الفساد في البلاد العربية

سوف أعرض عليكم تحديات الفساد في البلاد العربية ، ولكن من وجهة نظر

ليبرالية ديمقراطية خالصة ، ولن نتهاون إنشاء الله في تسمية الأشياء

بمسمياتها ، وفي هذا سنتعرض لشيئين أصابا البلاد العربية بالضعة

والهوان ، وهما الميوعة وعدم الوضوح واللامبالات لدى أحزاب السلطة الحاكمة

، ولن نزيد على ذلك وسوف نذكركم بما ورد في كتابنا – الطريق إلى الليبرالية

الديمقراطية – ، وهناك قلنا : – إن الفساد في البلاد عرضي سببه التوزيع غير

العادل للثروة وهيمنة قوى معينة على مقدرات الدولة – هذا الشيء جعل من غير

الممكن العلاج من خلال الوسائل الذاتية ، ولهذا تطلب الإستعانة بالغير الأجنبي في

عملية التغيير ، ومع ذلك لم تنتج تلك العملية سوى الفوضى وزيادة نسبة الفساد

وتعدد وجوهه .

ولعل الأمية السياسية والجهل وهيمنة فئات تفتقد للحس الوطني والأخلاقي ، قد نمى

وزاد في مناسيب الفساد بالحدود غير المألوفة ، ولم يختلف أثنان في أن الفساد عرض

زائل لكن أسباب زواله تحتاج إلى حركة من نوع خاص ، هي ثورة في كل

المقاييس هي حركة النقلة ، وهذا ما لم يعد متاحاً في ظل تبدل قوى العمل السياسي

وإرادات الدول ذات المصالح الضيقة ، والتي لم يعني لها التغيير والبناء الديمقراطي

الصحيح شيئا بالمدى المنظور ، ولديها تغليب للمصالح على القيم والتي هي

عندها الشيء المباح والمتاح في نفس الوقت ، ولهذا فشلت التجربة في العراق وفي

اليمن وفي سوريا وستفشل إذا ما طبقت في إيران ، وتعالوا ننظر للأمر من وجهة نظر

محايدة

ونقول : – وهل إن سلامة العمل السياسي يكون لدى الأغيار في سلامة التوجه

الوطني ؟ – .

ونقول : – لا فالأغيار لا يهمهم من هذا كله سوى مصالحهم ، ومن حيث تكون ومن حيث تتحقق فهذا هو المطلوب . وأما الشعارات أو الإرادات الوطنية فليس لها محل من الأعراب عندهم ، وهم في ذلك يعملون بالمقولة القديمة في صحة عمل الحاكم وإن كان قاطعاً للطريق ، مادام يحقق المصلحة ويؤدي ما عليه من ضرائب ، إذن فالتعويل على الغير في التصحيح ومكافحة الفساد هي أمنية بعيدة المنال ، وإنتظار الفرج من خلال ذلك عبث وعمل في الممنوع . ونعود لنقول إن الحل يكمن في الإرادات الوطنية الشريفة ، والسؤال وهل هناك لازال إرادات وطنية شريفة ؟ ، وسنقول بتجرد نعم لكن صوتها خافت في ظل هذه الإرجوحة التي صنعها المحتل ومن جاء في حضنه وعلى أكتافه ، ولكي تتم عملية النقلة نحتاج إلى وحدة الصف والتراص والإيمان بالوطن المشترك الجامع ، وفي ذلك ثمة مسؤولية أخلاقية وإجتماعية وسياسية ، والتصدي لها يتطلب المزيد من الصبر والتأني والثقة ، بأن الحياة هي دورات وليس دورة واحدة ، ولعل القرآن المجيد أدلى بدلوه في هذا حينما قال : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ، ومفهوم المداولة قضية حتمية بل هي صيرورة إجتماعية وإنسانية ، ولهذا نعد المفسدين مهما علا صوتهم وتمرسوا في أساليب الفساد وفنونه ، إن الشعب قاهر وهو الباقي بعد الله وبيده القدرة على محو أثار الفساد والطمع والدونية والتحرش بمستقبل الأجيال ، وفي هذا المضمار لابد من تدشين وترسيخ ثقافة الوعي العام الوعي الجماهيري ليكون هو الدافع والمحفز لتوكيد النظرة الوطنية الخالصة . نعم إن السبيل إلى ذلك هو نفسه السبيل للقيم الأخلاقية وللإيمان بالله وباليوم الأخر ، فكل نزاع أو خلاف أو تشاكس حول الأحقيات في المجال الوطني هو فساد وهو تهديم للوطنية وأسسها ، وهذا الشيء قلناه حين كان خطر الإرهاب يمزق الوطن ويحاول دثر معالم الوحدة الوطنية ، في ذلك الوقت تعرضت سلامة الوطن للخطر، وتعرض المواطن لنوع من الهزات التي كادت أن تبعده بعيد جداً ، وسوف نتذكر بإجلال تلك الفتوى الشجاعة التي سجلت حضوراً لافتاً في صيانة الوطن ووحدته ، وقضت مع الإيام على فتنة الدجال ، وبالنسبة لنا لم تكن قضية الوطن تدخل في حسابات الربح أو الخسارة ، بل كان الحساب هو البناء والتقدم وليس غير ذلك ، ولكن بعض النفعيين وأعوان الغريب لم تكن سلامة الوطن تعني لهم شيئا مقدساً ، ولهذا حين أختلفوا أختلفوا في الموقف منه ، فعرضوا السلامة الوطنية

