عراقيون من هذا الزمان (*)24/ حسون قاسم زنكنه (ابو ميديا)

رواء الجصاني

———————————————————————————

لعائلة عمالية بغدادية كريمة، كردية عراقية، يَنتسب صاحب هذه الحلقة، حسون قاسم زنكنه – ابو ميديا، الذى سمعتُ بأسمه، ناشطا طلابيا ديمقراطياُ، قبل ان نتعرف على بعض، بعد ذلك بفترة وجيزة، مطلع السبعينات الماضية، ولتستمر العلاقة الحميمة طوال العقود اللاحقة بهذا القدر، والشكل، أو ذلك ..

قلت سمعت عنه – عن حسون- وأعني حين فازَ على رأس قائمة اتحاد الطلبة العراقي العام، في المعهد الزراعي ببغداد ( ابو غريب) وذلك في الانتخابات الطلابية (اللاديمقراطية) التي جرت اواخـر عام 1969 وحقق فيها الاتحاد الطلابي البعثي، المسمى بـ (الوطني) انتصارا “كاسحاً” في كل المعاهد والكليات- بأستثناء ذلكم المعهد الزراعي الذي سبق التنويه اليه من خلال التزوير والترغيب والعنف (1).

اما اللقاء والتعارف المباشرمع حسون فكان في المؤسسة العامة للتربة واستصلاح الاراضي، ومقرها (أبو غريب) احدى ضواحي العاصمة بغداد. وكان كل منا عمل في مشاريعها ودوائرها طوال عقد السبعينات تقريباً، وحتى تشتتنا مغتربين الى بقاع الدنيا – هاربين / منفيين- من وطن اباحته سلطة البعث للعسف والتعذيب والقتل والحروب. حسون الى الجزائر، وانا الى براغ التي استقر فيها الى اليوم..

وقبل رحيله الى الجزائر، بهدف العمل الوظيفي والاقامة والنشاط السياسي، والحزبي الشيوعي، أشيـرُ الى انه كانت لحسون محطة حياتية جديرة بالتوثيق على ما ازعم، حدثت في اواسط السبعينات حين التحقَ، مع الالوف من المواطنين الاكراد وعوائلهم، الى مناطق اقليم كردستان العراق، تلبية لنداء الحركة الكردية، وذلك بعد فشل، وانتهاك، سلطة البعث لاتفاق آذار ذي الصلة بالحكم الذاتي الذي كان قد صدر بتاريخ 1970.3.11 وعلى ان يُنتهى من تطبيقه بعد اربعة اعوام .. ووقد بقيّ حسون هناك اسابيع قليلة قبل ان يتقرر عودة المواطنين الكرد الملتحقين، الى مدنهم ومناطقهم لعدم تمكن قيادة الحركة الكردية من توفير متطلبات بقائهم او حمايتهم في كردستان(2).

نعود الى الجزائر، حيث وصلها حسون، تاركاً في العراق وبظروف صعبة: زوجته (نضال) وطفلتهما (ميديا) الرضوع في حينها على ما اتذكر، حيث لم يكن قد مرّ على زواجهما (وكنت شاهداً عليه) غير اشهر معدودات.. وبعد محاولات وجهود ومتاعب، يتعيّن الرجلُ مدرسا في احدى المعاهد اللتعليمية، بمدينة (عين تموشنت) التي تبعد 80 كلم جنوب مدينة وهران الشهيرة، غرب الجزائر. ويستقر هناك نسبياً، وينشط ما استطاع مع رفاقه واصحابه اجتماعيا وسياسيا، وحزبيا، ويصبح بيته ملتقى العراقيين الذين توافدوا الى البلاد الجزائرية، وبالعشرات، مغتربين وهاربين من “وطنهم” وكذلك بالعشرات من العراقيين خريجي البلدان الأشتراكية، الغير قادرين على العودة للبلاد بسبب استمرار قمع وارهاب النظام الحاكم..

