تنتشر على شبكات التواصل الإجتماعي الأقوال الجزيلة الحكيمة الناضحة من تجربة إنسانية عميقة ومؤثرة , لكنها لا تغير أحوالا!!
تلك حالة بشرية تتصل بالسلوك , فالأقوال المعبرة لا تساهم في تحقيق الإعتبار , بل تبقى أقوالا وحسب , لأن الطبيعة النفسية تتعلم بالتجربة القاسية , فالفرد يتعلم من تجربته أكثر من أي وسيلة أخرى للتعلم , خصوصا فيما يتعلق بمعاني الحياة ومعاييرها ومنطلقاتها.
إنها محنة سلوكية لها علاقة بإرادة الدوران وما تفرضه من قوانين على البشر والمخلوقات الأخرى الساعية على بدن الأرض , فنحن نتعلم ما يساهم في الحفاظ على بقائنا , أما المعارف الأخرى فأنها تنطلق من تجارب خاصة متصلة بالكائن الحي الذي يتفاعل مع ذاته وموضوعه , في مكانه وزمانه , فلكل حالة ما يأخذها إلى حيث ترى وتقرر.
وفي المجتمعات التي جردت الكلمة من الفعل والإنجاز فأن الموضوع سيكون أشد وأقسى , لأن قيمة الكلام تضيع وتصبح الحياة عبارة عن أقوال فارغة لا تتصل بفعل أو عمل , مما يجعلها بلا فائدة , ولا تأثير على الوعي والسلوك.
ولهذا تجد على صفحات التواصل الإجتماعي جواهر الكلام والحِكم التي تنتشر بكثافة عالية , لكن الواقع الذي تستهدفه تتآكل فيه الأشياء وتتصارع الموجودات بغابية مروعة.
مما يعني أن الميل لنشر الحِكم والأقوال يشير إلى العجز الحاصل في السلوك الجمعي , للإرتقاء بالحالة العامة إلى ما هو نافع وصالح للجميع , فتصبح الأقوال وسائل ترويح وتخدير للنفس والإرادة الفردية والجماعية.
كما أنها تتحول إلى فعل مهم وإنجاز يتصور القائمون به على أنه عمل مؤثر , ويمكنه تبديل الواقع الذي يرفضون وإلى غيره يحجون , بينما التجدد الحقيقي والبناء الحضاري بحاجة إلى قرارات سياسية وليس لأقوال بليغة وحكيمة , فالعِبر كثيرة ومتراكمة لكن الإعتبار البشري مفقود.
أما الأقوال فأنها أضواء خافتة قد لا تراها العيون ولا تعيها الأبصار , فالتغيير يكون بقانون يكنز قوة تنفيذية عالية وصارمة , وإن لم تصدقوا فاسألوا حمورابي!!
فهل من إعتبار يا أولي الألباب؟!!
د-صادق السامرائي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط