التفكير النقدي … درسا مستقلا

ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – كلية شط العرب الجامعة – البصرة [email protected]

في سنغافورة التي تصنّف عالميا بأنها واحدة من بين أفضل بلدان العالم في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم يناقش المسؤولون توسيع برامج (التفكير النقدي) لتشمل رياض الأطفال ، أما في بريطانيا فالمسؤولون خلاف ذلك مشغولون بالتخلي عن التفكير النقدي في مرحلة التعليم التي تسبق الجامعة A-level. ويسعى التربويون للتغاضي عن هذا المكون النقدي في تدريس الأطفال والذي يؤهلهم للتميز والأبداع.

أن الشباب يحتاجون لمعرفة كيف يفكرون وليس معرفة ماذا يفكرون به ، بمعنى أنهم بحاجة لأن يعرفوا كيفية تقييم الحوارات وتحليل الحجج وطرح الأسئلة والتفكير بالمعنى. وفي عام 2008 قام الباحث الكندي فيليب أبرامي Philip Abrami بتحليل 117 دراسة تناولت تدريس التفكير النقدي بفاعلية وكانت النتيجة واضحة حيث تبين أن مهارات التفكير النقدي تنمّي مقدرة الطلبة على دعم تعليمهم في المواضيع كافة. والطريقة الأفضل لتزويد الطلبة بمثل هذه المهارات تكمن في تخصيص درس التفكير النقدي ضمن جدول الدروس الأسبوعي ، فضلا عن تدريس هذا الموضوع من خلال مختلف المواد الدراسية التي يشملها المنهاج الدراسي. وقد توصل ابرامي الى أن أفضل طريقة لتدريس مهارات التفكير النقدي تتم من خلال (حوار نقدي) حقيقي مع المدرسين وفي مابين الطلبة أنفسهم ، أي عبر حوار حقيقي وليس تدريبا مبتدعا.

ولاتقتصر أهمية التفكير النقدي على التلاميذ في المدارس فحسب أنما تمتد الى التعليم العالي فالجامعات تطمح الى أن يتمتع الطلبة الذين يلتحقون بها بمهارات التفكير النقدي ليتسنى لهم تحليل الأعمال الفكرية البارزة ومناقشتها ، فنحن على سبيل المثال نحتاج الى مثل هذا التفكير لدراسة أعمال سيمون دي بوفوار Simon de Beauvoir وخاصة أستعانتها بعلم الأنسان (الأنثروبولوجيا) وعلم النفس والتاريخ في عملها الموسوم (الجنس الثاني) The Second Sex والذي يضم تحليلا مثيرا لوضع المرأة.

مع ذلك ترى الكثير من الجامعات ضرورة أستحداث أحد المواضيع الدراسية (الكورسات) لطلبة السنة الأولى لتعزيز أطلاعهم على الموضوع سيما وأن هناك موقفا مرتبكا حيال أكتساب مهارات التفكير النقدي بالمدارس ، ففي بريطانيا على سبيل المثال تم أستبعاد التفكير النقدي في المرحلة التي تسبق الجامعة بأعتباره موضوعا (سهلا) وحدد علم 2017 لأيقاف هذا الموضوع رغم أنه كان من أصعب المواضيع في حال سعي الطالب للحصول على درجة A ، وهو أمر لاحظته حين توليت رئاسة اللجنة الأمتحانية لأمتحان (أوكسفورد وكيمبردج و RSA) OCR ، وهناك دليل آخر من جامعة كيمبردج حيث وجد أن الطلبة الذين حصلوا على مؤهل التفكيرالنقدي تمكنوا من الحصول على درجات أفضل في المواضيع الآخرى.

في ضوء ماذكر في أعلاه لاينبغي تدريس التفكير النقدي بهدف أداء الأمتحان فالكثير من المدارس تدرس الأطفال مهارات التساؤل والتحليل والتفكير مليا في المواد التي يدرسونها. في هذا الشأن أثبت علماء

النفس المعرفي قدرة الأطفال بعمر 4 سنوات على التفكير. من ناحيتي أعمل في الوقت الحاضر مع مدرسة ميريلاند الأبتدائية Maryland Primary Schoolفي لندن على بلورة برنامج يتناول تطوير مهارة التفكير. وهذه المدرسة ليست مدرسة نخبة أنما يلتحق بها الطلبة من شرائح أجتماعية مختلفة. ويعتقد القائمون على المدرسة أن التفكير النقدي يشكل دعامة اساسية تكفي لجعل مدرستهم (حسنة الأداء) ويطمحون بأن تكون (متميزة) في نهاية المطاف. أضف الى ذلك أن الأطفال الذين يدرسون في هذه المدرسة يتقدمون على أقرانهم في المدارس الأخرى التي يتوقع فيها المعلمون بأن يتطور التفكير النقدي من خلال التعليم التقليدي وبذا سوف يكونون مؤهلين بشكل أفضل للتفكير بمرونة وأبداع في سوق العمل في القرن الحادي والعشرين حيث بدأت التكنولوجيا تهيمن على نحو متزايد على المهارات المعرفية البسيطة.

ومن الناحية الأقتصادية تحتاج البلدان القوية في أن يكون مواطنوها قادرين على التفكير النقدي وحل المشكلات بشكل أبداعي. ويتعين على أي بلد يقيّم التعليم أن لايبدأ تدريس التفكير النقدي في المرحلة الجامعية بل يتعين الشروع بتدريس هذه المهارة أبتداء من رياض الأطفال!

https://www.macat.com/blog/2017/11/24/why-critical-thinking-needs-to-be-taught-as-its-own-class

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here