خضير طاهر
كنت ساهرا لغاية الساعة الرابعة فجرا كعادتي دائما ، وإذا بالبريد الألكتروني يحمل لي رسالة من صديقي خالد مروان وهي حالة نادرة ، فقد كنا نتحدث بشكل مباشر بإستمرار ، ما الذي لديه لايستطيع قوله شفهيا؟
ضغطت على الرسالة وقرأت :
(( أخي خضير أبو ياس الوردة .. اليوم سأسلمك رقبتي وأوفر لك مادة للسخرية من تبجحاتي في إمتلاك خبرة واسعة في عالم النساء ، وأكشف لك عن إحدى هزائمي وتجاربي الغريبة مع المرأة ، وفي نفس الوقت أمنحك فرصة للإطلاع على حالة من النادر التعرف عليها ، وكي لاأعطي لنفسي سمات الصراحة وشجاعة الإعتراف ، فالذي دفعني للكتابة اليك هو حالة مزاجية تلح عليّ للكلام وكسر الروتين ، اللعنة ! .. لماذا نخاف من الحديث العفوي من دون تقديم مبررات ، يبدو ان ثقافتنا الشرقية بر مجة عقولنا على أطر في منتهى السخافة !
بعد خروجي من السجن ، كنت قد شيعت الى المقبرة توابيت العديد من المعاني والمباديء والأوهام … على أثر تحطم قناعاتي وإيماني بالأديان والإنسان والحياة .. إنهار يقيني بجملة من الأوهام ، وأصبحت ذاتا جديدة وغريبا على تاريخي !
صرت أمام مأزق حياة أجدها بلا معنى ودون جدوى ، خالية من القيمة .. ووجدت نفسي وجها لوجه امام كآبة فلسفية مدمرة ، ومما زاد الأمر تعقيدا لم أكن بعد مقتنعا بخيار الإنتحار مثلما هو الحال الآن !
لم أكن مهتما بأي شيء سوى إيجاد تسويات مع ورطتي كي أحتال على كآبتي وحيرتي بوصفي كائنا سجينا داخل وجود يرفضه بأكلمه ، حينما أخبروني ان زوجتي السابقة تريد رؤيتي لشرح أسباب طلبها الطلاق أثناء تواجدي في السجن ، قابلت طلبها بلا مبالاة ، لم يكن في داخلي أية مشاعر كراهية وإنتقام نحوها ، وربما لاشعوريا أدركت انني لم أعد صالحا للنظام الحياة التقليدي ، وان العائلة هي نظام مدمر سيفاقم كآبتي .
، وبما انها تعرف الأماكن التي يعجبني التردد عليها : الأسواق المزدحمة والأزرقة الضيقة في البصرة القديمة .. فقد تمكنت من إصطيادي .. سلمت عليها بهدوء ، وتمنيت لها الموفقية بزواجها وكنت صادقا ، لم تجد الكثير من الكلمات لتقولها لي .. أصبحت صورة بلا صدى في نفسي ، هل إستفزها اني لم أحاول حتى توجيه العتاب لها على غدرها وطلبها الطلاق ؟
شيئا فشيئا بدأت أتلمس طريق الخلاص .. إكتشفت ان السخرية من الحياة والضحك وممارسة الجنس .. هي العلاجات المفيدة لكآبتي الفلسفية حيث توفر عالما بديلا غير تقليدي ، لم لا .. ما الذي سأخسره بعد انهيار اليقين في المعاني .
بعد وصولي الى لندن لاجئا ، بدأت في تطبيق تقنيات علاج مشكلاتي الفكرية في رفض الحياة ، كنت أبحث عن زاوية آمنة في داخل سجن هذه الحياة حاملا جراحي وتصوراتي العدمية .
رأيتها كأنها هابطة من عالم شياطين اللذة تتسوق في السوبرماركت ، لذعني جمالها ، كان جسدها عبارة عن نداء صارخ بالشهوة ، تقدمت نحوها وأنا متسلحا بخبراتي الهائلة في عالم المرأة وباغتها :
– ممكن مساعدة ؟
– تفضل .
– ماهي أفضل الطرق للتعرف عليكِ؟
إبتسمت .
– كل الطرق تؤدي الى قلبي .
– قسطنين يوناني مقيم في لندن .
هكذا قدمت نفسي لها وأخفيت هويتي العراقية خوفا من بروز مشاعرها العنصرية لديها ضد العرب .
– أنا ماركريت إيطالية أعيش في لندن .
– من الجميل ان يلتقي حفيد إفلاطون بحفيدة الموناليزا .
