غيوم الحرب تنقشع بعد ان أمطرت ذهبا على واشنطن!

ساهر عريبي
[email protected]

بدأت غيوم الحرب التي خيّمت بظلالها على المنطقة طوال الأسابيع القليلة الماضية بالإنقشاع بعد أن أمطرت ما لا يقل عن 8 مليار دولار على الولايات المتحدة الأمريكية التي أقر رئيسها صفقات أسلحة الى كل من السعودية ودولة الإمارات في آخر غزوة من غزوات ترامب لثروات هاتين البلدين اللذين أصبح الرئيس الأمريكي خبيرا في الإستحواذ عليها وبأسهل من شربة ماء!

فأجواء الحرب والتصعيد والتهديد والوعيد سرعان ما تبدّدت مذ أكد الرئيس الأميركي في ختام زيارة لطوكيو الأسبوع الماضي أن واشنطن لا تسعى إلى تغيير النظام في طهران معتبرا أن ايران لديها إمكانيات إقتصادية كبيرة, وأن كل ما يريده هو تعهد ايران بعدم إنتاج أسلحة نووية, فاتحا الباب أمام اليابان للقيام بوساطة بين البلدين.

تصريحات سرعان ما ردّ عليها الرئيس الإيراني حسن روحاني معلنا استعداد بلاده لمحادثات، إذا “أظهرت الولايات المتحدة الاحترام واتبعت المعايير الدولية”، مؤكدا على أن “طهران لن تدخل في مفاوضات تحت الضغط“. ولم تكد تمضي سوى بضع ساعات على هذا الإعلان الإيراني إلا وسارع وزير الخارجية الأمريكية جورج بومبيو الى الرد بالإيجاب معلنا استعداد بلاده للحديث مع إيران دون شروط مسبقة.

وبعد رسائل الغزل هذه كشفت صحيفة “ماينيشي شيمبون” اليابانية الأحد أن رئيس الوزراء شينزو آبي الذي تحتفظ بلاده بعلاقات وثيقة مع طهران, سيجري زيارة الى ايران يلتقي خلالها بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي في أحدث مسعى للتوسط بين طهران وواشنطن. وكان آبي تلقى الضوء الأخضر من ترامب خلاله اجتماعه به في طوكيو لفتح حوار بين طهران وواشنطن, بعد ان رحّب ترامب بالمقترح.

ومن اللافت هنا تركيز الصحيفة اليابانية على أهمية لقاء آبي بالمرشد الإيراني وليس بحسن روحاني, ويرجع هذا التركيز الى ان المرشد أعلن ألا تفاوض مع واشنطن, كما وأنه أعرب عن تذمره من المفاوضات السابقة التي اجرتها بلاده مع مجموعة 5+1 قبل عدة سنوات وأنتهت بالتوصل الى الإتفاق النووي كاشفا عن عدم رضاه عما حصل حينها. ولذا فإن لقاء آبي بالمرشد يهدف الى نيل مباركته لبدء مفاوضات بين الطرفين بوساطة يابانية.

وهناك امر آخر يتعلق بالوساطة اليابانية وهو رمزيّة اليابان! فإن إختيار ترامب لطوكيو كوسيط يأتي من باب التذكير بالرد الأمريكي على إستهداف اليابان لميناء بيل هاربر الأمريكي اواسط القرن الماضي والذي ردّت عليه أمريكا بالقاء قنبلتين ذريتين على اليابان, ولعل في ذلك تذكير بالقوة الأمريكية في حال مهاجمة ايران للقوات الأمريكية في المنطقة, مع أن ايران ليست بصدد الشروع بالحرب ولكنها تحتفظ بحقها في الرد حال الإعتداء عليها, لكن هذه الإدارة الأمريكية المتشددة التي يقودها الصقور لن تتورع عن استخدام كافة أنواع الأسلحة لحسم الحرب لصالحها فيما لو اندلعت شرارتها.

وعند العودة الى أصل الموضوع وهو المفاوضات فإن الطريق تبدو شائكة إذ ليس من المؤكد في حال إنطلاقها أن يلتزم ترامب بما أعلنه في طوكيو بأنه لا يريد من ايران سوى تعهد بعدم تصنيع أسلحة نووية! فإن مثل هذا التعهّد يمكن ان تقدمه إيران عبر إتفاق وكما فعلت في الإتفاق النووي أو من خلال إعادة المرشد الإيراني لفتواه الصريحة بحرمة إنتاج تلك الأسلحة. ولذا فإنه من المتوقع أن تطرح الأدارة الأمريكية على طاولة المفاوضات كافة المواضيع التي طرحها وزير الخارجية الأمريكية ضمن شروطه الإثني عشر التي وضعها لتطبيع العلاقات مع طهران.

