الإنحشارية!!

سلوك يتصف بآليات إنحشارية ذات خيارات أحادية , أي أن الفرد يضع نفسه في زاوية حادة تزداد ضيقا حتى لا يتوفر أمامه أي منفذ سوى أن يقاتل وبإتجاه واحد , وهذا ينطبق على الجماعة والفئة والمجموعة والحزب والشعب والأمة.

والكثير من المجتمعات والشعوب تنحدر إلى هذا المصار المتضايق الخانق الذي يجبرها على الدخول في متوالية التداعيات والخسران الشديد , وهذا ما يفسر ما يتحقق في ربوعها من التفاعلات السلبية والنكبات المزرية.

وفي واقعنا العربي يتضح أن القوى والأحزاب تتخذ هذا المنهج سبيلا للتفاعل مما يؤدي إلى تورطها بذاتها وموضوعها , وتحطمها تماما , ولهذا فأنها لم تنجح بإقامة تقليد تفاعلي ذي إنتاجية حضارية ذات قيمة إنسانية , وإنما أدمنت المراوحة والإنغراز في ذات المكان.

وبهذا السلوك فأنها تنحشر في زوايا ذات خوانق متعددة ومنافذ مفقودة , لأنها تراكم ما يمنع المروق من قبضة الحالة التي هي فيها , فترى الأحزاب في محنة وكذلك القوى والحركات المتفاعلة في واقع تساهم في إحراقه وتحويله إلى رماد ودخان.

ويبدو أن هذه النزعة تتحكم بها نبضات الموت المتحركة في الأعماق البشرية , وهي التي تدفع بالفرد والجماعة للوقوع في قبضة الإنقضاض على الحياة , أي أن الإنحشارية تشبه السلوك الإنتحاري الإذعاني وربما تتحول إلى الإنتحار العدواني.

ولا يُعرف تماما لماذا تتخذ بعض المجتمعات هذا المسلك سبيلا لتفاعلاتها مع وقائع الحياة ومستجداتها , وكيف أنها تصاب بنوبات إنتحارية هستيرية ذات عناوين متعددة ومتنوعة , حتى ليقف العقل متحيرا أمام هذه النزعات الإفنائية القاسية.

وقد يكون السبب الفاعل والناشط في تناميها وتطورها متولدا من تراكمات سلوكية وثقافية , ومفردات تعبيرية ذات طاقات إنحرافية وتزويغية تمكنت من الوعي الفردي والجمعي , حتى تملكته وتصرفت به وفقا لما تمليه عليه رؤاها.

أي أن النفس الأمّارة بالسوء قد تسلطت وتسيّدت ومارست حرية التعبير عن أهوائها الدفينة , المعتقة في أوعية تخمّرها على نيران العواطف والإنفعالات المتأججة والهادئة.

ولا يمكن لمجتمعات منحشرة في زوايا ضيقة أن تقدم شيئا نافعا , أو تتصالح مع واقعها وذاتها وموضوعها , لأنها في مأزق خطير ويمكن تشبيهها بالذي يقف على حافة الهاوية ولا يجد أي خطوة ذات خلاص , فيبقى في محنته وقد تحفزت جميع قدراته الإنفعالية والإنعكاسية اللازمة للتعبير عن تشبثه بالبقاء المرير.

فهل من مراجعات معرفية عقلانية إدراكية , تعلّم المنحشرين كيفيات التوصل إلى منافذ ذات ربحية مشتركة؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here