الأصولية تبدو وكأنها حاجة نفسية فاعلة في الأعماق البشرية , ولهذا ينجذب إليها خلق كثير , ويعبرون عن أسسها ومنطلقاتها بإندفاعية مروعة.
فلا يمكن تفسير السلوك الأصولي على أنه بسبب الخطاب الأصولي وحسب , فليس كل خطاب له مريدوه وأتباعه , إن لم تكن هناك إستعدادات كامنة في النفس تؤهل المتلقي للإنتماء والتعبير بكل ما فيه عما يراه ويسمعه.
فالإنتماء الأصولي نفسي عاطفي إنفعالي إندفاعي آني وشديد التمكن والإمتلاك , مما يعني أن الأصولي سيكون صلبا ومندفعا نحو هدفه كالإطلاقة , فلا يرى ولا يسمع ولا يلتفت إلى أية جهة , وإنما يكون متوجها بقوة نحو الهدف أيا كان , ما دام يترجم أصوليته وتمسكه بما وعاه وتأجج في وعيه النفسي.
فليس كل مَن يستمع للخطاب الأصولي يتخذه دليلا وحكما للقيام بما يدعو إليه , وإنما البشر الذي تعتمل فيه مفردات وعناصر الأصولية , ووجد في الخطاب ما ينظمها ويوجهها ويعطيها معنى آخر , يؤهله لترجمته والإنطلاق به نحو غايته المرجوة.
ولا يصح القول أن شخصا ما مهما بلغ من قدرات الإقناع والحجة هو الذي أقنع الآلاف والملايين على إتباع ما يراه , لكنه تكلم بمفردات وأبجديات ما في النفوس من الكوامن والخفايا , وإمتلك الجرأة على إطلاقها والتعبير عنها ووضع الأسس والضوابط لتحقيقها , فتلقفها الذين فيهم ما يرى ويعتمل فيهم ما يتوافق مع الخطاب الذي يسمعونه أو يقرؤونه.
وكلما إنجذب الناس إلى ذلك الخطاب , كلما إكتسب قوة جذب إضافية , ومال الناس نحوه عاطفيا لتلبية غريزة الإنتماء , خصوصا عندما تضعف مشاعر الإنتمائية عندهم.
وهذا يبدو واضحا في العديد من الدول العربية , لفقدان قيم الإنتماء للوطن والمواطنة وضعف الوطنية ومجهولية الهوية , وهذا الغياب الإنتمائي يدفع بالناس إلى تعويضه بإنتماءات أخرى قائمة وذات تأثير ظاهر وفعل واضح في المجتمع.
فعندما يضعف الإنتماء الوطني يتنامى الإنتماء الأصولي , وعندما لا يجد المواطن ما يعزّه ويحافظ على كرامته وحقوقه ورغد عيشه فأنه يكون في حالة بحث عن البديل.
والأصوليات بأنواعها هي البديل الإنتمائي في مجتمعات غيّبت الإنتماء , وألغت مفهوم الإنتمائية والهوية الوطنية من وعي المواطن.
وهذا ما يتطابق مع الأصوليات الدينية التي لا تعترف بوطن , وإنما تنتمي إلى حالة وهمية تسعى لتحقيقها وتؤمن بأنها ستسود العالم بها!!
د-صادق السامرائي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط