نيران صديقة تربك الأمن في الطارمية ووصمة داعش تعرقل تشكيل حشد عشائري

بغداد/ وائل نعمة

تسير الحملة العسكرية الأخيرة في قضاء الطارمية، شمالي بغداد، التي بدأت قبل 3 أيام، باتجاه نتائج متوقعة، حيث لم يُعثر على أي مسلح حتى الآن، فيما تزداد الشكوك بأن إرباك الأمن في تلك البلدة تقف وراءه بعض الروايات الغريبة.

تنفرد الطارمية، ذات الطابع الزراعي، بأنها البقعة الوحيدة تقريباً في بغداد التي لم تهدأ منذ سنوات، رغم تنفيذ عدة عمليات لتثبيت الأمن، كانت كبراها قبل عامين- قبل إعلان النصر على داعش بعدة أشهر.

في تلك الحملة التي نفذت في نيسان 2017، جُرّد الجميع (السكان) من أسلحتهم، حيث كان ينظر الى أغلب الأهالي هناك على أنهم “دواعش” او متعاطفون مع التنظيم، على أقل تقدير، وهي وصمة مازالت تلاحقهم حتى الآن، رغم أن البلدة لم تسقط بيد التنظيم.

يقول عدنان المشهداني، ممثل القضاء في مجلس محافظة بغداد، لـ(المدى) إن “مشكلة الطارمية هي بسبب تعامل القوات الأمنية السيئ مع السكان”، مضيفاً، نقلاً عن شهادات الأهالي، أن القوات الأمنية “تقوم بابتزازهم وإهانتهم بشكل علني”.

ومنعت شبهات الانتماء الى التنظيم، بحسب المسؤول المحلي، من تسليح العشائر – كما جرى مع الكثير من المناطق الواقعة في أطراف المدن ــ وترك السكان يتعرضون لمخاطر لم تستطع القوات الأمنية بمفردها التصدي لها.

ويقول المشهداني: “منذ سنوات نطالب بتشكيل فوج من أبناء المدينة او قوات تابعة للحشد، لكن يتم رفض الطلب دائماً.”

يمنع السكان، وفق ما يقوله المسؤول، من التطوع في صفوف الجيش او الشرطة، والسبب بحسب زعمه أن “سكان الطارمية دواعش”.

ويصف مسؤولون في بغداد تابعين لأحزاب شيعية، القضاء بأنه مزيج من تحالف “وهابي- بعثي”، وتلك التهمة كافية لمنع أي تقارب بين القوات الأمنية والسكان.

وشهدت الطارمية حوادث نادرة، فالبلدة التي تبعد نحو 20 كم شمالي بغداد، ومع انحسار قدرة “داعش” بعد التحرير على تنفيذ هجمات، فجرت امرأة في شباط 2018، نفسها بعد محاصرتها في مدرسة.

وقبل الانتخابات التشريعية الأخيرة (جرت في أيار 2018) شنّ مسلحون، يعتقد بأنهم ينتمون الى داعش، هجوماً عنيفاً على البلدة، قتلوا خلاله 21 مدنياً، بينهم 14 من عائلة واحدة أُعدموا فور اقتحام المنطقة، وأصابوا أكثر من 30 آخرين.

وتدور شكوك في المدينة بوجود بقعة مجهولة، تسمى “الهورة”، وهي مستقنع مائي تحيطه أحراش كثيفة، يختفي داخلها المطلوبون. وسرت إشاعات حول ذلك المكان بأنه “خط أحمر” لا يمكن التقرب منه لأسباب سياسية!

يقول رزاق الفراجي، أحد وجهاء الطارمية، لـ(المدى): “نحن لانعرف ماذا يوجد في تلك البقعة، نسمع أن القوات الأمنية مشّطت المنطقة عدة مرات ولم تعثر على شيء.”

قضية الهورة، واحدة من الروايات التي يعتقد أنها تقف وراء إرباك الأمن في الطارمية، مثل ما حدث بعد الهجوم الأخير الذي جرى قبل الانتخابات.

بعد استبدال القوات

قبل الهجوم، استبدلت القوات التي تحمي المنطقة بأخرى، لكن هناك معلومات حول وجود صراع خفي بين القوتين الجديدة والقديمة والتي تبقت منها مجموعة محدودة، ورغم ذلك يتهم السكان بالإخلال بالأمن.

ظهر هذا الصراع، بحسب مسؤولين في الطارمية، حين انفجرت عبوة ناسفة مطلع حزيران الحالي بالقرب من مقر القوتين (القديمة والجديدة)، بعدها حدثت اشتباكات مع “داعش”، بحسب الرواية الرسمية.

بيانات القوات الأمنية كانت مرتبكة في توصيف ما حدث، فقال أول بيان صدر عن خلية الإعلام الأمني التابع للحكومة، إن “القوات الأمنية أجرت عملية تفتيش بحثاً عن عناصر إرهابية أقدمت على تفجير عبوة ناسفة على عجلة تابعة إلى اللواء التاسع والخمسين في القضاء.”

وأضافت أنه “خلال عملية الإخلاء حصل إطلاق نار من أحد البساتين القريبة من مكان الحادث، حيث ردّت قواتنا على مصادر النيران، وقد أسفر الحادث عن استشهاد ٤ مقاتلين وإصابة ٤ آخرين”.

لكنها عادت بعد ذلك بوقت قصير لتصدر بياناً ثانياً قالت فيه إن “قواتنا البطلة تمكنت من قتل ٣ إرهابيين من الذين أقدموا على إطلاق النار على قواتنا هناك (في الطارمية)، ومازالت عملية البحث والتفتيش مستمرة”.

بحسب عدنان المشهداني، فإن عدد الضحايا بسبب ماجرى في ذلك اليوم هو 25 بين قتيل وجريح من عناصر الأمن، مضيفاً أن “الشهداء والجرحى وقعوا بسبب نيران صديقة”!

ويقول المسؤول المحلي إن هناك خلافاً بين القوتين في الطارمية، وإن الانفجار وقع بين برجين تابعين للفريقين، بين البرجين منزل تابع لأحد السكان، أصاب الانفجار عجلته الخاصة.

بعد ذلك التفجير قال قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، إن تنظيم “داعش” لم يغادر مطلقاً الطارمية، داعياً إلى إجراء عملية تطهير عسكرية.

بالمقابل حذر القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي ووزير الداخلية الأسبق باقر جبر صولاغ، مما أسماه “الخلايا النائمة في الطارمية”.

جهات مجهولة

وعلى إثر ذلك، اتفق شيوخ العشائر في الطارمية مع القوات الأمنية، أن تنفذ الأخيرة حملة عسكرية في البساتين لقطع الشك بوجود مسلحين مختبئين.

وحتى الآن لم تعلن القوات الأمنية عن اعتقال أي مشبته به ضمن الحملة الأخيرة.

ويقول الشيخ الفراجي إن هناك 3 روايات حول ماجرى بعد تفجير العبوة، الأولى صراع بين القوتين العسكريتين، والثاني وجود قناص مجهول، والثالث مجاميع تابعة لـ”داعش”.

ويؤكد الزعيم العشائري أنه “لم يعثر حتى الآن على أي مسلح” وبأنهم يسمعون عن قتلى في غارات، لكنهم لايعرفون هوية القتلى ومن أين جاءوا!

ويتفق الفراجي مع أغلب المسؤولين في الطارمية، بأن الحل يكون بمشاركة سكان البلدة بالملف الأمني، وهو أمر يعتقد أن فيه بعض المرونة من قبل الحكومة في لقاء عقد مؤخراً بين القيادات الأمنية وعشائر المنطقة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here