تبادلنا أرقام الهواتف ، وإفترقنا ، ولم أصبر طويلا ، أمطرتها بإتصالاتي كي أشعرها بأهميتها وأنفخ في نرجسيتها ، وأحدثها عن مغامراتي كبحار سليل عائلة جابت العالم في البحار توزع نشاطها بين الصيد والتجارة ، وفي غمرة حماستي إنتبهت الى ذكاء ومكر أسئلتها وتعليقاتها ، كانت تثير إعجابي في تمردها على القوالب التقليدية للحياة ، تدرجت علاقتي وتطورت الى المرتجى والمأمول منها حيث تستقر داخل الغرف المغلقة وفوق الفراش ، وكنت أشعر ان ممارسة الجنس تحدث تفاعلات كيميائية إيجابية داخل رأسي !
فاجأني إندماجها بالتجربة ، بل ذوبانها فيها ، كانت تمارس الجنس بلا خجل ودون الشعور بالذنب مفسحة المجال لجسدها لمعانقة توثب روحها والإنصهار في حرارة بركان الإستجابة للشهوة كطقس يشكل غاية وجودها ليس لديها بعد الجنس شيئا آخر غيره .
ومارست أنا بدوري هروبي وإستغرقت في الجنس بإعتباره لعبة ومخبأ ومخدر للنسيان ، ووجدت نفسي منجسما مع طروحات فلسفة مابعد الحداثة في تحطيم الصرامة والجدية والإنغمار في عالم المتعة ، فقد تهاوت القينيات والقضايا الكبرى ، وإنكشف عجز العقل ، كانت مباديء مابعد الحداثة تترجم أزمتي .. أزمة الإنسان الذي كسر أصنام الأوهام ووجد نفسه عاريا امام التفاهة وغياب المعنى مطوقا بأسوار العدم !
إستمرت العلاقة بيني انا قسطنطين إبرهام وماريكت لغاية في أحد الأيام أثناء وجودها معي في الشقة رن الهاتف وكان أخي من العراق وإنخرطت أتكلم معه بالعربي … أطلقت ماريكيت ضحكة صاخبة وعلقت باللهجة العراقية ( خوش تحجي يوناني ) ، صدمتني ، وبعد ان إستعدت توازني أخبرتها أني أخفيت هويتي خشية من المشاعر العنصرية ضد العرب ، وسألتها : لماذا أنتِ فعلتِ نفس الشيء ؟
كان جوابها انها عرفت منذ اللحظة الأولى اني عراقي ، لكن لهفتي وإعجابي بها وطريقة التعارف الطريفة جعلتها تجاريني في اللعبة ، وقالت مازحة (( شفتك خوش فحل )) .. ورحت أطرح عليها الأسئلة : من أنتِ وماذا تفعلين ؟.. وكانت إجاباتها صادمة ومثيرة للفضول نظرا لكمية حجم المغامرات التي خاضتها ، ذكرت لي انها جاءت للدراسة في بعثية حكومية ، نظرا لجمالها وسعة شبكة علاقاتها فاتحها جهاز مخابرات نظام صدام للعمل معه ومابين الخوف من النظام وحب المغامرة وافقت وإستمرت في الدراسة في لندن ، ثم بعد هزيمة النظام وتفكك جهاز المخابرات أصبحت الخلايا الخارجية بلا إرتباط يتيمة ، سألتها ألم تكتشف من قبل الأجهزة الامنية البريطانية ، ضحكت وأجابت : (( أنا ذهبت اليهم وأخبرتهم عن خلية لندن )) ولم تكشف المزيد فقط أخبرتني انها بعد تجاوز حاجز الخوف وتوسع طموحاتها للعمل مع أجهزة مخابرات دولية ، فتحت إتصال بالبريطانيين وقدمت المعلومات عن نفسها وعن الخلية في زمن نظام صدام وظلت تواصل عملها مع العراقيين والبريطانيين معا ، ألا تخافين من كشف هذه الأسرار ، أجابت :(( لقد توقف عملي مع الإثنين وأصبحت حكايات من الماضي )) ثم رمقت صدرها بنظرة سريعة مذكرة إياي بإشتهائي له ، فقد كنت أعشقه بجنون .. أشمه وأقبله وأخر باكيا فوقه في لحظات إفراطي في السكر وتذكر عذابات أيام السجن ، سألتني (( هل ستتركني ؟)) وأجبتها على الفور لا سأظل معك فإنت شيطاني المقدس .))
الى روح الصديق خالد مروان التحية والسلام .إن كانت توجد حياة مابعد الموت . فقد إختار الإنتحار حلا لإنهاء مشكلته مع الدنيا!
Read our Privacy Policy by clicking here