الدكتور احمد مرتضى احمد وقصة الطائرات الرئاسية في تونس

م عبدالزهرة مطر متعب

[email protected]

قبل ايام تداول عدد من النشطاء عبر تطبيق الواتساب رسالة تحث الحكومة للمطالبة باسترداد الطائرات الرئاسية الجاثمة على ارض مطارات تونس منذ ما يقرب اكثر من تسعة وعشرون عاما تقريبا، حتى خال لي ان الحكومات السابقة المسكينة قد قامت بكل ما يتوجب عليها في حفظ مصالح العراقيين وممتلكاتهم العامة ، ونسوا موضوع هذه الطائرات فقط لكي يتم مطالبة الحكومة الجديدة بذلك ، ومع ما لهذه الطائرات من دلالات هامة لكونها رئاسية ذات مواصفات خاصة ولها رمزية سيادية ، الا ان لا احد تحرك بهذا الاتجاه عندما كانت الظرف مؤاتية عقب سقوط النظام السابق وتغير الموقف الدولي باتجاه العراق ايجابيا ، فما كان ممنوعا سابقا اصبح مسموحا بعد 2003 ، وكانت فرصة للحكومات العراقية لأستغلال التأييد والتعاطف الدولي الذي ترجم في الغاء الديون وتقديم العون بلا حدود لان تستعيد تلك الطائرات حتى دون دفع اجور ارضية توقفها ، ولربما كان عمرها التشغيلي الافتراضي افضل من الان كثيرا ، ولان هذه الطائرات تخص رأس النظام السابق، كان بالامكان وبعد عودتها ضمها الى القصور والمنتجعات الرئاسية الكثيرة المنتشرة على مساحة العراق وفتحها امام السياح والزوار وتخصيص وارداتها للمتضررين السياسيين التي سجلت اعدادهم ارقاما مذهلة شملت حتى نزلاء السجون الذين اطلق سراحهم قبيل السقوط وسجناء الجرائم العادية ومناضلي رفحاء ومناضلي بعد ما اعرف شنو ، بدلا من تعويضهم من المال العام وجعل العراق بلدا بلا خدمات ولا مشاريع استثمارية ، واعتقد جازما ان هذا الفعل هو الصحيح لكون هذه الطبقة قد تضررت من رأس النظام وليس من الشعب الذي هو بقى المتضررالاكبر سابقا وحاليا

لكن في الوقت الحرج من ايام 1999 والموقف الدولي الخانع للارادة الاميركية وفي ظل الحصار الخانق ، كان هنالك عملا متفردا اتسم بالشجاعه والاخلاص والوطنية الخالصة كادت ان تعود تلك الطائرات الى ارض الوطن الا انه وفي اخر لحظة وقبيل الاقلاع بدلت الحكومة التونسية موقفها خوفا من ضغوط الادارة الاميركية ، واخلت بالاتفاق الذي تعهدت به في البداية بالموافقة على اعادتها بعد مباحثات اجراها الدكتور احمد مرتضى احمد مسبقا

كاد ان تكون هذه العودة على يد وزير النقل المبدع والمتفاني بعمله الدكتور احمد مرتضى احمد ، عندما خطرت فكرة استغلال رحلة ارسال الاطفال المرضى الى خارج العراق التي قامت بها الممثلة السورية رغدة وعلى نفقتها ، حيث قام هذا الرجل الهمام مستغلا ظروف هذه الرحلة ، بتحميل محركات طائرات على متن طائرة اليوشن من خلال تقسيم الطائرة الى قسمين جزء منه لنقل الاطفال والجزء الخلقي لحمل المحركات وبشكل متقن لا يلفت الانظار لكي تبدو الرحلة انسانية بحته ، مع مجموعة من المهندسين والفنيين المهرة الذين كانت تعج بهم شركة الخطوط الجوية العراقية وقبل ان يسيحوا في ارض الله الواسعه بين اميركا غربا وماليزيا شرقا بعد ان ضاق بهم وطنهم ، وخلال ايام معدودة وبجهد استثنائي وبموافقة الحكومة التونسية تم انجاز العمل في ابدال محركات الطائرتين الجاثمتنان على ارض مطار تونس لسنوات طوال (بوينغ 747 ( القادسية ) وبوينغ 737 (صقر قريش) وهما رئاسيتان وبمواصفات خاصة كلفت العراق اكثر من مائة مليون دولار كما صرح بذلك مصدر سابقا وهي من اموال الشعب المسكين ، وقبيل لحظة الانطلاق في رحلة العودة انقلب الموقف التونسي وتم منع مغادرتهما ، مما حدى بفريق العمل وبجهد استثنائي اخر فتح المحركات واعادتها الى ارض الوطن

لن نختلف ان النظام السابق هو السبب في كل مصائب العراق السابقة والحالية ، لكن العهد الجديد لا يقل سوءا ابدا ، ومع ذلك هنالك رجالات من النظام السابق بذلوا عملا استثنائيا وجهدا وطنيا مخلصا فيما يخص خدمة الشعب والحفاظ على الممتلكات العامة ، ولا يمكن مقارنة واخلاص اولئك مع من باع اليوم ممتلكات الوطن وثرواته الوطنيه وعطل المصانع وأثبط الزراعة من اجل تسهيل التجارة الخارجية وعلى حساب المنتج الوطني

ما قلته بحق الدكتور احمد مرتضى احمد شهادة للتاريخ ، وقد عشت لحظاتها عندما كنت مكلفا بصيانة منصات صيانة الطائرات في وكر صيانة الطائرات وهو عمل جرى وقتها لاول مرة من قبل كوادر عراقية خالصة ، وكان النجاح حليفنا نتيجة متابعة ميدانية يومية من قبل هذا المبدع المبدع الذي اشاد بالعمل واعد تقريرا فنيا عنه ليقدمه لكي لا يبخس جهد احد (احتفظ بنسخة من هذا التقرير)

لقد دأب البعض على شتم كل من عمل مع النظام السابق من غير تمحيص وكأن المسؤولين التنفيذيين الجدد ملائكة يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، اننا نشيد بمن يستحق الاشادة ، ولا ننكر ان بعض من تم تسليمهم المناصب ارتضى ان يكون اداة طيعه بيد النظام السابق في تحقيق رغبات الاخير بعيدا عن المصالح العامة التي تلامس متطلبات الجمهور، ، لكن هنالك من حقق منجزات كان لها صدى طيبا وذات مردود اقتصادي واجتماعي على البلد والمواطنين ، وساهمت في رقي البلد ، وهؤلاء احساسهم بالمواطنة وحب الوطن كانت تفرض عليهم ان يوظفوا خبراتهم وعلمهم لخدمة اهلهم وبلدهم ، بدلا من ان تبقى حبيسة صدورهم والخاسر الوحيد هو الوطن والمجتمع ، وهؤلاء لم يجدوا سبيلا سوى مسايرة النظام للوصول الى تحقيق امانيهم في ترجمة افكارهم الى الواقع ، ولو كانوا غير ذلك لانغمسوا في ملذات مكاسب السلطة كما يفعل الكثير الان من غير ان يرف لهم جفن الما لما آل له حال العراق والشعب، وحتى هذه الظاهرة تحسب للنظام السابق في اختياره للكفاءات الوطنية التي يراد منها خدمة المجتمع والدولة ، لا كما يجري الان من بيع للمناصب بشكل مهين ، او تولية الفاسد وغير المهني للمواقع التي هي ابعد ما تكون عن امكانيتهم المهنية وقابلياتهم القيادية ، والتي من نتائجها خسارة العراق لمليارات الدولارات وأستشراء آفة الفساد التي اصبح العراق بلد لا مثيل له عبر التاريخ والى يومنا هذا ،

