون بالدين يضللون الناس ويمتهنونهم ويصادرون حياتهم ويقبضون على مصيرهم , بالخطب الخدّاعة والكلمات الفتاكة التي يصرحون بها على المنابر الهلاكة , الساعية لتعزيز التبعية والخنوع والتجهيل وتحصين الأمية ومنع الناس من إستعمال العقل , وتحريم السؤال , لأنه ليس من الإيمان.

وتستمع للعديد منهم بدرجاتهم وألوان عمائمهم وأحجام طرر جباههم وأطوال لحاهم , وهم يغردون بالأفك المبين , ويعلنون أن الفقر من الإيمان وأن المقاساة والحرمان والهوان هي أقصر الطرق إلى جنات النعيم والتمتع المقيم , ولا يجرؤ أحدٌ أن يسألهم لماذا لا تتخذون الطريق الذي تحثون الناس على السير فيه والإقامة في مستنقعات الويلات والتداعيات والأمر العسير؟

لماذا لا يفعلون كما يقولون إن كانوا صادقين؟!!

وتجدنا اليوم نستمع إلى خطب تعزز الفقر وتحسبه النعيم , وضريبة لا بد لها لكي يفوز المساكين بما يحلمون من أبسط حقوق الإنسان المحرومين منها , والخطباء يتنعمون بالرفاهية والبذخ ويكنزون الذهب والفضة , ويمتصون دماء الفقراء , ويحقنونهم بأمصال تخديرية تنويمية تحيلهم إلى قطيع خانع يسبّح بإسمهم , ويتعبّد في محراب أضاليلهم السوداء.

الفقر مسؤولية المجتمع وهو نتيجة لسوء السلوك وشيوع الفساد , الفقر حاصل تحصيل , فأدعياء القيمومة في الفقر يقيمون في الثراء , وكأنهم يريدون حماية ثرواتهم بتعليم الفقراء أن الفقر قدرهم وأنه من الإيمان.

” فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير” الحج 28

“اللهم أني أعوذ بك من الكفر والفقر” حديث نبوي

“الفقر الموت الأكبر” كما يقول الإمام علي (ع).

الفقر الذي كاد أن يكون كفرا , يتغلغل في النفس البشرية فيعذبها ويحرقها في جحيم العوز الحرمان.

الفقر الأليم اللئيم الذي يزأر في أعماق الفقراء كأنه وحش فتاك , هذا الفقر من واجبنا أن نحاربه بكلامنا وسواعدنا وعقولنا , ورحمتنا وكرمنا وزكاتنا وصدقاتنا ورأفتنا وحبنا , وديننا وعقيدتنا وإرادتنا وعزيمتنا , وكل ما فينا من طاقات ممكنة لقهره وتحرير البشر من سجونه , وتخليصهم من براثن بطشه وعذابه.

الفقر عدونا الأكبر وعلينا أن نجاهد ضده ونقضي عليه.

الفقر القابع في أرضنا التي نقول عنها أرض خير وماء ونفط وعتبات مقدسة , وفيها ما لا ينتهي من الموارد الوفيرة الفائضة.

الفقر علينا أن نقف إزاءه وقفة إنسانٍ واحد.

إن الفقر عدو الإنسانية والرحمة والدين , فهيا بنا إلى محاربة هذا العدو الفتاك.

وعلينا أن نساهم بزرع الفرح في الوجوه والمحبة في القلوب , وأن نرتقي إلى جوهر الدين والعقيدة , وأن نكون عباد الله إخوانا.

أ يرضى الله أن ننام ومن حولنا جياع ومعوزين وأطفال تبكي وأيتام تعاني وتريد.

فانظروا ما أنتم فيه من أسباب الهلاك وإستثمارات للفقر والموت والخراب , وتأملوا محاربة الفقر عدونا الأكبر المتوحش الشرس الذي يأكل البشر ويحصدهم حصدا.

فهيا إلى إطعام الجياع وبث الفرح في نفوس الناس.

فإلى متى يبقى الإنسان مسجونا في فقره وضنك عيشه ومعاناته اليومية من أجل سد رمقه ورمق أطفاله:

إلى متى يبقى يركض وراء لوازم يومه من طعام وشراب ووقود لمدفأته وسيارته؟

إلى متى يبقى على تل العناء وشظف العيش؟

إن الأمم التي تحارب الفقر هي الأمم المتطورة , وفي الصين يتفاخرون بحربهم على الفقر وإنقاذ الملايين من قبضته كل عام.

فما أحوجنا إلى حملة جادة صادقة لإنقاذ الناس من الفقر وإنتشالهم من مستنقعاته وويلاته.

وعلينا أن نفتخر بإنقاذنا كذا عائلة من فقرها , وإطلاق أبنائها لكي يكونوا سواعد حية في بناء البلد وتطويره والإنتقال به إلى مصاف الدول المتقدمة.

نعم إن من أهم واجباتنا أفرادا وجماعات وعلى مختلف المستويات هو محاربة الفقر.

حربنا على الفقر هي التي ستقضي على غياب الأمن والقلاقل والإضطرابات.

إن الإرادة الجماعية في مواجهة الفقر وطرده هي التي ستشيع الأمان وتسعدنا , أما غيرها فأنها لن تأتي بنفع وستزيد الآلام آلاما والفقر فقرا والأيتام أيتاما والثكالى ثكالى والاضطراب إضطرابا.