وفي عام 1981 نلتقي ثانية، وفي براغ هذه المرة ، حيث وفدَها حسون من الجزائر، مع مجموعة من رفيقاته ورفاقه، المتميزين في نشاطاتهم الحزبية – ومن بينهم بحسب الذاكرة: “س” و”ع” و” م”.. وذلك للمشاركة في دورة تثقيفية سياسية (للأقتصاد والفلسفة الماركسية والحركة العمالية) بضيافة الحزب الشيوعي التشيكي- السلوفاكي، ولنحو شهر كامل، ليل نهار، وكنتُ مكلفاً حينها بمتابعة شؤون تلك الدورة، كما المشاركين فيها .. وهكذا تتوطد العلاقة اكثر فأكثر مع الصديق الحيوي، الكردي الاصيل، حسون، لنتداول ونستذكر ما مضى من زمن، وما هو قائم، ومتطلعين الى الغد الافضل، والذي يبدو انه لم يحـنْ الى اليوم، ولا ندري الى متى!.

وإذ يبقى البعث في العراق مسلِطاً الارهاب، وخائضا الحروب الداخلية والخارجية، يبقى الرجل في الجزائر لحوالي عشرة اعوام . ثم تتغير ظروفٌ ووقائع وآمال وتطلعات.. وتحلّ عندها رحلته واقامته الاوربية هذه المرة، منتقلاً الى السويد، مع المئات من العراقيين وعوائلهم، ويستقر مغترباً في مدينة (يوتبوري) مع عائلته، مساهماً ومشاركاً – بما استطاع – في نشاطات عامة وسياسية مختلفة، ومن بينها في صفوف احزاب سياسية ديمقراطية في السويد، خاصة وانه تمكن من لغة اهل البلاد، تحدثاً وقراءة وكتابة، وبتميّز، بشهادة العارفين، كما محتلاً مكانة اجتماعية مرموقة، تعززت بتواضعه، وبعده عن “البهرجات” متحلياً بسمات شخصية انسانية مشهود لها (3)..

وفي عام 2018 يتجدد اللقاء في براغ، مع حسون، التي جاءها سائحاً مع زوجته، لايام قليلة، نلتقي خلالها لنستذكر مرة أخرى، وأخرى، اهلاً ووطناً واحباءَ وأصدقاء، مقتنعين – ولنقلْ حالمين، وذلك هو الأصح – بأن “لا بـدّ عائدة الى عشّاقها تلك العهودُ، وإن حُسبنَّ ذواهبــا ” !!.

—————————————————— بــراغ / اواسط حزيران 2019

(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن

شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم، والثامنة عشرة عن هادي راضي، والتاسعة عشرة عن ناظم الجواهري، والعشرون عن ليث الحمداني، والحادية والعشرون عن مهند البراك، والثانية والعشرون عن عبد الرزاق الصافي، والثالثة والعشرون عن كمال شاكر… وجميعها كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، ونشرت كلها في العديد من وسائل الاعلام..

1/ كم هو ضروري لو استطاع الصديق حسون كتابة ما يوثق تلك التجربة، وما صاحبها من ظروف وتداعيات كثيرة ومتنوعة..

2/ وهنا ايضا، تجربة أزعم بضرورة الكتابة والتأرخة عنها، وخاصة ممن كان شاهد عيّان عاشها بشكل مباشر..

3/ بعد وصوله السويد، يكون الصديق حسون قد اضاف وقائع حياتية في قارة ثالثة، اوربية، بعد قرينات لها في قارتي اسيا وأفريقيا .. وعن ذكرياته في تلكم القارات ينوي حسون ان يكتبَ ذكريات وتاريخ، وقد بدأ بذلك، وأرسل مقدماتٍ عنها لي، ولكني قصّرتُ في ابداء الرأي حولها والى اليوم، وفي هذه الكتابة مناسبة للأعتذار عن ذلك!!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here