والدكتور احمد مرتضى احمد وزير النقل الاسبق يشاركه الدكتور محمد مهدي صالح وزير التجارة الاسبق هما مثالين للاشخاص الذين عملوا بتفان واخلاص في اداء مسؤولياتهما ، ولم يكونا من المنظومة الفكرية للحزب و قيادة النظام ، وتركا بصمة في المسيرة الاقتصادية للبلد واشاعا سلوكا اداريا فذا جمع بين خدمة المواطن والدولة وبين خلق رضى نسبي عن الاداء الحكومي ليومنا هذا خصوصا في موضوع البطاقة التموينية التي ابدع فيها الدكتور محمد مهدي صالح والتي كما قلنا في مقالة سابقة كانت موضع اهتمام جامعة هارفارد الاميركية واعتبرتها نموذجا قابل للتطبيق في اوقات الازمات ، اما الدكتور احمد مرتضى ، فالرجل عمل على تطوير البنى التحتية لقطاع النقل في كل اتجاهاته ، معتمدا على الخبرات العراقية المتراكمة وتطويع الامكانايات المحلية في ظل ظروف الحصار الخانق ، وأستطاع ان يخلق مؤوسسات خدمية غاية في الانتظام وذات مردود مالي اعتبرت وقتها المصدر الثاني بعد النفط لميزانية الدولة ، كذلك استنهض كوامن الابداع لدى العراقيين العاملين في قطاع النقل ، واستطاع من مد شبكة قابلوات ضوئية غطت جميع مدن ومحافظات العراق بكلفة لم تتجاوز بضع ملايين من الدولارات هو كلفة القابلوات وفي وقت قياسي لم يتجاوز السنة الواحدة وكان شخصيا يشرف على ذلك عبر جولات ميدانية من البصرة حتى الموصل ومن خانقين شرقا حتى القائم غربا وقد كانت الشركات الصينية قد طلبت ارقاما خياليا بغلت عطاءتهما مئات الملايين من الدولارات وبفترات تنفيذ طويلة

وقبلها سجل حضورا متميزا في مشاريع كبيرة مثل برج بغداد في المأمون وجسر ذي الطابيقين من خلال استنباطه لبدائل محلية كان يصعب الحصول عليها من خارج العراق في ظل الحصار الخانق ،

اليوم يحاول البعض ان يقلد سلوك الدكتور احمد مرتضى في العمل ، لكن فات هؤلاء ان الفرق لشاسع بين الثرى والثريا ، بين من كان عفيفا يقضي كل يومه في العمل وياتيه ( السفرطاس اليومي بمحملا بالتمن والمرق وبضع صمونات ، يشبه عفاف عبدالكريم قاسم) وبين من وصلت نثريات ضيافة مكتبه الى مئات الملايين من الدنانير شهريا كما صرح السيد ضياء الخيون مدير مصرف الرافدين السابق كان الاجدر بالحكومة والقضاء ان يتخذ ضدهم اجراءات قانونية واستعادة تلك الصرفيات ، وهناك من يتضور جوعا وهو شريك في هذه الاموال المنهوبة ، وبين من يلبس بزته الزيتوني البسيطة والانيقة في ان واحد وبين من تكلف بدلاته التي لا حصر لها والتي تكلف الواحدة منها اكثر عشرة الاف دولار

والدكتور احمد مرتضى قسم يوم عمله صباحا في الوزراة وعصرا جولات ميدانية وليلا مداولات مع منتسبي تشكيلات الوزارة التي انشطرت الان الى وزارتين وبمدى عمل اوسع من عمل الوزارتين الان ، وكان يحفظ تفاصيل كل تشكيل اكثر من مسؤول التشكيل نفسه ولطالما احرج بعضهم بذلك ، اما اذا كانت جولاته للمحافظات فكان يقلب المعادلة صباحا للجولات ومساءا لبقية النشاطات ولا يعود الى بيته الا بعد الواحدة ليلا ،

هنالك من الجولات التنكرية لهذا الرجل الفذ لا تسمح به مقالتنا هذه لكثرتها وامتدادها على ايام غطت عشر سنوات من فترة استيزاره ليكون هو والدكتور محمد مهدي صالح الاكثر مدة في وزارات النظام السابق

ما احوجنا اليوم الى عقول نظيفة ووطنية لكي يستعيد العراق عافيته ونركل الخبث الى مزابل التاريخ من هذا الكم الغث من المسؤولين التنفيذيين

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here