دولة من گرگري وانفلات أمني وقضائي في العراق

كاظم حبيب

نحن أمام ظاهرة جديدة وغريبة عن المجتمع البشري المتحضر برزت في السنوات الأخيرة في المجتمع والدولة في العراق، هذه الدولة الهشة وهذه السلطة الفاسدة وهذا المجتمع الذي يعاني من علل كثيرة حتى بات نقد الشاعر العراقي الذي صح عن العهد الملكي، يصح اليوم وأكثر من أي وقت مضى على عهد الحكومات العراقية المتعاقبة منذ ان سلطت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران نظاماً سياسياً طائفياً فاسداً وعدوانياً على المجتمع العراقي:

أي طرطرا تطرطري تقدمي تأخري وزارة من گرگري يرأسها العمري

والمقصود هنا أرشد العمري، ولكن يمكن اليوم وضع الأسماء التالية التي مارست الحكم منذ العام 2005 حتى الآن، وهي الجعفري، المالكي، العبادي والمنتفگي، بل كانت وزارة العمري أفضل وأشرف من الوزارات التي ترأسها هؤلاء الأربعة بأضعاف المرات لأنها لم تكن فاسدة ولا إرهابية.

هل سمعتم أيها العراقيون والعراقيات الكرام أن رجلاً معمماً بعمامة سواء يدعى واثق البطاط يهدد ضابط شرطة عراقي بقتله وسحله وتحويل جمجمته إلى منفضة سجاير. هل سمعتم بمثل هذا التهديد الشرس والسادي من شخص يقود ميليشيا طائفية مسلحة تابعة لإيران وفي وسط العراق، اليكم ما سجله البطاط في مقطع فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي بصدد تهديد الضابط بـ”اقتلاع عينيه” و”سحله” و”تحويل جمجمته إلى نفاضة سجائر، ثم ” الانتقام من عائلته وعوائل رؤسائه والمجموعة الأمنية التي قادها. وقال البطاط في ذات الشريط “إن جميع عمائم العالم الإسلامي أهينت”، وإنّه “إن لم يكن في البصرة رجال، ففي باقي المحافظات رجال”، لتنفيذ الوعيد. (راجع: واثق البطاط يهدد ضابطا عراقيا وعائلته بالسحل واقتلاع الأعين، موقع العرب، 17/04/2019). وجاء في نفس الموقع: ” واغتيل الضابط العقيد في الشرطة العراقية عبد الحسين التميمي في البصرة بعد هذا التصريح مباشرة.” والسؤال العادل والمشروع، هل يمكن أن يخطئ المدعي العام العراقي والقضاء العراقي كله تشخيص القاتل أو الذي دعا إلى قتل ضابط الشرطة؟ ماذا عملت الحكومة العراقية المقدامة أمام هذا التحدي الشرير للسلطة التنفيذية ومجلس النواب والقضاء العراقي، بل للدولة العراقية وللمجتمع العراقي برمتهما، أمام جريمة أعلن عن تنفيذها بسبق إصرار من قبل رئيس ميليشيتا طائفية إيرانية “إسمها حزب الله” وثار المختار، هذا المعمم الذي أعلن عن ولاءه التام لإيران وليس للعراق، حين قال إن وقعت الحرب بين العراق وإيران سأكون إلى جانب إيران الإسلامية، هكذا وبهذه الوقاحة. (قارن: الدكتور رشيد الخيون، “العمامة.. التي هدد بها البطاط”، جريدة الاتحاد، في 04/06/2019).

لم يكتف بذلك بل هدد هذا البطاط، النائب عباس البياتي، هذا النائب الأهبل والنموذج الفاضح لغالبية نواب قوى الإسلام السياسي العراقية ودُريع المالكي، بالقتل بالرصاص والبنادق ما لم يعتذر، لأنه شبه قادة الأحزاب الإسلامية الخمسة بأهل الكساء، وهم النبي محمد وفاطمة الزهراء وعلي ابن أبي طالب والحسن والحسين، في محاولة منه لجعلهم بقدسية هؤلاء الخمسة المقدسين عند الشيعة الجعفرية، بأمل أن يُسوّقهم سياسياً وإعلامياً. وكلنا يتذكر ثرثرة هذا النائب نفسه حين دافع عن المالكي بقوله، “إذا مات المالكي نستنسخ خلاياه ونأتي بمالكي اخر”، ويبدو إنه جاء هذا التصريح بسبب “عبقرية المالكي!!” التي فتحت أبواب الموصل ونينوى أمام جحافل الأشرار والمرتزقة وشذاذ الآفاق الداعشيين ليستبيحوا أهلنا في الموصل ونينوى وديالى والأنبار وصلاح الدين والفلودج..الخ. (راجع: موقع السومرية، فيديو بتاريخ 18/06/2012). كل هذا

