ورقة الإستقالة لم تعد في جيب عبدالمهدي!

ساهر عريبي

تزايدت التوقعات بتقديم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي لورقة إستقالته التي إشتهر بدسها في جيبها وعدم التواني عن إخراجها ووضعها امام أنظار القوى السياسية العراقية وكما فعل مرّتين عندما استقال من منصب نائب رئيس الجمهورية في حكومة المالكي الثانية ومن وزارة النفط في حكومة العبادي. فلقد اثبت الرجل عدم تكالبه على المناصب والإستقتال من اجلها, مؤثرا أن يخط بيراعه أفكارا على صفحات جريدة العدالة بدلا من إمضاء قرارات حكومية.

ولذا فقد تخوّف الكثيرون من ان يخرج عبدالمهدي سريعا هذه المرّة ورقة استقالته بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الحالية التي لم تكتمل لحد اليوم رغم مرور سبعة شهور على ولادتها. فهذه المرّة ليست كالمرّات السابقة التي دخل فيها الحكومة كوزير أو نائب لرئيس الجمهورية مدعوما بفصيل سياسي ألا وهو المجلس الإسلامي الأعلى كما وأنه لم يكن أيضا مرشّح المجلس لرئاسة الوزراء كما حصل في العام 2006 . جاءته رئاسة الوزراء تسعى اليه بالرغم من أنه أصبح خارج دائرتي المجلس الأعلى وتيار الحكمة بعد انشطار الأول إذ لم يعد يتنمي لفصيل سياسي, وبالرغم من عدم مشاركته في الإنتخابات!

تولّى المنصب ليس ممثلا لأحد بل لنفسه إثر توافق حصل بين اكبر فائزين بالإنتخابات ألا وهما كتلة سائرون بزعامة السيد مقتدى الصدر وكتلة الفتح برئاسة هادي العامري. كان عبدالمهدي الخيار الأفضل بعد ان وصل الصراع الى اوجه بين تحالفي الإصلاح والبناء حول الكتلة الأكبر وبما ينذر بانزلاق الأوضاع الى ما لايحمد عقباه وخاصة مع عزم بعض الأطراف تهميش الفائز في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة ألا وهي كتلة سائرون. تم تفويض عبدالمهدي تشكيل الحكومة من قبل التحالفين لكنه لم يكن تفويضا مطلقا بل محدودا, وتم الزامه ببرنامج حكومي وأعطي مهلة محددة لتنفيذه قبل مراجعة أدائه.

وبعد مرور سبعة شهور لا يبدو أن عبدالمهدي نجح على الصعيدين, أي صعيد إكمال التشكيلة الحكومية أو صعيد تنفيذ البرنامج الذي أعلنه والذي كان أوسع برنامج في تاريخ العراق الحديث بعد أن تجاوزت عدد صفحاته المائة! وهذا ما أكدته المرجعية الرشيدة في آخر خطبة جمعة إذ فتحت النار على القوى السياسية وعلى الحكومة والبرلمان في الذكرى الخامسة لصدور فتوى الجهاد الكفائي التي تحرر العراق بفضلها من الإرهاب, محذّرة من أن ذات الأَسباب التي أدت الى وقوع كارثة العام 2014 عادت اليوم لتتحكم بالعملية السياسية وتسيطر على عقلية السياسيين! وعلى رأسها التكالب على المناصب.

وأما على صعيد تقييم الأداء الحكومي فلقد اعترت لهجة اليأس خطاب المرجعية من إمكانية نجاح حكومة عبدالمهدي والبرلمان في تحقيق الحد الأدنى من طموحات وآمال العراقيين وعلى الصعد المختلفة وخاصة توفير الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء ومكافحة الفساد وتوفير فرص العمل وتحقيق العدالة الإجتماعية. وإثر هذا الخطاب سارعت بعض القوى الى النأي بنفسها عن الحكومة وعدم تحمل فشلها عبر تبنّي خيار المعارضة ”البنّاءة“ وكما اعلن تيار الحكمة الذي خسر معركة الحصول على منصب أمين العاصمة. ولم يبتعد تحالف النصر بقيادة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي كثيرا عن هذا الموقف معلنا عزمه تبني خيار المعارضة ”التقويمية“.

ومع سريان أخبار حول إمتعاض إئتلاف دولة القانون من عزم سائرون والفتح التفرد بلمف الدرجات الخاصة بات واضحا أن هناك حراك يجري خلف الكواليس لإعادة رسم خارطة التحالفات السياسية. وجاء خطاب المرجعية ليعطي الذرائع للمطالبين باستقالة عبدالمهدي متهمين اياه تارة بالضعف وأخرى بالليونة في التعامل مع اقليم كردستان ومرّة بالفشل. ضغوط على عبدالمهدي زادت من توقعات تقديمه استقالته, لكنه وعلى العكس من المرات السابقة أعلن الأسبوع الماضي عدم نيته إخراج الإستقالة من جيبه! فهل مزّقها أم ضاعت منه أم انتقلت الى جيوب آخرين باتوا متحكمين بها؟

موقف أثار استغرابا لدى البعض وصدمة لدى آخرين. فهناك من يمنّون النفس بخلافته وخاصة السيد حيدر العبادي الذي لم يؤد اليمين القانونية كعضو في مجلس النواب مما اعتبر مؤشرا على أنه طامح بمنصب رئاسة الوزراء فضلا عن حراكه السياسي واستقباله للضيوف الأجانب الذي يعزز هذه التكهنات. إلا انه وكما يقال إذا عرف السبب بطل العجب! وأما السبب الكامن وراء عدم مبادرة عبدالمهدي ال الإستقالة هذه المرّة يعود إلى أن ورقة الإستقالة لم تعد موجودة في جيبه! بل خرجت من جيبه لتقع بأيدي اللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين في العراق.

فالأوضاع الحرجة التي تمر بها المنطقة تستدعي عدم إدخال العراق في نفق مظلم ألا وهو نفق تشكيل حكومة جديدة يسيل لعاب العديد من السياسيين لترؤسها وبما يؤدي الى فتح صراع سياسي قد يتطور الى صراع أوسع, في ظل اوضاع إقليمية حرجة وفي ظل محاولة اللاعبيين الخارجيين مسك زمام الأمور فيه. ولذا فقد خرج قرار استقالة عبدالمهدي من يده ووقع بأيدي هؤلاء اللاعبين الراضين عن أدائه رغم عدم رضا المرجعية والقوى السياسية والشعب عن أدائه المتواضع لحد الآن. وباتت تلك الإستقالة مرهونة نتائج التطورات الجارية في المنطقة والتي سترجح كفّة أحد أولئك اللاعبين على الآخر وحينها يمكن الحديث عن إستقالة او إقالة السيد!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here