المغنّي الأعـمى – للشاعر الألماني فريدريش هولدرلين (1770-1843) –

ترجمة د. بهجت عباس

أين أنتَ، أيـّها الفتى! الـذي يوقـِظـني دوماً

في ساعة الصّبـاح، أين أنتَ، أيّها الضِّـياء!

القلـبُ صـاح،ٍ ولكنَّ اللـيلَ يُطـوِّقـُني

ويُـقـيِّـدُني في سحـر مُـقـدَّس على الدوام.

**

وطالما أصغيتُ إلى الفجر باشـتياق،

وطالما انتـظرتُـكَ بلهـفةٍ على التّـلِّ، ولكنْ ليس دون طائـلٍ!

لمْ تخـدعْـني قطّ ُ، يا رفيـقي، رُسُـلُـكَ، ونسائـمُـكَ،

وكنتَ تأتي دومـاً.

**

أتيتَ مُـبهِجـاً المَـسالـكَ الطبيعيةَ كلَّـها بجـمالِكَ،

أينّ أنتَ، أيّها الضِّـياءُ!

القلبُ صاحٍ مرةً أخرى، ولكنَّ اللـيلَ الذي لا ينتهي

أبداً يُطـوِّقُـنـي ويَهـصِرنـي دومـاً.

**

وطالما اخضَوضَرتِ العرائـشُ لي؛ وتـألّـقتْ

الأزهارُ لي؛ كما تومضُ عينـايَ،

وليست بعيدةً عني كانت سـيماءُ أحبّـائي،

أضاءتْ لي وفَـوْقـي.

**

وحينما كنتُ صبيّـاً، رأيتُ أجنحةَ السّماء

مُـتَجـوّلـةً حـول الغـابـات.

والآن، أجلـسُ هـنا وحـيداً خاشـعاً،

من ساعة لأخرى ولمتعةٍ خاصّة بها

**

تصوغ مُخيّـلـتي

أشكالاً من لـذّة الأيّـام الرائـعة وعنائـها،

وبعيداً أ رهِـفُ السَّـمعَ، فَـلَـربّمـا لا يأتـي

إليَّ مُـنقِـذ عَطـوف.

**

ثمَّ إنّي أسمع صوتَ الرَّعـد غالـباً

في الظّـهـر، عندما يأتي القاسي مقـترباً،

عندما يهتـزّ بيتُـه، ويُـقَـعْـقِـعُ تحته أسـاسُـه،

والجبلُ يُـردّد الصَّـدى.

**

ثمَّ إنّي أسـمع المُـنقِـذَ في الليل، إني أسمع

قاتـلاً له، المُحـرِّرَ، باعـثاً فيه الحـياةَ،

أسمع الرّاعـدَ من الغرب إلى الشرق

مُسـرِعاً، وأنتِ تتـرنَّـمينَ من بَـعـدِه

**

وراءه، يا أوتاري! إنَّ أ ُغـنـيـتي تعـيش معه،

وكما يَـتـبع النبعُ المُـتَـفجِّـرُ التيّـارَ، أيـنما يشاء،

كذلك يجب عليَّ المُضِـيّ ُ قُـدُماً واتِّبـاعُ

ما هو مُـؤَكَّـد ٌفي المتاهـات.

**

إلى أين ؟ إلى أين ؟ إنني أسـمعك هنا وهناك،

أيّها الـرائـعُ! وكلّ ما يُحـيط بالأرض يترنّـم.

أين تنتهـي ؟ وماذا، وما الذي

يتّجسَّـدُ فوق السّـُحُـب، أوه وماذا عنّـي ؟

**

يا يومُ! يا يومُ! أنت الذي فوق الغـيوم المُتَرنِّـحة!

أنت الذي أرحِّب به! إنَّ عينـي تُـزهـرُ لك.

آه! يا ضياءَ الشبابِ! آه أيتها السعادة! القديم مرةً أخرى!

ولكـنَّـك أكـثـرَ روحانيةً تـنحدر إلى أسفلَ.

**

أنتَ أيّها النَّـبعُ الذَّهـبيّ ُ من الكأس المُـقَـدَّسةِ! وأنتِ،

أيتها الأرضُ الخضراء، مَهـدَ السَّلام، وأنتَ،

يا بيتَ آبـائي! وأنتم يا أحبّـائي!

الذين لَـقـوني ذاتَ مرّةٍ، أوه اقـتَـرِبـوا!

**

أوه تعالـوا، أنـتم، أنـتم الذين يُـْسعَـدُ بهم،

أنتم جميـعاً، الـذين يبـاركـكُم الرّائـي!

أوه خُـذوا ما أعـاني، خُـذوا منّي

هذه الحـياةَ الإلهـيَّـةَ مـن قلـبي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here