ما دام الفقر ثقيلا والحاجة أثقل فإن الحديث مع البشر في هذه الحالة النفسية حول أي موضوع لا يغني ولا ينفع , فالذي ينفع أن تعطيه ما يقضي على فقره ورزاءة حاله وأن تخلصه من ضنك عيشه , لكي يرى بوضوح ويقرر بمعرفة ووعي وعلم منه وبملئ إرادته الواعية وليست الجائعة المأسورة بقيود الحاجات.

إن من الأخطاء القاتلة أن يتم توظيف الحاجات البشرية في السياسة وحكم الناس من أفواههم.

نعم ..إن التوجه لمحاربة الفقر هو الحل , فالفقر عدو وجودنا الأكبر, ومخربه الأول, ومدمره الأشرس, فلن يهدأ الوطن ما دام الفقر سائدا فيه وهو بلد الخير والثراء , فتبا للفقر والعوز والإملاق.

علينا أن نرفع شعار “لا فقير في الوطن”

إن المجتمع قادر على تحقيق هذا الشعار, وفيه كل الإمكانات اللازمة لتحقيق الثراء الإجتماعي والتطور الفعال.

ألا يحق للمواطن أن يسكن في مسكن لائق به؟

ألا يحق له أن يقود سيارة مثل البشر؟

ألا يحق له أن يلبس الملابس الجديدة ويأكل الأكلات الجيدة؟

ألا يحق له أن يتمتع بمائه ونفطه وخيراته الأخرى؟

ألا يحق له أن يعيش بدعة وطمأنينة ويسر؟

ألا يكفي هذا البلاء وهذا الشرر؟

فهيا بنا جميعا لنعلنها حربا لا هوادة فيها على الفقر , بالجد والإجتهاد والعمل وفتح أبواب المستقبل مشرعة أمام الناس , لكي يعيشوا ويذوقوا طعم الحياة كغيرهم في البلاد المتطورة.

أطعموا الجياع وطاردوا الفقر أينما حل , فلا يجب أن يكون للفقر مكانا في بلادنا , وإلا أتريدونا أن نبقى نردد

“نامي جياع الشعب نامي حرستك آلهة الطعام”

بل علينا أن نقول:

ثوري جياع الشعب ثوري وتجاوزي عوز الطعام

وحاربي فقرا شديدا وتخيري فرح الأنام

وتجددي…

لا تشربي من بركة الآلام.

إن أعظم إنجاز مطلوب تحقيقه في بلداننا هو القضاء على الفقر , وبناء نظام للرعاية الإجتماعية والصحية الشاملة , والذي يكفل حقوق المحتاجين ويوفر لكل مواطن حياة حرة كريمة وسكن صحي حديث , لكي يستعيد الإنسان كرامته وعزته وشعوره بقيمة وإنتمائه إلى وطنه.

فتبا للفقر ومرحبا بالغنى والرفاه والسعادة والإنطلاق الواعد الرشيد في دروب الحياة.

ومن سار على الدرب وصل.

ومن زرع حصد.

وتلك والله بديهيات الصيرورة والتقدم والعلاء.

ليس وهما ما تقدم , بل أنه حقيقة تبدو واضحة للعيان ولا بد من الوصول إليها.

فما دام المواطن يرى ويقول ويبدي رأيه , فأن الحياة لا بد لها أن تستقيم برغم المرارات والعثرات والخطوب.

هذا ليس تغريدا خارج السرب وإنما توجه إلى جوهر المأساة والآلام والمصائب , وهذا الجوهر يتفاعل مع عوامل أخرى مؤثرة لصناعة المأساة الدامية.

إن البشرية تنسى هذا العدو الكاسر وتلهو بغيره , لكي تزداد مساحات الفقر ويكثر عدد الجياع في الأرض.

ولم تساهم البشرية بجدية في محاربة الفقر, بل أنها إجتهدت في حروب من أجل أن تخلف المزيد من الفقراء والجياع والمرضى والمعوقين بدنيا ونفسيا.

فلو حاربت البشرية هذا المارق الفتاك لحققت سعادتها فوق الأرض , ونأت عن الحروب وشعرت بنشوة تحقيق النصر على آفة الفقر والآلام.

إن جوهر الزكاة في الإسلام هو لمحاربة الفقر ومعالجة هذه المشكلة الإجتماعية بإقرار حق الآخرين المحتاجين, لأن كل غني يثرى إنما على حساب آخر يفقر.

وإن ما لدى الأغنياء فيه حق للفقراء.

يقول الإمام علي (ع) “إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء, فما جاع فقير إلا بما مُتع به غني”.

ونحن مسلمون ونتبع هدى الأئمة والصالحين, نقول ذلك بأعلى أصواتنا وعلينا أن نوثقه بأفعالنا, لأن الدين العمل , وإن لكل قول إمتحان ولكل عمل أجر, والبينة على من إدعى. فكونوا عباد الله إخوانا.

وليساند الأخ أخاه ويدفع عنه غائلة الفقر والجوع , ويساهم في إسعاده وتخفيف همومه , وغسل آلامه وأحزانه بفيض الرحمة والألفة والحنان.

جراح الفقر تؤذينا

وفقر النفس يدمينا

فحارب فقرها العاتي

وقارب من أمانينا

وهكذا يجب أن يتساءل كل شخص عن كيف يتخلص من الفقر وعليه أن يبحث عن الجواب , وبتفاعل الآراء والأجوبة والمقترحات , لا بد من إبتكار خطة موضوعية وعملية تقضي على الفقر المقيت , وتخلصنا من هذا المارد الذي ألحق الضرر بالمجتمع ومضى قيدا ثقيلا في سواعد الأجيال.

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here