الوعود والعقود

علي علي

مقابل كل حقوق واجبات، ومقابل كل أخذ عطاء.. هكذا عرف جميعنا الحياة، وعلينا التعامل مع معيتنا على هذا الأساس. فكما مطلوب منا في مجتمعنا أداء واجباتنا المنوطة بنا، كذاك لنا ان نتمتع بحقنا في أخذ قسط من الراحة. ومن المعمول به في مؤسسات الدولة تحديد عمل الفرد بساعات معينة، تحددها ضوابط وقوانين مختلفة، ويكون إذاك من حقه التمتع بإجازة اسبوعية، وأخرى شهرية وثالثة سنوية.

ولكن ماذا لو طبقنا هذا على دوام مجلس نوابنا، لو علمنا ان تقريرا أصدره المرصد النيابي العراقي قبل سنوات في أوج حاجة الشعب إلى ممثليهم، إن معدل حضور اعضاء المجلس ودوامهم لم يتجاوز 12 يوم عمل، وكان المجموع النهائي للجلسات هو 84.35 ساعة خلال ثلاثة أشهر. وتضمن التقرير أداء مجلس النواب التشريعي والرقابي فضلا عن عمل اللجان ودورها في إنجاز مقترحات ومشاريع القوانين.

كما ان اعلى حضور للنواب كان 247 نائبا من مجموع 325 حينها! وكانت أقل الجلسات حضورا هي الجلسة 22 من الفصل التشريعي الاول للسنة الرابعة حيث سجلت حضور 187 نائبا. اما اكثر الجلسات حضورا فهي الجلسة 6 من الفصل التشريعي الاول للسنة الرابعة حيث سجلت حضور 247 نائبا. ولاأدري ان كانت هذه الممارسات خروجا عن القانون ام ان القانون عندنا فوق الجميع ماعدا أعضاء البرلمان!

يذكرني هذا بحكم المقبور او (مشعول الصفحة) او الـ (مرحوم) كما تحلو تسميته لدى البعض باصدار القرارات والقوانين وتشريعها وتنفيذها، وكيف كان يتمنطق بمفردات وعبارات منها عبارة (مطاطية القانون) إذ كان (يفصِّل) القانون وفق مقاسات لمجرد انها تنسجم مع مايصبو اليه من مآرب شخصية بعيدة عن مصلحة البلد والمواطن، وما ان تنقضي تلكم المآرب إلا وغيّر القانون حسب ماتقتضيه مقاسات أخرى له او لزبانيته.

اليوم في العراق الجديد من المفترض ان يكون سن القوانين والقرارات بيد فئة لايمكنها الاستبداد في إصدارها او البت في إقرارها، إذ أنها فئة من صنع المواطن نفسه وهو الذي وضعها موضع التشريع، ورفعها الى موقع الصدارة في صناعة القرارات، بعد أن وضع كامل ثقته بأفرادها، متوخيا فيهم المصداقية في العمل والحيادية في الحكم، والشفافية في التعامل مع متطلبات البلاد والعباد. إلا أن الأمر على ما قد بدا بعد اعتلاء صهوة الكراسي، واطمئنان فرسانها على مستقبلهم ومستقبل (ولد الولد) عميت الأبصار أمام الدولار، وحلت الصفقات محل الذمم، واستبدلت الوعود بالعقود، والتعهدات بالامتيازات، وبات المنصب (بسطية) او سوقا لتبادل الأوراق النقدية والمستندات المالية وبورصة العملات الصعبة، فعاد العمل بنظام المطاطية الصدامية (سيئة الذكر) لاسيما فيما يخص ساعات عمل نوابنا، ومايقابلها من إجازات وعطل و(كسلات) وسفريات وحجات وعمرات وعلاجات.. واللائحة تطول.

وتستمر المسرحية من فصل تشريعي الى آخر، وهم يبددون أحلام الشعب، ضاربين بعرض الحائط مصلحته ومستقبله، وبذا يخالفون مابدأت به مقالي هذا من مصطلحات، فالحياة لديهم مقابل الأخذ أخذ ثم أخذ ثم أخذ، ومقابل الحقوق حقوق وحقوق وحقوق، ولاوجود للعطاء والواجبات في قاموسهم البتة.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here