كفعل السابق سيفعل اللاحق

علي علي

على الرغم من تجاوز العراق خمس عشرة سنة، وهو يرفل بنعيم الحرية المزعومة التي أمطرتها عليه سماء العام 2003 إلا أن الرعد والبرق والزوابع والأعاصير مازالت تتصدر معطيات تلك السماء في ذاك العام، إذ لم يكن الشخوص الذين تلقوا هبة السماء بخسف الأرض بـ “هدام العراق” كما يحلو لهم أن يسموه، جديرين بصون تلك الهبة وتجييرها لصالح البلاد والعباد، فضلا عن ديمومة وتجديد تلك الهبة، لاسيما أن العالم في عصر التحديث المستمر في جوانب الحياة كافة.

ويبدو ان النسيج الإجتماعي وتنوع شرائحه في العراق سيستمر على نسق ونمط ثابت، كما رسمه الساسة والقادة، وفصّلوه (غسل ولبس) على مقاس المواطن الذي مافتئ يمارس في حياته ثوابت رتيبة فهو: يطيع، يضحي، ينتخب. والنتيجة: يجوع، يُحرَم، يُسرَق ويَكظِم غيظه، وكأن العمل مازال ساريا بشعار البعث “المرحوم”: البعثي أول من يضحي وآخر من يستفيد، وحل مكان البعثي مفردة المواطن. فالأديب او الشاعر على سبيل المثال، يعيش ألم وطنه وأهله وناسه ويتحسس همومهم، يسمو بحسه، وينظم قصيدة تنزف من جراح العراقيين، والنتيجة: يلقيها في محفل حضره رئيس من رؤساء المجالس الثلاث او وزير او “صماخ”، ويفرح شاعرنا وهو يراهم يصفقون له بحرارة، ظانا ان شكواه وصلت آذانا صاغية، لكنهم في حقيقة الأمر كانوا ينفضون أيديهم ان لاشيء مما في القصيدة سيتحقق.

الكاتب هو الآخر يتألم لما يراه في مجتمعه، ينتقي الحروف الهجائية، يستخرج منها عصارة ثقافته وأفكاره، يكتب شكوى اومقالا يصف فيه حال الخدمات المتردية أو البنى التي اصبحت دون التحتية، ويستعرض سوء الحال في مايراه من أوضاع البلد، بدءًا من مدارسه مرورا بمستشفياته ومؤسساته وباقي مرافئه، وبعد ان تصل الى أنظار المسؤول الرفيع، تـُعامل كأنها موضوع إنشائي كتبه تلميذ، والسيد المسؤول قد يتعب أنامله بتصحيحه. وبذا يكون الفرق بين المسؤول وكاتب الشكوى كقول نزار قباني:

الحرف عندي نزيف دائم

والحرف عندك ماتعدى الإصبعا

والإعلامي يعشق مهنته ويمارسها بإخلاص معرضا نفسه لأخطار شتى، والنتيجة: يُبخس حقه، يُكمَّم فاه، يُضطهد، يجوع، يمرض، يموت من دون عزاء. وهكذا تستمر يوميات العراقيين بهذه الرتابة. وأظن ان هذه الرتابة تأخذ مع شريحة السراق ذات المنحى لكن بشيء من الخصوصية المعمّدة بالمحسوبية والمنسوبية، إذ هم يسيرون بخطى رتيبة بجميع درجاتهم ورتبهم ومراتبهم، وذلك طبعا يتبع قربهم من المسؤول ودرجته، وتحت أية قبة يجلس وعلى أي مفصل من مفاصل البلد يتربع.

وتستمر الرتابة حتى آخر نفَس من السرقات، والنتيجة واضحة ومدروسة النتائج، فمكان السراق مهيأ في إحدى الدول الشقيقة وغير الشقيقة وهي كثر، وان صدر حكم غيابي فانه كما قال وزير التجارة الأسبق فلاح السوداني: (لم تهتز له شعرة من رأسي).

ومايلوح في أفق مستقبل العراق، ليس بأحسن من ماضيه، زمانا ومكانا وشخوصا، فكما فعل السابقون، سيفعل اللاحقون، الذين لهم أول وليس لهم من آخر.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here