يحصل ثم يقال بدون حياء إن في العراق دولة ودستور ومجلس نواب وقضاء عراقي. أفلا يصح اليوم وأكثر من أي وقت مضى قول الشاعر الكبير معروف الرصافي:

علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف

أسماء ليس لنا سوى ألفاظها……….أما معانيها فليست تعرف

ثم هل شاهد الشعب العراقي الفيديو الذي عرض مجموعة بشرية تزحف على بطنها وعلى ظهرها لتقدم الاعتذار إلى مقتدى الصدر وتطلب منه التوبة لأنها أخطأت، وربما سرقت مالاً أو نهبت داراً أو عذبت نفساً أو قتلت شخصاً، دون أن يقول القضاء العراقي أو السلطة العراقية أو مجلس النواب أو أي شخص عاقل في العراق كلمة بهذا الخصوص. لقد تحدث مقتدى الصدر وقال “أنا أعاقب”!! السؤال المشروع والعادل: من أعطاه الحق بذلك ومن خوله القيام بمهمة القضاء العراقي؟ يبدو أن لنا في عراق اليوم ثلاثة قوانين، القانون الأساسي (الدستور)، وقانون العشائر، وقانون رؤساء المليشيات الطائفية المسلحة والأحزاب السياسية الإسلامية. القانون الأول مجمد عملياً، في حين تمارس بقية القوانين. فماذا ينتظر العراق بعد الآن؟ هل واثق البطاط أو مقتدى الصدر يشكلان جزءاً من القضاء العراقي، ومن حقهم إصدار الأوامر بالاعتقال والتعذيب وفرض التوبة كما يشاؤون؟ أليس هناك قضاءً عراقياً ومحاكم ومدعين عامين من واجبهم التعامل مع هذه القضايا؟ أفتونا أيها الناس، أفتونا!

لقد سقط العراق في حمى الفوضى منذ سنوات ويوماً بعد آخر تشتد هذه الفوضى وتتفاقم. قبل فترة جرى اعتداء على مقرين للحزب الشيوعي العراقي في مدينتي الناصرية والشطرة، ولم يحصل أي شيء يذكر من جانب السلطات الحاكمة في محافظة الناصرية وفي بغداد، احتج لحزب الشيوعي ثم سكت! وقال الحزب الشيوعي كلمته كما يبدو “عفا الحزب الشيوعي عما سلف”. وقبل أسبوع تكرر المشهد وجرى اعتداء جديد على مقر الحزب الشيوعي بالبصرة برمي رمانة يدوية انفجرت في المقر في منتصف الليل فأحدثت أضراراً ولم تصب أحداً بجروح. وكان هذا العمل الجبان بمثابة تحذير للحزب الشيوعي العراقي، إذ يمكن أن يأتي ما هو أكثر، اعتداءات أخرى من هؤلاء الأوباش. ولم تفعل الحكومة ولا أجهزة الأمن ولا الادعاء العام ولا السلطة التنفيذية في البصرة والحكومة الاتحادية، ولا سائرون. الحزب الشيوعي العراقي شيئاً احتج ونشر رفض البعض لهذه الأفعال الإجرامية الجبانة، ولكن ماذا بعد؟ ماذا جرى للعراقيات والعراقيين، ماذا حصل لهم بحيث لم يعودوا ينتبهوا لما يجري لهم يومياً وكأنهم نياما. إنها المأساة والمهزلة في عراق اليوم!!!

إن جرى السكوت على هذه الأفعال سابقاً وإن سُكت عنها اليوم، وأن سُكت عن التهديد والوعيد وتنفيذهما بالقتل الفعلي أو بالاعتقال الكيفي خارج القانون وممارسة التعذيب أو أي عقوبة غير قانونية أخرى، سيكون يوم غد وبعد غدٍ أسوأ واسوأ. على الجميع تقع مسؤولية وعي ذلك وإدراك واقع أن المليشيات الطائفية المسلحة تشكل خطراً كبيراً على العراق وشعبه أياً كان صاحبها، فهي خارج الإطار الدستوري وتمارس أفعالاً خارج القانون العراقي. ويبدو أن الحكومة لا تختلف عن هذه الميليشيات أو أنها تابعة لأحزاب تشارك في السلطة السياسية وفي السلطتين الآخرتين أو تسكت عن تلك الممارسات لتبقى في السلطة دون أي إصلاح أو تغيير ادعت بتحقيقه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here