تعددية الاديان . . والتعصب ا

ادهم ابراهيم

في الثمانينات من القرن الماضي طلبت الحكومة الهندية من وزارة الخارجية العراقية سحب احد دبلوماسيها في السفارة العراقية في نيودلهي , واعتبرته شخصا غير مرغوب فيه لكونه قد تطاول على احد المعابد واساء لمشاعر طائفة تقدس الاعضاء التناسلية
وفي النيبال تم تصوير احد البوذيين وهو يزحف على يديه وبطنه مدة سنة كاملة ليؤدي مناسك الحج في معبد مقدس

وقبل ايام ارسل لي صديق فديو لجماعة يعبدون البقرة . وهي تدوس على ظهورهم برفق وهم ساجدين لها

وقيل ليهودي ان المسلمين سيدخلون الجنة فاجابهم . ان الجنة ليست خان جغان ! ( احد خانات بغداد في العشرينات ويستخدم كفندق )٠

وهذا يدل على ان العالم كله فيه اديان مختلفة . ولسنا وحدنا من يملك دينا . وكثيرا من الاشخاص يعتقدون ان دينهم افضل من بقية الاديان وهاهم اليهود يعتبرون انفسهم شعب الله المختار
والاكثر من التعددية الدينية في العالم هناك تعددية مذهبية . واندلعت حروب شرسة ذهب ضحيتها ملايين من المسيحيين البروتستانت والكاثوليك . لم تنته الا بعد ان ادرك الجميع ان الدين لله والوطن للجميع . وتم احلال الوطنية محل الولاء الديني او المذهبي
وبالرغم من ان القرآن قد حسم هذا الموضوع عندما قال لكم دينكم ولي دين . و ان الله يحكم بينهم يوم القيامة . فمازلنا نجد بعض المتعصبين يستأثرون بالدين ويكفرون الاخرين سواء كانوا من اديان اخرى او مذاهب لايتفقون معها . وكل حزب بمالديهم فرحون
وعندما جلب الامريكان الديموقراطية المشوهة الى العراق قسموا الشعب العراقي الى طوائف ومكونات . وكان من نتيجتها سفك دماء بعضهم لبعض . ومازالت الدماء تجري في السر والعلن من اجل فرض دين او مذهب معين على الاخرين ، وهذا ناتج عن الاحساس المزيف بقدسية دينهم او مذهبهم وافضليته على بقية الاديان والمذاهب , وبالتالي يجوزون قتل الاخرين باسم حماية المذهب , وهكذا يستمر الصراع الديني والمذهبي

، في كتابه ( في ظلال القرآن ) يختزل سيد قطب تعددية الاديان عندما يقول ان القوى الانسانية نوعان ، قوة مهتدية ، تؤمن بالله وتتبع منهجه . وهذه يجب ان نؤازرها ونتعاون معها على الخير والحق والصلاح . . وقوة ضالة لاتتصل بالله ولاتتبع منهجهه . وهذه يجب ان نحاربها ونكافحها ونغير عليها . . وفي كتابه معالم على الطريق يذكر سيد قطب ان الاسلام لايعرف سوى نوعين من المجتمعات ، مجتمع اسلامي ومجتمع جاهلي . . وان الاسلام يقيم حكم الله والوهيته في العالم وحكم الشريعة الالهية في شؤون الانسان
وبذلك فهو يشرعن استئثار الحاكم بامر الله بكامل السلطات باسم الله . وهذا ماتبنته الاحزاب والحركات الاسلاموية الحالية مثل القاعدة والاخوان وحزب الدعوة وولاية الفقيه ايضا . وقد ظهر الحكم باسم الله جليا في الدولة الداعشية , حيث استباحوا كل شئ , واعملوا السيف في من يخالفهم تحت عنوان الحاكمية لله ، وماعداهم كافر يستحق الموت

ولم يفكر احد من الناس كيف اصبح من هذا الدين او المذهب ولم يكن من دين او مذهب اخر . فنحن لانختار مذهبنا او ديننا ، وانما نولد وفي رقابنا التبعية الدينية والمذهبية . فلماذ نتعصب ونتطرف اذا . . ان هذا يعود الى التربية في الاسرة ومكان العبادة والمجتمع . والتثقيف للتطرف وانكار الاخر وزرع الاوهام بافضلية دينه او مذهبه على بقية الاديان والمذاهب . وهذا ايمان كاذب فلا احد يستطيع ان يثبت ان دينه او مذهبه هو افضل من الاديان والمذاهب الاخرى
وكل يستند الى نصوص مكتوبة او متداولة على اعتبار انها مقدسة . وينفي القدسية عن النصوص الاخرى ، او يدعي انها باطلة
وقد جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتزيد من التحزب والتطرف . وهناك جهات ممولة ، واخرى منفذة . وكثير من الناس يساهمون في نشر التعصب والافكار المتطرفة عن وعي او جهل وسذاجة . وقد ادت هذه الممارسات الى الضرر البالغ في النسيج الاجتماعي ، ومازالت تمثل تهديدا متزايدا للسلم الاهلي ولروح المواطنة ، والعيش المشترك

وبالرغم من ان نشر الافكار الدينية والطائفية المتعصبة يؤدي الى الانقسام وعدم الاستقرار ، الا ان الحكومات في الدول المتخلفة مازالت مصرة على استغلال سذاجة المواطنين لنشر التطرف المذهبي
كوسيلة سهلة لتسييس الناس وضمان ولائهم وغض ابصارهم عن فساد هذه الحكومات وصرفهم عن التفكير بمشاكلهم الاجتماعية والاسرية المشروعة . . وهذه السياسات الضارة هي التي جلبت ويلات عديدة لكثير من الشعوب ، لاسيما اذا احست طائفة ما بتهميش الدولة لها او اعتبارها منبوذة . ويتم ذلك غالبا من خلال سن التشريعات التي تعزز التفرقة بين المواطنين وتقسيمهم على اسس دينية وطائفية وليست وطنية ، والتثقيف بها على نطاق واسع ، مما قد تؤدي في النهاية الى تقسيم البلاد , وترسم خرائط سياسية جديدة ، نتيجة التباس الهوية الوطنية والاغتراب
اننا لانطالب بالتخلي عن الدين والطائفة . فمن حق كل فرد ان يؤمن بمايشاء وعلى حسب قناعته سواء بوراثة المعتقد كما يحصل عادة ، ام بالاختيار المبني على القناعة الفكرية . ولكننا نطالب بعدم مصادرة حرية الاخرين بتبني المعتقدات الوراثية او الاختيارية المختلفة . فليس من حق احد فرض عقيدته على الاخرين . وان حصل التعصب هذا في الماضي فلايمكن قبوله الان في القرن الحادي والعشرين ، لان ذلك سيؤدي الى التناحر . واقتتال ابناء الوطن الواحد . . كما ان عقيدة الاغلبية لاتبرر سلب عقيدة الاقلية او الهيمنة عليها . فالاغلبية لاتعني صواب الرأي
اننا نطالب التربويين والمثقفين واصحاب الرأي والكلمة ، قبل عامة الناس بان يتقوا الله . وينشروا مبادئ حرية الانسان ويعلموا المواطنين روح التسامح وتقبل الاخر , ونبذ التعصب لاي دين او مذهب . فلدينا اديان ومذاهب متعددة ، يتوجب علينا جميعا التعايش معها من دون تمييز او نظرة استعلائية او افضلية ، لتحل روح المواطنة المبنية على الحقوق والواجبات محل التزمت والتعصب الديني او المذهبي الذي عانينا منه كثيرا وذقنا الامرين
ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here