للخطر الجدي لقد أثبتنا بالدليل إن الفساد هو العدو الأول للوطن والمواطن ، وأثبتنا إن النفعيين والوصوليين والمرابين لا يعملون إلاّ من أجل مصالحهم الشخصية ، وهم يفعلون كل قبيح من أجل ذلك وكلما هدأت نار الفتنة والفساد أوقدوا لها باباً لتظل مستعرة ، وهذا ليس بغريب إنما الغريب أن لا يفعلوا ذلك فالوطن عندهم حقيبة مال وأرصدة وعمارات في دول الخليج وأستثمارات باطلة هنا وهناك ، حتى عم الفساد في البر والبحر ، ومعهم لم يتحقق للشعب سوى الخوف ونقصان الكرامة والإضطهاد والتخوين والتخويف وزرع الفتن وخلق التوتر وإشعال النيران ، لذلك نقول إن الفساد من الأشياء التي لا يختلف في تعريفها ، لدى الجميع وإن أختلفوا في أشياء كثيرة لأنه ببساطة يعني جعل الأكثرية الساحقة من الشعب في حالة من الاضطهاد ، الذي يسلبهم إمكانية الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم ، إن تحقيق مصالح فئة أو أقلية من البشر يجعل من غير الممكن الإيمان بمعنى الوطن أو الشعور به ، وواحدة أخرى من قضايا الفساد هي ضعف الحكومة وسيادة النزعة القبلية وفقدان هيبة الدولة والقانون ، مما سخر إمكانيات الشعب لتكون رهناً لفئة النفعيين ومصاصيي الدماء ، إن تصعيد الموقف ضد الفساد لم يأت بوحي من الأخر ، ولكنه كان حاجة وضرورة بعدما تفاقم الوضع وأصبح الأمر لا يطاق على كل الصعد ، نعم لن نغلق الباب وسنظل متجاوبين مع كل دعوة لرفع الحيف والمعانات من على هذا الشعب المسكين ، إن شرطاً وحيداً يقربنا من الجميع حين نرى ونشاهد الهمة والدقة والنزاهة وعدم المحابات وإحترام القانون ، وإعادة الهيبة لمؤوسسات الدولة ، وفي ذلك يكون الكلام عن إمكانية تغيير الحال واردة في الحسبان ، وحتى تحين تلك اللحظة سنظل مع الشعب نجاهد معه ونشد على يديه وهو يطالب بكرامته وحقوقه وحرياته .. راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here