وتنقسم تلك الشروط الى مجموعتين تتمحور الأولى حول تقليص قدرات إيران العسكرية والثانية حول تقليص نفوذها في الشرق الأوسط. ولا شك أن مثل هذه المواضيع قابلة للتفاوض بهدف الوصول الى صيغة مقبولة من كل الأطراف, ولكن من المؤكد أن هذه الصيغة ستكون أشد صعوبة على إيران من صيغة الإتفاق النووي الذي وقعته مع إدارة اوباما وتنصّل منه ترامب. ولعل أهم موضوع على الجانب العسكري هو الصواريخ البالستية الإيرانية لإن البرنامج النووي الإيراني تحت السيطرة بحسب الإتفاق النووي.

إن ملف الصواريخ الشائك سيشكل عقبة امام نجاح أي مفاوضات, لأن ايران تعلم ومن خلال خبرتها الطويلة في التعامل مع الولايات المتحدة طول العقود الماضية ان أي تنازل منها على هذا الصعيد من قبيل وقف التجارب الصاروخية أو التخلص من ترسانتها من الصواريخ بعيدة المدى , فإنه سوف يثير شهية الأمريكان للحصول على المزيد من التنازلات وبما يؤدي الى إضعاف قدرات ايران العسكرية واستسلامها وهو ما لا ترضاه طهران .

واما على صعيد المجموعة الثانية والمتعلقة بتقليص نفوذ إيران في المنطقة, فهي قابلة للتفاوض لأن بعضها ليس من صلاحيات ايران ومنها نزع أسلحة الحشد الشعبي وهو مؤسسة عراقية, واما بالنسبة للإنسحاب من سوريا فهو قابل للتفاوض خاصة بعد أن تجاوزت سوريا مرحلة الخطر, وفيما يتعلق بحزب الله فلقد دخل المعترك السياسي في لبنان وهو ممثل في الحكومة اللبنانية التي يتعامل معها المجتمع الدولي وبضمنه الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الواقع ان هذه المجموعة من الشروط تهدف بالمقام الأول الى تعزيز أمن اسرائيل, وهو ما تسعى إدارة ترامب الى تحقيقه بشكل دائم عبر خطتها المعروفة بصفقة القرن لحل النزاع العربي الإسرائيلي. يتوقف نجاح هذه الخطة على عدم عرقلة ايران وحلفاؤها لها في المنطقة وخاصة بعد أن ضمن ترامب تأييد معظم الدول العربية لخطته او على القل عدم معارضتها. ولذا فإن ملف صفقة القرن هو أكثر الملفات الشائكة في أي مفاوضات , ولا يعتقد بان ايران بصدد التخلي عن مبادءها التي قامت عليها الجمهورية على هذا الصعيد.

وبعيدا عن لغة التشاؤم أو التفاؤل المفرط فإن الأرضية غير مهيئة لنجاح أي مفاوضات بين الخصمين اللدودين إيران وأمريكا, ولكن مثل هذه المفاوضات فيما لو بدأت فإنها ستبعد شبح الحرب عن المنطقة وحتى حين, ولكن ايران ستظل تحت وطأة الحصار الذي يستخدمه ترامب كورقة رابحة في أي مفاوضات, واما ترامب فإن الوقت هو الآخر ليس في صالحه مع قرب بدء المعركة الرئاسية التي يتطلع ترامب لحسمها في دورة رئاسية ثانية, وسيقع في مرمى الديمقراطيين ومنافسيه من الجمهوريين, الذين سيتخدمون تطورات النزاع مع ايران ضده بهدف هزيمته.

ويراهن ترامب اليوم على ورقة صفقة القرن للإحتفاظ بمنصبه معولا على دعم اللوبي اليهودي الأمريكي له ”آيباك“ , وهو يعرف بان هذه الصفقة لن يمكن تمريرها بلا ضمان عدم عرقلة إيران لها, ولذا فسيلقي ترامب بكامل ثقله في المفاوضات فيما لو انطلقت لضمان تمرير صفقة القرن مقابل رفع الحصار عن ايران وبدء صفحة جديدة من العلاقات معها.
وأما ايران فستتمسك بالمبادئ التي قامت عليها الجمهورية وستتحمل وطأة الحصار بإنتظار حصول تغيرات في أمريكا, وبغير ذلك فإن ساحة البيت الأبيض وقبيل إحتدام السباق الرئاسي, ستكون مستباحة لصقور الإدارة الأمريكية وأولهم مستشار الأمن القومي جون بولتون المتعطش للحرب!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here