أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٢٩)

نـــــــــــــــزار حيدر
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
لعلَّها النَّصيحة [الشيطانيَّة] الوحيدة التي تنفعُ النَّاسَ {لُومُوا أَنفُسَكُم ۖ}.
فلَومُ النَّفس وتحميلها المسؤُوليَّة تُحرِّض على الوقوف على الخطأ والتَّقصير ليتجنَّبهُ المرء فينتقل من مرحلةِ الفَشل إِلى مرحلة النَّجاح والإِنجاز.
أَمَّا إِذا ظلَّ الإِنسانُ يبحث عن شمَّاعات يعلِّق عليها أَخطاءهُ وذنوبهُ وتقصيرهُ وفشلهُ فسوفَ لن يقفَ على حقيقةِ المشاكل التي أَنتجت لَهُ كلَّ ذلك.
ومن السُّهولة بمكانٍ أَن يجدَ المرءُ أَعذاراً يرمي عليها فشلهُ، كما يصفهُ القرآن الكريم {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} ولكن من الصُّعوبةِ بمكان أَن يلومَ نفسهُ فيعترفَ بالأَسباب الذاتيَّة التي أَنتجت فشلهُ!.
وللأَسف الشَّديد فإِنَّ ثقافتنا قائمةٌ على أَساس البحث عن ذرائعَ لنرمي بها فشلنا، فنحنُ تلاميذ صغاراً في المدرسةِ نتذَّرع بعداوةِ المعلِّم إِذا رسبنا!.
ثم تتطوَّر ذرائِعنا ولسانُ حالِنا {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}.
أَمَّا في يَوْمِ القيامةِ فالذَّريعةُ جاهزةٌ للتهرُّب من المسؤُوليَّة {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.
طبعاً هذه هي ثقافة المُجتمعات الفاشِلة أَمَّا المُجتمعات النَّاجحة فعندما تريدُ أَن تبحثَ عن سببِ الفشل مثلاً فإِنَّها تغلق الأَبواب على نفسِها بحثاً عن الأَسباب داخل الغُرفة وليسَ خارجها!.
ونشبُّ ونكبر وتكبر معنى الذَّرائع حتَّى إِذا تسنَّم أَحدنا موقع المسؤُوليَّة في الدَّولة تتضخَّم الذَّرائع لتشمل كلَّ شَيْءٍ! فإِذا فشلَ فإِنَّ وراءَ فشلهِ [الصهيونيَّة العالميَّة] وإِذا لم يحقِّق أَهداف المَوقع الرَّسمي فأَكيد هُناكَ مؤامرةٌ دوليَّةٌ حاكت هذا العجز! وهكذا!.
ولذلك لم تجد لحدِّ الآن من يقف أَمام الكاميرا، وبشجاعةِ المسؤُول الحريص على بلدهِ وشعبهِ، ليعترفَ بالأَسباب الذَّاتيَّة التي أَنتجت فشلهُ كعدمِ خبرتهِ أَو بسببِ فسادهِ أَو لجهلهِ في ما يحتاجهُ المَوقع من علمٍ ومعرفةٍ! وغيرِ ذَلِكَ.
والمُضحك المُبكي هو أَنَّ [لَوم النَّفس] على الفشل وعدم القُدرة على الإِنجاز نسمِّيه [جلد الذَّات] الذي يلزمنا أَن نتجنَّبهُ لأَنَّهُ يضرُّ بِنَا! والبطولةُ كلَّ البطولةِ إِذا اكتشفتَ [المُؤَامرات] العالميَّة الخفيَّة التي تقف وراءَ فشلِنا!.
إِذا لم يتعلَّم كلَّ واحدٍ منَّا كيفَ يلومُ نفسهُ إِذا فشلَ أَو أَخفقَ في إِعطاء موقع المسؤُوليَّة حقَّهُ فسوفَ لن نقفَ على الأَسباب الحقيقيَّة للفشلِ وبالتَّالي سنظلُّ أَسرى الفشل طُوال الوقت.
أَلا يكفي أَن نتحدَّث عن [أَجندات] الدُّنيا كلَّها ونتحاشى الحديث عن أَجنداتِنا؟!.
نَحْنُ فنَّانون وخُطباء مفوَّهون وفلاسفة عندما نتحدَّث عن أَجندات الآخرين ومؤَامراتهِم ودورهُم التَّخريبي وعن سلبيَّاتهم وتقصيرهِم وفشلهِم وفسادهِم، وكيفَ أَنَّهم يخطِّطونَ لتدميرنا! ولكنَّنا نُتعتع إِذا اقتربنا بالحديثِ عن أَجنداتِنا ولامسنا في الكلامِ تقصيرنا وقصورنا!.
وإِنَّ مَن يفعل ذلك يظلم نفسهُ وهو يحاولُ أَن يغطِّي على الآخرين، والله تعالى يَقُولُ {بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا}.
قد يتصوَّرون أَنَّهم يفعلُون الشَّيء الصَّحيح ولكنَّهم على خطإٍ فضيع.
يَقُولُ تعالى {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا* ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}.
ومهما حاولُوا تزيين عملهم هذا إِلَّا أَنَّ النَّتيجة كما يصرِّح بها القرآن الكريم {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
وما أَروع ما قالهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {يَا أيُّهَا النَّاسُ طُوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَطُوبى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُل، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة!} وقولهُ (ع) {مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرهِ}.
فما رأيكُم لو نلتزمَ بهذهِ [النَّصيحة الشَّيطانيَّة] الوحيدة التي تنفعُ ولا تضرُّ!.
٢ حُزَيران ٢٠١٩
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Twitter: @NazarHaidar2
‏Skype: nazarhaidar1
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here